من القصص الواقعية
دلزار اسماعيل رسول
ظلت تتلوى في فراشها ساعات طويلة وهي تكتم غيظها و حنقها …و هي تلبس اجمل ملابس نومها و التي تتفنن في اقتنائها…فلديها منها من كل الألوان و المغري في التصميم و الاشكال…لكي تبرز كامل أنوثتها……تنتظر زوجها لكي يأتي الى فراشها…فقد طال فراقه بسبب عمله خارج بلده…ظلت تنتظره باحر من الجمر…فهي لم تذق طعم أنوثتها بعد…ولم ترتوي من ماء السعادة الزوجية التي كانت ترتئيها وهي لم تدخل القفص الذهبي بعد…كانت ترسم احلاما وردية لفارس أحلامها لكي ياخذها الى عالم وردي ملئها الحب و الحنان و الإشباع العاطفي قبل الجسدي…ولكن كل احلامها ذهبت هباءا…فها هي قد اصبحت اما لطفلين بصعوبة بالغة…فمن اول ليلة معه اصطدمت بهذا الواقع القاسي لانه لا يعرف كيف يتعامل مع الأنثى …فبغض النظر عن فتوره الجنسي…اتهمها في شرفها و عفتها…لكي تضعها في موقف المتهمة دائماً، لكي يداري كبر سنه بهذه الطرق الملتوية فقد كان له دهاء الثعلب و مكر الذئب…….
لم يكن يعرف كيف يبدأ معها سمفونية الحب…بل كان يهجم عليها كوحش ضاري بعد أن يلتهم بضع حبات زرقاء و بعد أن يقضي إربه منها….كان يتركها لالامها…ولن تنسى ابداً كيف مارس معها اول مرة…فقد تركها في دمائها البريئة تتلوى من الألم و الدموع تملأ مقلتيها…من دون أن يهتز له طرف….ظلت في عذابها تلك…سنين طويلة…يمارس معها لدقائق معدودة ثم يتركها وهي لم تشبع من رائحة رجل…ولم ترتوي من مائه….
مارست معه صنوف علوم الاغراء التي تعرفه و التي لم تعرفه و تعلمته من رفيقاتها…و تفننت فيه و رغم ذلك يأبى أن ياتي الى فراشها الان…بحجة انه اشتاق لولديه من طول الفراق و يريد أن يملأ مشاعر الأبوة لهما…ولكن ليس على حسابها…..ولكن هذا ديدنه دائما حينما يرجع من سفره….لقد علمت أنه يتهرب …
اصبحت عصبية جدا…يكاد مقلتيها يخرج من مكانها…و تتشنج اطرافها كلما ارادت أن تفتح معه أبواب الحوار لكي يجدا لهما حلا لهذا الامر…ولكنها في كل مرة تصطدم براسه العنيد…ولم يكن ينصفها احد، حتى المقربين منها، كانوا في صفه، يدافعون عنه، و ينصحونها بالبقاء، و عدم الاهتمام بهذا الجانب المادي البحت، بل عليها أن تلتفت الى مصلحة ولديها فقط…و هذا كان يزيدها جنوناً، و يفقدها سيطرتها على نفسها، لذلك بدأت بالصراخ و العويل لاتفه الاسباب و في مواقف غير مبررة لتلك العصبية…لقد كان داخلها يملئه الصراخ و العويل…لذلك كانت تنتظر أي فرصة مؤاتية، لكي تصب جأم غضبها على أي شخص تجده أمامها ، لكي تخفف ما بداخلها من ضوضاء شديدة….
يوما بعد يوم لاحضت ان شخصيتها تتحور و تصبح مشوهة ، و تنسى كينونتها الأنثوية و تتحول إلى مخلوقة غريبة عنها…كانها لا تتعرف على نفسها و تنظر بارتياب إلى نفسها في المرآة…انظر إلى ماذا وصلت بي الايام…و تتساءل في نفسها…لماذا نسيت طعم السعادة…وما هذا الذهول الدائم في كياني…وما هذه المشاكل التي تعرضت لها و أنا في غنى عنها…ما هذا الحظ العاثر الذي أوصلني إلى الارتباط بهذا الرجل الغريب عني في كل شيء…حتى في السخاء…
لقد عاشت في كنف أبيها بعزة و إباء…لم تعرف في حياتها قترا ولا فقرا…ولم تأكل إلا ما طاب و لذ …ولم تلبس إلا الحرير و ما غلى من الثياب…لكنها الان رغم الفقر الروحي…يلفحها ظنك العيش و قتر الحياة….فهو رغم مساوئه الجسدية…و عيوبه الخَلْقية …يتمتع بعيوب خُلُقية ايضاً…فهو يجمع في كفه كل صفات البخل و الجفاء المادي…لذلك كانت تعاني الأمرّين …و كلما ترجع إلى والديها ينصحوها بالصبر و التأني…
ولكن للصبر حدود…فلقد طفح الكيل…و استفحل الأمر…فلم يعد في مقدورها أن تتحمل اكثر…فلقد صارت تتمنى الموت للخلاص من هذا كله…فقد تعبت من الاستمرار في هذا الطريق الشاق و الشائك …فلم ترى أمامها سوى درب طويل لا نهاية له…و صارت امام اختيارين كلتاهما مر…إما أن تخض الطرف عن ولديها و ترحل بعيدا و تتركهما لمصيرهما مع هذا الرجل و تطلب الطلاق و الفراق منه … أو تتحمل و تصبح قربانا و فداء لفلذتي كبدها…
اخيراً…..قررت أن تكون شجاعة….و اختارت الصواب في نظرها رغم نصح والدتها بالبقاء مع هذا العذاب …فقد تركها أبوها و العلقم في حلقه حزناً و كمداً على حظ ابنته العاثر…و تركها في هذه الدنيا يتيمة…لذلك امعن زوجها في تعذيبها اكثر و اكثر …حينما شعر بانها اصبحت وحيدة …ولم يبقى لها سند ولا ظهر…
الان…هي تعيش وحيدة…تحن الى أيام صباها…و تتمنى أيام طفولتها…لكي تجرب الحياة من جديد…و تعيد الكرة مرة اخرى مع فارس احلام آخر…فهي فرسة أصيلة…ولا يقدر اي شخص ان يطأها …و قيادتها نحو بر الأمان.