مسار ألتجربة الديمقراطية والانتخابات النيابية في إقليم كوردستان

 

 

د. توفيق رفيق التونچي

 

“تقلع الطائرة عكس اتجاه الريح”

إقليم كوردستان اليوم كتلك المدينة المسماة:

پرد ێ بالكوردية

التون كوپري بالتوركمانية

القنطرة الذهبية بالعربية

و كرت هارات بالأشورية

اليوم المدينة جزيرة واقعة على ضفاف الزاب مجزئة بالتناصف جزء منها تابعة للإقليم والجزء الأخر تابعة الى مدينة كركوك وتقع في منتصف الطريق بين اربيل و مدينة كركوك بل أصبحت اليوم في أطراف العاصمة اربيل بعد التطورات العمرانية التي شهدتها في السنوات الأخيرة. يسكنها تقريبا كافة مكونات النسيج السكاني الذي يتألف منه مجتمع ألإقليم.

 

الديمقراطية هي نظام حكم عن طريق انتخاب المواطن لمن يمثله من احد مرشحي الأحزاب السياسية في المجلس الوطني إي البرلمان وهذا التمثيل يعكس الانتماء الفكري لذلك المواطن او رغبته في تطبيق برنامج انتخابي لحزب معين دون ان يكون هو بنفسه منتميا الى ذلك الحزب. تختلف قوانين إجراء الانتخابات من دولة الى اخرى وهي على الأكثر تعتمد على حق التصويت الاقتراح لكل مواطن ولمرة واحدة إي بطاقة تصويت واحدة بشرط ان يكون الفرد قد تجاوز عمر معين يحدده القانون اي يكون راشدا. النظام الديمقراطي في الحكم يطبق اليوم في معظم دول العالم ذو النظام الجمهوري منها والملكي على سواء.

 

هناك اليوم تجربة ديمقراطية في إدارة إقليم كوردستان ضمن دولة العراق الاتحادي. التجربة الديمقراطية في الإقليم حديثة ليس لها شبيه بين أنظمة الحكم في دول المنطقة لا بل تتعدى كذلك شكل التجربة العراقية لإدارة المركزية من نقاط عدة أهمها عدم وجود الأحزاب الطائفية والتي تتخذ الدين مصدر فكريا لإدارة الدولة. المواطن في الإقليم يحق له المشاركة في انتخابات تحديد نوع الحكم المركزي وكذلك في الإقليم. حيث يشارك في الانتخابات النيابية الوطنية التي تتمخض عن تشكيل الحكومة المركزية في بغداد العاصمة. تجربة الإقليم لم تأتي بعد اي انقلاب عسكري او ثورة تغيرية تصحيحية بل كتحصيل حاصل فرضته ظروف العراق ما بعد ٢٠٠٣ وكنتيجة مباشرة لنضال الشعب الكوردستاني ودماء البيشمركة الشهداء لنيل حقوقه الدستورية و المشروعة. تاريخيا جميع الأحزاب السياسية العاملة على الساحة الكوردستانية العراقية اليوم ذو توجهات قومية وغير ثورية، أي تؤمن بالنظام الديمقراطي التعددي وتداول السلطة سلميا. الاستثناء في الحزب الشيوعي الكوردستاني وقسما من الحركة الإسلامية.

 

جذور معظم تلك الأحزاب نجدها في الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي تأسس في 16 آب عام 1946 بقيادة الخالد مصطفى بارزاني، نلاحظ في البداية كان اسم الحزب (الحزب الديمقراطي الكوردي) كحزب ليبرالي قومي كوردي ولكن في المؤتمر الثالث بتاريخ 26/1/1953 الذي انعقد في مدينة كركوك تقرر فيها اختيار الوطن وتحويل الحزب الى ديمقراطي وطني ( كوردستاني) بدلا من ألاحقة الكردي القومي، الكوردي لاسم الحزب. هذا التغيير مهم لما فيه من أهمية في تحول الحزب الى حزب لابناء ألوطن بجميع أطيافه وليس منحصرا بقومية واحدة فقط أي اختيار الوطنية بدلا من القومية. أصبح الاسم الجديد للحزب و الرسمي (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) ورافعا شعار الحرية، الديمقراطية ، العدالة. الحزب الذي جمع جميع التيارات الفكرية السياسية إبان تأسيسه وانشق بعد ذلك معظم الأحزاب والتكتلات السياسية العاملة اليوم على الساحة الكوردستانية تباعا من هذا الحزب ويبقى الصراع مستمرا بين القوى الداعية الى الوطنية من جهة ومن جهة اخرى تلك المتمسكة بالفكر القومي وخاصة السلبي منه.

 

 

 

لعل أهم انشقاق قاده المرحوم مام جلال الطالباني عام ١٩٦٦ ومن ثم بعد انهيار الثورة عام ١٩٧٥ اثر اتفاقية الجزائر المشئومة تمكن مام جلال وبعض رفاقه من جمع عدد من خمس قوى من اليسار( العلمانيين ،الليبراليين، التقدميين) من حوله في دمشق مؤسسين ما عرف لاحقا ب ( الاتحاد الوطني الكوردستاني) تأسس الحزب في الفاتح من تموز، يونيو من عام 1975. هذا التكتل الحزبي بدوره شاهد العديد من الانشقاقات بعد عام ٢٠٠٣ عام سقوط النظام القومي العربي البعثي في العراق واحتلال قوات التحالف للعراق كان أهمها حركة گوران ( التغيير) التي قادها المرحوم نوشيروان مصطفى عام 2006 وكان من قادة الاتحاد الوطني الكوردستاني وانشقاقات أخرى متتالية ومستمرة وتأسيس حركة الجيل الجديد الليبرالية.

 

لکن الحقيقة على ارض الواقع و رغم ان التركيب السكاني للإقليم تعددي قوميا وعقائديا وهناك فرق كبير بين الحركات السياسية القومية وتلك الوطنية إلا إننا نجد بان هناك على الساحة الکوردستانية ازدهار للأحزاب القومية التوجه ومن جميع القوميات ولا نجد حزبا يمثل جميع أطيافها وسقفا للوطن كقاسم مشترك موحد. اليوم يتحضر جزء من ابناء كوردستان للمشاركة في اختيار ممثليهم للدورة السادسة من الانتخابات النيابية وبمشاركة مختلف فصائل الحزبية في الاقليم. وكانت قد جرت أول تجربة للانتخابات بأسلوب ديمقراطي في كوردستان العراق بتأريخ 19/5/1992 بموجب القانون رقم ( 1 ) للجبهة الكوردستانية، وبإشراف ورعاية ممثلي العديد من المنظمات الأجنبية في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية وأعضاء برلمانات الدول الأوربية والصحفيين الأجانب. بقى جميع الأحزاب السياسية وبجميع اتجاهاتها تدور دوما في المحور القومي الكوردي ويمثلهم حصرا، شعارا ونشيدا وطنيا وأعلام ويطرح هموما خاصة بجزء او بطبقة معينة من أبناء المجتمع الكوردستاني. هذا التوجه القومي نراه كذلك حتى بين المنتنين الى الحركة الإسلامية في الإقليم.

 

تاريخيا سيبقى الصراع بين الفكر القومي السلبي والأفكار الوطنية وتعود الى الساحة السياسية بين الحين والأخر. تجدر الإشارة الى ان الأنظمة الحكم القومية قد فشلت وفي معظم دول العالم ذو المجتمعات المتعدد الثقافات والأعراق والعقائد وكان من جراء تبوؤها السلطة والحكم الحرب العالمية الثانية في ألمانيا النازية وايطاليا الفاشية واليابان الإمبراطورية واسبانيا والفرانكوية وانعكاساته اليوم في صعود الفكر القومي السلبي في معظم دول أوربا. أما في دول الشرق نرى النموذج القومي السلبي العربي في الحكم البعثي المقبور في العراق وكان من نتائجها الحرب في كوردستان، حرب إيران، احتلال الكويت و ام المعارك الشهيرة وتحرير الكويت ثم احتلال العراق من قبل قوات التحالف والجرائم التي اقترفت ضد الإنسانية.

لذا نرى نتيجة لذلك وخاصة بعد 2003 تأسيس تجمعات حزبية قومية:

توركمانية ، عربية وأخرى سريانية (مسيحية) وتوجهات ايزيديية.

تلك التجمعات السياسية تشارك في الانتخابات النيابية وهذا ما جعل دوما وصول أكثرية أعضاء البرلمان وممثليه من الكورد (ما عدا أعضاء الكوتا) وغياب شبه كامل لممثلين لأبناء اكبر أجزاء خارج الإقليم وما يسمى في الأدبيات السياسية ب(الأراضي المتنازع عليها).

الجدير بالذكر بان تلك الأراضي كانت دوما متنازع عليها منذ تأسيس الدولة العراقية ولم يتغير الوضع لحد اليوم حيث كانت جميع الحكومات العراقية المتعاقبة منذ تأسيس المملكة العراقية تعترف بكوردستانية لوائي السليمانية واربيل . يبقى ان نعلم ان الزخم السكاني في تلك الأراضي تعددي الانتماء وقد جرى فصول من التعريب والتغير الديموغرافي ( السكاني) والعرقي فيها وحملة الأنفال وسياسة حرق القرى والأراضي وتهجير ساكنيها. ناهيك عن التغيرات في الحدود الإدارية للواء كركوك وديالى وإلحاقها بما يسمى اليوم محافظة صلاح الدين مع تقزيم حدود لواء كركوك بطريقة عرقية في فصل القرى الكوردية والتوركمانية منها وإلحاقها بالمحافظات المستحدثة.

 

التجربة البرلمانية في الإقليم رائدة في المنطقة من حيث مصداقيتها ونزاهتها ولكنها تبقى ناقصة لأنها تترجم آمال جزء من شعب كوردستان وتمثل إرادتهم وحتى بذلك تقوم بإدارتها وتلك لا تتجاوز محافظتي السليمانية واربيل ودهوك وحلبجة حديثا.

 

نأمل جميعا ان تحل سلميا وعن طريق الحوار جميع الملفات العالقة مع حكومة المركز واستنادا على بنود الدستور الاتحادي (المادة 140) المعطلة ويتم رسم حدود إدارية واضحة للإقليم بالكامل وبذلك يتحول البرلمان وحكومة الإقليم الممثل الحقيقي والفعلي لأماني جميع مكونات شعب وإقليم كوردستان. وذلك عن طريق ترسيخ مبدا التعايش وروح التسامح بين كافة مكونات الشعب من قوميات ، الأديان، المذاهب و طوائف لضمان الحقوق القومية والثقافية والإدارية لشعب كوردستان من ألتوركمان، ، العرب ، الكلدان ، الأشوريين، والأرمن. ولضمان حق كل مكون ديني ومذهبي في إقليم كوردستان في ممارسة طقوسه الدينية وتأسيس المجالس لتنظيم شؤونه الثقافية والاجتماعية وتطويرها وتنميتها. كذلك إقامة أفضل العلاقات مع الأحزاب العاملة في كوردستان والعراق والتي تؤمن بالدستور وبالديمقراطية وحقوق الإنسان والفيدرالية والتآخي الوطني وتعترف بحق جميع الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.

 

لتستمر عملية تنفيذ الخطط والمشاريع النهضوية على طريق تثبيت أسس مسار التجربة الديمقراطية السلمية في الحكم في الإقليم. تلك مسؤولية تقع على عاتق جميع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني. كما هي عليها مهمة تعمير وتحديث إقليم كوردستان وبناء مستقبل زاهر لأبناء جميع مكونات المجتمع القومي والعقائدي الكوردستاني، كمسؤولية تأريخية تقع على عاتق الجميع.

 

الأندلس ٢٠٢٤

قد يعجبك ايضا