عباءات السراويل

( أهداء الى أبو وليم ) قصة : مشعل تمو

ترجمة : ماهين شيخاني

في تلك الغرفة الواسعة , المترامية الأطراف ، كان الضابط يخطو جيئة وذهابا , ومابين كل خطوتين , بثني ركبته اليمنى ويداه متشابكتان , تهتزان خلف ظهره ، ودون أن ينظر إليَّ قال:
– نعلم ماذا تفعلون و ماذا تكتبون ! إذاكان رأسك صلداً فقد كسرنا روؤس أقسى ! إذاكنت عنيداً فنحن أكثر عناداً ! لا توجد روؤس كبيرة عندنا ، الكل بإرادتنا و وفق ما نبغي ونريد يسير ويتصرف ! انظر : بإمكاننا تحطيم قفل لسانك ! أوجعلك جثة هامدة وهناك مئات الأطباء سيكتبونها ميتة طبيعية ؟!
– أوقفني في زاوية من الغرفة وهو يتكلم ويتمشى , كنت استرق النظر الى أثاث غرفته ، سجادها ، والصور المعلقة على الجدران ، حيث يخال للمرء بان هذا رئيس للجمهورية ؟
كان الضابط يردد كلماته التي حفظها عن ظهر قلب ، لكثرة تردادها , أجزم بإنه رددها لمئات الأشخاص ، لذا كان يتابع حديثه دون عناء بأمس الشوق للتخلص من وجهي !
– قرع الجرس ، وقال للحارس :ليذهب ؟؟ ويراجعنا مساء ؟
في المساء حجزني في غرفة صغيرة،, كان فيها كرسيان أو ثلاثة من التي لامساند ظهرية لها. واخبرني الحارس بأن انتظر حتى يخلو مكتب ريئس تلك الشعبة اللعينة من الضيوف . يبدو أن هذه الغرفة المهملة هي للمستخدمين ، حيث يعمل شخص من قريتنا , منذ فترة بعيدة منظفاً ومحضراً للشاي.
بصراحة كنت أرى ذلك المستخدم كثيراً , إلا إنني لم أكن أحبذ مصافحته ولا حتى محادثته , بسبب ارتباط أسمه بالسوء !.لكن انتظاري الطويل في تلك الغرفة أضطرني للحديث معه لقطع الوقت ليس الا :
– خاجو , كيف حالك !
– تنقضي يا استاذ !
– يبدو انك غير راضٍ !
– كلٍ يتألم على حاله .
– الذي اعرفه بإنك مرتاح ؟ صحيح إنك عامل تنظيف ومحضر للشاي , لكن سلطتك في القرية تضاهي سلطة رئيسك !.
– تتحدث عن مرحلة ماضية ,عفا عليها الزمن , عندما كان أناسنا يخجلون إذا جاؤوا الى هذه الشعبة، يا استاذ , رغم أن وعيي متواضع ,,إلا أنني واثق بان الحياء والعيب قد تبدلا المكان في هذا الزمن ؟ !
– أومأت رأسي بالموافقة , لأنه كان يتحدث إلي , وأنا جل تفكيري منحصر عند رئيسه وكيفية التخلص من هذه المحنة ؟ .
كان واضحاً أن سريرة خاجو مليئة بالحنق والغيظ و يبحث عن احد لينفث هذا الكرب ويلعنه ؟ لذلك أكمل قوله:
– استاذ همومي لا تقل عن همومكم ؟ فأنا اعمل منذ زمن في هذه الشعبة , مخبراً حيناً و عامل تنظيف ومحضر للشاي دائماً، فالحياة المعيشية صعبة , ، كنت انقل تقريرين أو ثلاث كل شهر، اتنصت لأحاديث الناس و أنقلها للضابط, وآخذ مكافأتي ؟ الآن اغلق هذا الباب من العمل ، لكثرة المخبرين , وباتت الأخبار التي أنقلها عديمة الجدوى أمام تقارير هم الطويلة والمجانية !.
– أفهم أن تقاريرهم ذات مستوى عال ؟
– لتندثر هذه القرية ,لم تعد تحتمل في السنوات الأخيرة ؟ انظر يا استاذ الى أبنائنا كيف يتباهون بالأزياء غير الكردية ؟ حتى إنهم لم يرضوا ب ( الكلابية ) والعقال و ( الحطة )بل باتوا يرتدون سراويل بيضاء طويلة مستوردة من الصحراء النفطية ؟ اغلبهم عاطل عن العمل , يزيد طول سرواله ليلامس الأرض , بل أحياناً كثيرة ليسحل معها !. يجلسون عند الضابط وتحدثون عن بعضهم البعض , صدقني يا استاذ انهم يتحدثون عن نسائهم أيضاً عما يدور في فراشهم !.
– معنى هذا , انهم يقبضون نقوداً كثيراً ؟
– أية نقود ؟ يقدمون المعلومات ويتجسسون على بعضهم ويدفعون فوقها نقوداً للضابط ؟ ، فائدتهم , فقط الشاي الذي أقدمه لهم ؟ يا استاذ مكتب الضابط دائما ممتلىء , قليلو العقل , يتباهون بعباءاتهم المكوية والملونة ! وسراويلهم التي تسحل مع الأرض ! الجميع يدعي بأنه من علية القوم مختا أو آغا ؟ لو ترهم في الداخل كيف يتملقون الضابط ويمدحونه ! يتسابقون في تقديم العطايا والهبات , إذ كلما زادت , زاد القرب والتقرب من الضابط ؟
– أرى أنك متحامل عليهم ؟
– جعلوني عاطلاً عن العمل !ومن حقي أن أحقد عليهم ، استحلفك بالله ، حتى هذه الوظيفة الرديئة سلبوها مني ؟
– رزقك على الله ؟ ما زلت عامل تنظيف ومحضرللشاي .
– هذه ايضاً أخذوها ؟
– ماذا هل سينظفون الغرفة والصالون ايضاً ؟
– إذن لماذا طالت فساتينهم وسراويلهم ؟ أليس كي تسحل بالارض وتجرف معها الغبار و الاوساخ ؟ولهذا لم يعد الضابط يحتاج الى عامل تنظيف ؟
– بقي لك الشاي ؟
– سأترك هذا العمل أيضاً قبل أن يسلبوه هو الآخر ؟ أنا واثق بأنهم في المستقبل القريب سيجلبون معهم أباريق الشاي المتعدد والمحضر سلفاً في منازلهم ؟ .
انظر . لقد أتيت منذ المساء والضابط لايستقبلك ؟ لأن هناك ثلة من هؤلاء الناس الذين أصبحت أشبههم بأصحاب الخيم الجوالة ؟ لا عمل لهم ، فقط همهم ابراز كروشهم وزيادة أطوالهم ؟.
قطع رنين الجرس حديث خاجو المتدفق هرع الى الداخل ، وعاد مسرعاً ليقول :
يقول المعلم : ليعود غداً , لدي اجتماع مهم ولاوقت لدي الآن ؟.

قد يعجبك ايضا