الوشم

من القصص الواقعیە

دلزار اسماعیل رسول

لقد أحبها حبا طاغيا، ملك عليه كل كيانه، حتى انه رسم اول حرف من اسمها على صدره، إمعانا فی حبه، و تفانیا من أجله…لكي يبرهن لها كلما تتلاقى الاجساد، و تختلط الابدان، و يتمازج الانفس، و تتداخل الزفرات…أن القلب الذي ينبض تحت هذا الوشم ، يردد أسمها ايضا مع كل شهيق…كانت شغله الشاغل، فكان يتلذذ بالكلام معها مع أول اطلاله خجولة للشمس، حتى غروبها، و يردد معها سمفونية عشقه الازلي لها…
کانت شغله الشاغل، و همه الکامل، يحدثها من الصباح حتى المساء ، و یحتفظ بأكثر من وسيلة أتصال حتى يستديم المواصلة معها، فما أن ينتهي طاقة الشحن لاحداها، يستعمل أخراها، و هذا ديدنه كل يوم، من الصباح حتى ساعات متاخرة من الليل…
كانت تلتقيه مرتين في الاسبوع…لكي يغرف من شوقها و يبهج قلبه بمرءاها ، فلم يكن يرى غيرها على هذه البسيطة ، ولا يكن مشاعر الهيام لسواها…رجل قد استلهم الشهامة و الوفاء منذ نعومة اظافره، فصارت فيه ملكة، و ترسخ فيه فكرا….
كان يحصى عليها أنفاسها ، و المکانات التی تذهب اليها …يراقب تحركاتها و خطواتها، لذلك كان على دراية شاملة بمحيطها وواقعها، و يساعدها في ذلك أختها… فكان يدقق المعلومات التي يحصل عليها من حبيبته بواسطتها …
وفی یوم من الایام …قالت له…انی سوف أبقى فی البیت، ولا أبارحه، و لن اذهب للدوام الرسمي غداً……و بمقولتها تلک، نكتت نكتة سوداء فی قلبه …ولم یعرف لماذا شعر بمغزى ما، وراء كلامها، ولم يدري لماذا تسرب الشك الى قلبه، ولا يزال هذا السؤال يحيره حتى الان…….يمكن أن قلب المحب مرهف، و يعرف الخبر الصادق من الكاذب ، بمنظار ذبذبة صوت حبيبته، و بصدى صوت قلبه الذي لا يخيب، و هو الوحيد الصادق معه في هذا الكون و الذي يصدقه القول دائماً…..لقد قال له فؤاده، إنها تكذب….ولم يعرف لماذا صدقه…و يا ليته لم يفعل…
لذلك بدأ في البحث و التقصي في اليوم التالي…و أول ما بدء به ، أختها…
سألها:_ هل حقاً أنها لن تبارح البيت اليوم؟
فأجابته:_ كلا، إنها تكذب، فهي الان مشغولة بتبديل هندامها، ووضع المكياج على محياها…يبدو أنها سوف تخرج في موعد مهم، و تتوجه الى مكان خاص…
فبدأ الشك يمزق أحشاءه ، ووحش الغيرة يهجم عليه …حتى بات قلبه ، قاب قوسين أو أدنى، للخروج من صدره من شدة الخفقان، و يمنع عليه تفكيره …ولكنه في لحظة …رجع الى وعيه و تملكه شجاعته المعهودة وبدأ في التخطيط…
اتصل بأحد أقربائه قائلا بارتباك :_ أريد سيارتك حالا…
فرد عليه قائلا: ما الامر، لماذا تبدو على غير طبيعتك…
قاله له : هناك أمر ما و سيارتي معروفة في المنطقة…
فرد عليه: _ خيراً ، ما الموضوع ، تبدو مرتبكا ولا تبدو بخير…
قاله له: أشك فيها ، و أريد أن أراقبها …
فرد عليه:_ ساكون معك…لا اريد أن تقود السيارة بهذه الحالة النفسية المزرية و الحرجة ….و سوف أقود نيابة عنك…و أنا معك في حالة حصول خطب ما …
فأجابه:_ حسناً ، فليكن…
فقال له قريبه :_ أخفي نفسك داخل السيارة بحيث لا يراك أحد…
فانطلقا حتى وصلا باب بيتها …و بدأا بالتربص و الانتظار …
حتى لاحت لهم أخيرا سيارة بيضاء عالية، يقودها أحد أصحابه المقربين، و بدأ بالدوران حول بيتها ، مرارا و تكراراً ، حتى أستقر به المكان أخيرا أمام باب دارها…فما لبثت أن بانت بكامل زينتها و عطرها يجوب الاركان فتنة و غريزة …و ثوبها القصير يتدلى منها فيزيدها جمالا و بهاءاً….لذلك لما رآها بهذه الحالة …. ازداد غضبا و بانت على محيى وجهه …فبات صاحبه يخاف منه اكثر، و يحتاط له …
فبدأت بالركوب معه و الانطلاق بعيدا …. كانت فرحة غبطة، تتعالى ضحكاتها داخل تلك السيارة الفارهة …و تدوي بين ازقة منطقتها ، غير مبالية بمن يراها، فالنشوة التي كانت فيها، أنستها كل شيء حتى نفسها…. إنها لا تدري سوف تقود نفسها الى واد سحيق يستحيل الرجوع منه مرة أخرى ، و هي الان تتجه نحو الهاوية التي لا مفر منه مرة أخرى …
قال لقريبه:_ قُد السيارة على مهل، فلا أريد أن يكتشفانا، أنا اعرف سائق السيارة العالية، حق المعرفة، و أعرف أين يتجه، و الى أي مكان يأوي اليه مع عشيقاته….
قادا السيارة حتى خرجا من بلدتهما ووصلا الى المزارع و التي تصطف فيما بينها ببهاء و جمال خلاب….قال له …قُد بحذر حتى تصل الى مزرعته تلك…أخيرا لاح لهما سيارته العالية …تقف أمام قصره الفاره، داخل مزرعته بشموخ و علياء …
قال له:_. اصطدم بمؤخرة سيارته ولا تترك له مجالاً للهرب
فنظر اليه قريبه في ذهول، و اندهاش ، كيف يصطدم بسيارته …
فصرخ فيه بغضب : اصطدم به و الا غيرت ملامح وجهك…
فاصطدم بسيارته بقوة، و خرج من سيارته و الحنق يسد عليه حنجرته ، ففتح باب السيارة الفارهة، وهي جالسة فيه تنتظر عشيقها لكي يتاكد من خلو قصره، فمفاتيحه بيد عصابة من اصدقائه ايضا، يتشاركون هذا البناء للرذيلة و الفحشاء …
اندهشت من وجوده في هذا المكان ، و تجمدت أوصالها ، و تغير لون وجهها ليبدو شاحباً ظلماء ، و اصفر وجهها كصحراء لا شجر فيها ولا ماء….. تفل في وجهها ، و صرخ عليها قائلا، لم أكن أعرف أنك سوف تنزلين الى هذا المنزلق الوضيع، و تخرجين مع أقرب أصدقائي ، و تخونيني مع أشد الناس وصيلة معي…
لم يلبث كثيرا حتى وصل عشيقها …فانتهره قائلا، لو نبت ببنت شفة سوف أقتلك هنا في الحال…
فرد عليه عشيقها…السمع و الطاعة، لا أقدر أن أقول أكثر من…. آسف…أنا اسف جدا…انا استحق ما تفعل بي…
رجع مع قريبه و الدماء تحتقن في وجهه …و يترجى دمعة …لكي تخفف الامه…ولكن تعصى عليه، و يعاند النزول على خده…
ما زال يتذكرها …كلما ينزع هندامه و يقف أمام المرآة كما ولدته أمه …و يرى حرف أسمها على صدره…و المآسي التي مر بها …و أبى أن يزيل ذاك الوشم على صدره…لكي يبقى تذكارا لا ينسى ، و شعارا لعذاباته التي لا تنتهي ، وليكون درسا قاسيا يتذكره …كلما رأى رسم حرف اسمها على صدره، ووقع عليها عينه…
وهي الان باتت يتصارع عليها فتيان المنطقة …يطاؤونها الواحد تلو الاخر…و يتناوبون عليها …بعدما تركها عشيقها لمصيرها المحتوم…

فنظر

قد يعجبك ايضا