الشعر بين السلب والايجاب

 

د . صباح ايليا القس

 

الغاية من هذه المقالة الاجابة عن سؤال مقصود هو ماذا نريد من الادب بغض النظر عن نوعه او جنسه او كاتبه او عصره .

هل للادب غاية او هو مجرد هواية او هو استعراض هوايات ليست موجودة عند الآخرين ؟ لماذا نكتب ولمن نتقصد في كتاباتنا الادبية خاصة والثقافية عامة ؟ هل نبحث عن الشهرة و المنفعة المادية او هو البحث عن القيم النبيلة والاخلاق الاصيلة ؟ ومن هي الطبقة التي ننشدها في كتاباتنا المعاصرة التي لها اسلوبها المتميز مع القصدية الموضوعية التي تبدأ من أدب الاطفال الى أدب المراهقين الى المثقفين عامة والى المتخصصين في جهة معينة من حقول الادب الذي انشطر وتشعب لاحقا الى اختصاصات متعددة والزمن كفيل بانتاج ما يلائم كل ذوق وفي كل عصر .

عند دراسة العصور الادبية نجد انها تتباين في نوعية الانتاج وطبيعة الاسلوب والموضوع لذلك نجد التوجه الاسلامي في عصر صدر الاسلام والانبهار بالقران والحديث وتجاوز ما كان معروفا في العصر الجاهلي من الاطلال والرحلات ..

كذلك نجد في العصر الاموي ما لم يعرفه العصران السابقان وهو فن النقائض التي تسيّد امرها ثلاثة شعراء هم الاخطل وجرير والفرزدق ..

اما في العصر العباسي فقد تكاثرت الموضوعات وصارت هناك الخصوصية الادبية والخصوصية اللغوية فضلا عن موضوعات القصائد حتى طغت صفات الحكمة والخمر وأخذ النثر حصته الواضحة في الكتابة لاسيما في الرسائل والمقامات والتدوين الادبي والبلاغي واستمر الادب في التطور حتى يومنا هذا الذي يشهد انشطارا واسعا في طبيعة الكتابة الشعرية من شعر التفعيلة الى شعر الومضة مرورا بالمرحلة السيابية وقصيدة النثر وكذلك فعل ادباء النثر في القصص والروايات والمقالات والدراسات والحقول اللسانية وغير ذلك من الانجازات .

لا بد ان كل النتاج الادبي من المفترض انه يسعى الى القيم الاخلاقية حتى عند التعبير عن العواطف الانسانية مستفيدين من العلم بفروعه المتعددة وتطبيقاته في الحياة ومدى الاستفادة منه على ارض الواقع والادب الذي يحقق الجانب الروحي المهم في اظهار السعادة والعيش الانساني ..

عند البحث والتنقير في بطون الكتب لا بد اننا واجدون أدبا متعدد الالوان لكنه ضعيف في التوجه الاخلاقي بما يفيد في التربية التي نريدها لابنائنا من الجيل الصاعد مع عدم زرع العراقيل في النفوس وتثبيط الهمم يقول الشاعر :

وما فسدت اخلاقنا باختيارنا        ولكن بأمــــر سببته المقـــادر

هذا البيت يشير حتما الى الاخلاق بوصفها المصدر الاساسي للبناء النفسي وفساد الاخلاق هنا يعني ضياع القيم والمبادئ التي هي اساس تطور المجتمع لكن الشاعر أسند تلك الاخفاقات الى المقادير الطارئة وهذا امر مرعب في بناء الجيل الجديد ان نلقي باخفاقنا التربوي الى المقادير والاستسلام لها والواجب ان نتصدى لها ونوقف زحفها بما نقدمه ..

الايمان بالاقدار يؤخر التطور ويوقف النشاط الانساني والسعي الى الامام وتحدي الصعاب لنيل المعالي فليس من وسيلة للعلا الا الاجتهاد والسعي يقول الشاعر :

ذريني أنل ما لا ينال من العلا        فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل

نعم ان المستقبل لا يتحقق الا بالاجتهاد وطلب الصعب لا ينال الا بالصعب من الجد والاجتهاد اما السهل فحتما يتحقق بالسهل طبعا .

إن الحماس في البيت السابق يناسب الجيل الطموح في هذا العصر يقول الشاعر :

تريدين ادراك المعالي رخيصة     ولا بدّ دون الشهد من ابر النحل

وما معناه انه ليس بالبساطة والرخص ادراك المعالي مثل الذي يريد الوصول الى العسل أن يتوقع قرصات الدبابير .

قد يعجبك ايضا