بقلم: سعيد عمر
في الخامس والعشرين من سبتمبر عام 2017، شهدت المنطقة حدثاً تاريخياً، سيظل محفوراً في ذاكرة الأمة الكوردية، ألا وهو استفتاء استقلال إقليم كوردستان. لقد مثّل هذا الاستفتاء تجسيداً لرغبة هذه الأمة في تقرير مصيرها واستعادة هويتها الوطنية التي طالما سُلبت منها على مر العقود.
بالنسبة للكورد، الاستفتاء لم يكن مجرد إجراء قانوني أو سياسي عابر، بل هو بمثابة “ورقة طابو”، تُثبت حق الأمة في تقرير مصيرها وتأكيد وجودها. إنها رمز للشرعية والاعتراف الدولي بمطالب شعب كوردستان الذي يصر على السير نحو مستقبل مستقل، والخطوة الأهم في مسار نضالهم الطويل من أجل الحرية.
الاستفتاء كان خطوة محورية نحو استعادة هوية الأمة الكوردية التي طالما أُهملت وتعرضت للقمع والاضطهاد. إنه بمثابة إحياء لروح الكورد الذين يؤكدون أن لهم مصيراً أجمل، ولن يرضوا بالانحناء لأي إرادة تُفرض عليهم. تحت قيادة الرئيس مسعود بارزاني، شهد الكوردستانيون ميلاد مرحلة جديدة، مرحلة تحدد فيها الأمة الكوردية مسارها ومستقبلها بعيداً عن الضغوط والإملاءات.
يُعد استفتاء استقلال إقليم كوردستان من أهم المكاسب التي حققها الشعب الكوردي في تاريخه الحديث. فلا يوجد قانون محلي أو دولي يمكنه إلغاء صوت الشعب الكوردي الذي أكد عبر صناديق الاقتراع رغبته في العيش بكرامة وحرية، وتحديد مستقبله دون تدخلات خارجية. الاستفتاء لم يكن مجرد رد فعل على الظروف الحالية، بل هو خيار استراتيجي يعكس إرادة نهج وفكر أصيل في بناء دولة مستقلة.
الاستفتاء لم يكن لحظة عابرة في التاريخ الكوردي، بل هو مشروع وطني يحتاج إلى دعم ومساندة مستمرة من جميع الكورد، سواء في الأجزاء الأربعة لكوردستان أو في المهجر. من الضروري أن يبقى هذا القرار حياً، ينتظر الفرصة المناسبة على المستوى الإقليمي والدولي لتحقيقه على أرض الواقع. يجب أن لا ينطفئ هذا الحلم في ظل التحديات، بل يجب أن يكون مصدر إلهام للأجيال القادمة التي تسعى لتحقيق الاستقلال الكامل.
لقد نجح الرئيس والزعيم مسعود بارزاني بشكل كبير في كسب ورقة الاستفتاء بدعم شعبي من مختلف المكونات، ورغم التحديات والصعوبات، يظل هذا الإنجاز جاهزاً للظهور في الوقت المناسب. لا يمكن الاستهانة بهذه الورقة التي تعتبر بمثابة رسالة للعالم بأسره: “نحن أصحاب حق، وشركاؤنا في الدولة لا يمكن العيش معهم على أساس الشراكة الحقيقية”. إن الاستفتاء جاهز، وما يزال يمثل خياراً قوياً في الأجندة السياسية الكوردية، ينتظر اللحظة المناسبة لإعادته إلى الواجهة.
لم تكن الخيانة التي وقعت في 17 أكتوبر 2017، ومحاولة فرض الأمر الواقع بالسلاح، كافية لكسر إرادة شعب كوردستان. على العكس تماماً، كانت هذه الأحداث دافعاً إضافياً للكوردستانيين للتشبث بقرارهم وإدراك مدى أهمية الدفاع عن حقهم في الاستقلال. فالأمة الكوردية أثبتت، رغم كل المحاولات لإسكاتها، أنها لن تتراجع عن مطالبها.
في الذكرى السابعة لاستفتاء الاستقلال، يعود بي الزمن إلى صباح يوم 25 أيلول 2017. يومٌ لا يمكن نسيانه. في ذلك الصباح، ارتفعت أصوات الأذان من مساجد مدن وبلدات كوردستان، وقرعت أجراس الكنائس في انسجامٍ قلّ نظيره، ترسل إشارات الفرح والأمل إلى قلوب الكوردستانيين الذين انتظروا هذه اللحظة بفارغ الصبر، وعكست الوحدة الوطنية بين مختلف مكونات المجتمع الكوردستاني. تلك الأصوات تُرجمت إلى دموع فرح في عيون الشعب الذي رأى في هذا اليوم تحقيقاً لحلمه الدائم بالحرية.
*عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا