الجغرافية السياسية في الشرق الأوسط والنموذج السويدي للحكم

 

 

د. توفيق رفيق التونچي

 

الجزء الرابع والأخير

 

أما الضرائب الغير مباشرة فيدفعها الجميع عند شرائهم البضائع أو الخدمات بصورة عامة وتسمى ضريبة القيمة الإضافية ” مومس” وتتراوح نسبتها حسب البضاعة أو الخدمة وتبدأ بنسبة 25% ولها مسميات أخرى كضريبة الطاقة على البنزين ومشتقاتها وضريبة الكهرباء وضرائب متعددة أخرى.  إذا أراد المواطن شراء سلعة معينة فان 25% من قيمة السلعة يدفع كضريبة للدولة تستثنى الشركات من تلك الضريبة والتجار بصورة عامة حيث يتم حساب تلك الضرائب خلال الإقرار الضريبي السنوي وعادة أما ان يدفع التاجر ضريبة إضافية الى الدولة إذا كانت مبيعاته كبيرة واستحصل منها ضريبة القيمة الإضافية اكثر مما دفعه للبضاعة حين اشتراها وتلك عملية حسابية معقدة وعامل مقلق للعديد من التجار الصغار وخاصة من أبناء المهاجرين اللذين يلاقون صعوبات جمة في فهم ميكانيكية ذلك النظام الضريبي المعقد. هنا نرى ان الضرائب على المواد الغذائية اقل منها على المواد الكمالية والأجهزة والمجوهرات مثلا وهناك ضريبة خاصة بالسكائر والمشروبات الكحولية حيث تأتي السويد بالمرتبة الأولى بين دول أوربا الغربية في ارتفاع نسبة تلك الضرائب.

 

ان الحديث عن الضرائب في الاقتصاد الوطني يدفعنا دوما الى الحديث عن نسبة تلك الضرائب الى أجمالي الإنتاج الوطني في البلاد وهنا نرى موقع المملكة السويدية الريادية في قائمة الدول الأكثر نسبة بين مجموعة دول أوربا الغربية رغم ان من الصعوبة الإقرار بصحة تلك المعطيات لوجود فارق كبير في الأنظمة الضريبية بين تلك الدول.

ان التوجهات الإصلاحية في النظام الضريبي في المملكة خاصة في السنوات الأخيرة تتجه الى تخفيض الضريبة على الإيرادات السنوية للأشخاص من ناحية ورفع تلك النسبة على الرأسمال ” الفائدة، العقارات، الأرباح ، السندات ، ….”  وهذا الاتجاه الإصلاحي يقلل الحمل من كاهل المواطن العادي وخاصة ذوي الدخل المحدود.

 

كل رب عمل ان كان شركة خاصة يديرها شخص واحد أو اكثر يدفع ضريبة شخصية خاصة الى الدولة ورسوم إضافية لكل عامل أو مستخدم لديه تسمى برسوم رب العمل. وتصل نسبة الضريبة على الأرباح الى 31،01 % وهي تصاعدية ويدفع رب العمل نسبة 32،82% من أجمالي راتب العامل أو المستخدم كرسوم الى الدولة. كما يتم دفع رسوم خاصة بالتقاعد يحسب على أساس أجمالي الرواتب المستحقة سنويا التي تعتبر أساسا للراتب التقاعدي حتى بلوغ المواطن 65 عاما حيث السن التقاعدي والنسبة الحالية تصل بين 7% الى 8،07 من أجمالي الراتب الأساسي وقد كان الأساس لعام 2003 ما يقارب 40900 كرون.

 

كما ذكرت سابقا ان المرء يدفع ضرائب متعددة فعندما تشتري حاجة ب 100 كرون تكون قد دفعت أولا ضريبة من راتبك الشهري حيث ان القيمة الأساسية لتلك النقود تفوق كثيرا المائة ومن ثم تدفع ما يساوي 25% من سعر البضاعة ضريبة إضافية وهناك ضرائب كثيرة على الإيجارات والفنادق والمطاعم والبارات وخدمات التصليح والصيانة ومعظم الخدمات الأخرى ويدفع المواطن ضريبة على المكالمات الهاتفية والسلع والحاجيات ونسبة اقل للمواد الغذائية.

رسوم رب العمل واستحصال صندوق الضمان التقاعدي:

كل رب عمل ان كان شركة خاصة يديرها شخص واحد أو اكثر يدفع ضريبة شخصية خاصة الى الدولة ورسوم إضافية لكل عامل أو مستخدم لديه تسمى برسوم رب العمل. وتصل نسبة الضريبة على الأرباح الى 31،01 % وهي تصاعدية ويدفع رب العمل نسبة 32،82% من أجمالي راتب العامل أو المستخدم كرسوم الى الدولة. كما يتم دفع رسوم خاصة بالتقاعد يحسب على أساس أجمالي الرواتب المستحقة سنويا التي تعتبر أساسا للراتب التقاعدي حتى بلوغ المواطن 65 عاما حيث السن التقاعدي والنسبة الحالية تصل بين 7% الى 8،07 من أجمالي الراتب الأساسي وقد كان الأساس لعام 2003 ما يقارب 40900 كرون. هناك ضرائب أخرى وتصاعدية وتحت مسميات مختلفة كضريبة الثروة، ضريبة العقارات، ضريبة الهدايا والمنح، ضريبة الختم، ضريبة ثروة الشركات، ضريبة الطاقة، ضريبة السكائر، ضريبة المشروبات الكحولية، ضريبة الطرق والمرور، وضرائب أخرى.

ان مجموع تلك الضرائب تكون أساسا متينا للاقتصاد الوطني والثروة الوطنية وميزانية الدولة ترجع في نهاية المطاف بطريقة أو بأخرى الى المواطن مرة أخرى بتوزيع عادل بين الغني والفقير يؤدي في النهاية الى الرفاه الاجتماعي وضمان الرعاية الصحية ورعاية الشيخوخة والمعوقين وضمان الحياة البشرية منذ اليوم الأول للحمل ورعاية الطفولة والأمومة وضمان حصول الطفل على معونة حتى بلوغه الثامنة عشر يستمر بعد ذلك في حالة دراسته على شكل معونة دراسية تنتهي مع إنهائه التعليم الجامعي مع تامين التعليم الأولي والدراسات الجامعية لكافة أبناء المجتمع مجانا وثقافة جماهيرية تصل الى كل أبناء الوطن وبكافة مستوياتهم ووجودهم المكاني.

نظام الرفاه الاجتماعي:

ان دولة العدل والمساواة للمملكة السويدية تؤمن نظام للرفاه الاجتماعي يحسد عليه ليس فقط في نطاق القارة الأوربية بل عالميا نظاما يسمى أحيانا النظام البديل بين الأنظمة التي تعتمد أساسا على الفكر الرأسمالي وبين تلك التي تطبق بصورة أو بأخرى أنظمة الاقتصاد الحر وتلك التي تطبق أنظمة الاقتصاد المبرمج والتخطيط كما في أنظمة الدول التي تحكمها الحزب الشيوعي.

 

نرى مثلا ان معدل دخل الفرد السنوي وصل الى حوالي 55 الف دولار أمريكي وتلك النسبة في تصاعد ملحوظ منذ عام 2010 اي بزيادة سنوية تعادل 3.4% حسب إحصائيات المركزية.  ينطلق مفهوم الرفاه الاجتماعي من الحاجات الضرورية للحياة الإنسانية والحد الأدنى من الحاجة الأساسية ولو أجرينا تحليل لسؤال طرحته مؤسسة الدراسات المستقبلية عام 1992 في تسع بلديات حيث سالت المواطنين من أعمار 18 الى 20 أسئلة حول أهم الأمور التي يفكرون بها وقد جاء إجابة الصحة والعافية كل ما يفكر به الشباب بنحو 82،4 . هذا التوجه مهم جدا إذا عرفنا ان الإجابة التالية تأتى في موضوع السكن والعمل في الدرجة الثالثة فتلك الأمور الثلاث مهمة للإنسان أينما وجد والبقية وخاصة أسلوب الحياة هي نتائج مباشرة أو غير مباشرة للعيش في صحة وعافية مع العمل الذي يوفر المال اللازم للفعاليات الحياتية والسكن الملائم. ليس من الغريب ان نرى ان معظم الدول الصناعية قد بنت تدريجيا أنظمة للرفاه الاجتماعي تتفاوت من دولة الى أخرى ومن ضمنها عناية الأمومة والطفولة والعجزة والكبار في السن والتامين الصحي والتعليم والسكن.

المواطن المعافى جسميا وعقليا و نفسيا يعمل بنشاط ويدفع الضرائب ليؤمن مستقبله ومستقبل أولاده. إن الدولة السويدية تولي اهتماما متزايدا على العائلة ومستقبلها ونرى في معظم برامج الأحزاب السياسية فصلا مستقلا عن العائلة والتصورات المستقبلية لذلك الحزب وأطروحاته لحياة اكثر رفاهية ولضمان حياة جيل المستقبل هنا نرى ان الدولة قد أصدرت العديد من القوانين المحفزة للعائلة حيث توفر للأم أو الأب امكانية البقاء الى فترة اكثر من عام لمصاحبة السنة الأولى من عمر الطفل مدفوع الراتب بالإضافة الى الحالات المرضية للطفل كما ان هناك نقدية الطفل الذي يدفع لكل طفل حديث الولادة الى ان يبلغ السادسة عشر من عمرة ويستمر تحت شرط استمرار الشاب في الدراسة الإعدادية تحت تسمية المساعدات الدراسية. ان جميع الأطفال في السويد يحق لهم الحصول على مكان في إحدى دور الحضانة التي تدار بصورة أساسية من قبل البلديات مع وجود بعض الاستثناءات ويدفع الوالدين أجور للحضانة بسقف أعلى اجر محدد كان سابقا يعتمد على ما يحصل عليه الأبوين من أيراد سنوي. ان التعليم وفي جميع مراحله مجانيا كما يحصل الطلاب على وجبات الغذاء أحيانا الفطور مجانا كما يحصل الدارس في الجامعة على قرض حكومي لإكمال الدراسة جزء منه منحة وهبة والجزء الآخر دين يستقطع منه لاحقا عندما يتخرج ويعمل.

توفر الدولة لجميع المعاقين والعجزة كامل الخدمات العلاجية والخدمة المجانية وتوفر البلديات الخدمات في البيوت للشيوخ والعجزة دون مقابل ما عدا وجود دور خاصة للعجزة تدار عن طريق البلديات أو القطاع الخاص.

 

 

ان العاطلين عن العمل يحصلون على رواتب تصل الى 80% من راتبهم قبل ان يفقدوا أعمالهم السابقة خلال 100 يوم من تركهم لعملهم وهناك سقف أعلى لتلك المعاشات ومدة زمنية كذلك قد تطول الى عام أو اكثر ويحصل المريض الذي لا يستطيع مزاولة عمله اليومي العادي كذلك على نفس الراتب خلال مده مرضه مهما طال مدة مرضة.

 

يحصل جميع السويديين على رواتب تقاعدية أو ما يسمى بالتقاعد الشعبي حتى اللذين لم يعملوا في حياتهم يوما واحدا كما هو حال العديد من اللاجئين اللذين لم تتوفر لهم فرص عمل مناسبة قبل ان تصل أعمارهم الى السن القانونية للتقاعد 65 عاما وهناك نقاشات حول رفع سقف السن التقاعدي الى 67. وقد حدد القانون لاحقا المدة التي على المهاجر الإقامة فيه في السويد قبل ان يحق له الحصول على راتب التقاعد الشعبي بالكامل ب 40 عاما، حتى لو لم يعمل يوما واحدا.

 

من الطبيعي ان جميع الرواتب والمساعدات المالية ترتفع مع مرور الزمن وتأثير الآثار الاقتصادية الجانبية كالتضخم والحالة الاقتصادية العامة للدولة. هذا بالإضافة الى قانون التقاعد العام الذي يشمل جميع العمال والمستخدمين وموظفي الدولة وحوافز أخرى لا تعد ولا تعتبر السياسة السويدية الخارجية الرسمية الحيادية والتي اتبعتها مملكة السويد خلال أكثر من قرنين الأكثر فعالية في عالم السياسة الخارجية الحكيمة وكان من أهم نتائجها إبعاد شبح الحرب العالميتين عن أبناء السويد التواقون دوما الى الحرية والسلام.

ان تلك السياسة شاركت في بناء أواصر الصداقة والحوار مع الشعوب والثقافات المتباينة وكانت السباقة الى تقديم الحلول التوافقية في جميع النزاعات الدولية والصراعات. إن تلك السياسة النموذجية والبديلة في عالم الدبلوماسية والعلاقات الدولية مهمة جدا لبناء المجتمع المدني في جميع أرجاء العالم.

 

الدولة السويدية تولي اهتماما متزايدا على العائلة ومستقبلها ونرى في معظم برامج الأحزاب السياسية فصلا مستقلا عن العائلة والتصورات المستقبلية لذلك الحزب وأطروحاته لحياة اكثر رفاهية ولضمان حياة جيل المستقبل هنا نرى ان الدولة قد أصدرت العديد من القوانين المحفزة للعائلة حيث توفر للأم أو الأب امكانية البقاء الى فترة اكثر من عام لمصاحبة السنة الأولى من عمر الطفل مدفوع الراتب بالإضافة الى الحالات المرضية للطفل كما ان هناك نقدية الطفل الذي يدفع لكل طفل حديث الولادة الى ان يبلغ السادسة عشر من عمرة ويستمر تحت شرط استمرار الشاب في الدراسة الإعدادية تحت تسمية المساعدات الدراسية

 

 

تفتح السويد اليوم باب الحوار على مصراعيه في سياسة الخارجية لإبعاد شبح النزاعات والصراعات في البرنامج الطموح للسياسة الخارجية التي أقرتها الحكومة السويدية بفتح باب الحوار بين العالم الإسلامي والغرب انطلاقا من السويد والاتحاد الأوربي ودول حوض البحر الأبيض المتوسط وبمشاركة هيئة الأمم المتحدة.

 

لا ريب أن السويد تتبع سياسة عدم انحياز في سياستها الخارجية وهي تتبع سياسة امنية فعالة تضامنية آمنة وبقت على الحياد الإيجابي عبر تاريخها السياسي المعاصر. وقدمت العديد من المساهمات الفعالة في تامين السلام والوئام العالميين من خلال المشاركة في قوات حفظ السلام الدولي ومشاركة الفعالة في حل النزاعات عن طريق هيئة الأمم المتحدة التي تفتخر بأسماء من أبناء السويد قدموا التضحيات من اجل السلام الدولي كالسكرتير هيئة الأمم المتحدة الراحل ” داگ هامار گورد” ورجل السلام” كارل بيلد ” وأخرون. يعيش على أرضها اليوم عدد كبير من أبناء الجالية الإسلامية ويكاد ألا تخلو مدينة سويدية من جامع أو مسجد وان حرية الانتماء الديني والعقائدي يحترمها القانون وتعتبر سياسة الدولة علمانية حيث فصل الدين عن السياسة باعتبار إن المواطن حرا في اختياره للعقيدة والمبدأ وحرية التعبير والنشر التي يقيدها اليوم نص الإقرار بكونها يجب أن تكون حرية تتحمل المسؤولية وتحترم الهوية الدينية للآخرين. إن حرية العبادات في السويد مبدأ مقدس وهناك حتى كنيسة رسمية” كنيسة الدولة” وكنائس حرة أخرى لجميع الطوائف والمذاهب الدينية.

 

في ختام هذه المادة أود ان أشير بان المعلومات الإحصائية المذكورة في هذه المادة تتغير سنويا. النموذجان السويسري والسويدي جديرتان بالتمعن لتشابه الكبير في التكوين السكاني التعددي القومي والعقائدي في دول كثيرة في الشرق الأوسط وستؤدي حتما الى السلام والاستقرار وضمان الحقوق العادلة للشعوب.

السويد

_________________________________________________

*النص الكامل:

Kommunallagen، lagtexten ، juli 2003، Svenska kommunförbundet

للمزيد من المعلومات حول البلديات في السويد يرجى مراجعة صفحة:

Swedish Association of Local Authorities:

http://www.svekom.se/skvad/indexeng.htm

قد يعجبك ايضا