زهير كاظم عبود
يفترض ان تكون النصوص القانونية متوافقة مع الدستور، وهي نتيجة للواقع الاجتماعي والسياسي في العراق، وجاء الدستور بنصوص لم نكن نمارسها او نحلم بالعمل بموجبها في العهود السابقة، ومن الطبيعي ان نختلف في فهم تفسير هذه النصوص ، وان نختلف في استغلال مثل هذه النصوص ،ربما لحداثة تجربتنا الديمقراطية ، او لسوء فهم بعض منا أو امعانا في مخالفة النص.
ومهما كانت درجة الاختلاف بيننا الا انه يستوجب ان تحكمنا قيم واعراف نعتقد بها جميعا، وتحكم المجتمع العراقي، فالاختلاف ليس جديدا وهو يشكل حالة صحية للتوصل الى توافق او مشتركات بين البشر.
وتعج الساحة العراقية اليوم بمواقف وانتهاكات صارخة وخروج عن المألوف في الطعن والاتهام والتجريح بين الأطراف المعنية في قضية تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي ، ويعرف الجميع ان ابداء الرأي مهما كان لا يشكل خروجا عن الاطار الذي حددته المادة ٣٨ من الدستور ، والتي الزمت الدولة ان تكفل حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل بشرط ان لا يخل ذلك بالنظام العام والآداب.
ولهذا تقاس ثقافة المجتمعات وتطورها وفقا لمبدآ ممارسة هذا الحق والحرية بشكل حضاري ويليق بالإنسان، ويعبر عن مستوى فهم وعقلية المختلفين، والحوار والنقاش مهما كانت درجته او الوسيلة التي يستعملها يتقيد بأصول لا يمكن تجاوزها ، الا ان ما يجري على الساحة السياسية اليوم في العراق يشكل نكوصا وتراجعا في مفهوم التعبير عن الرأي، بالنظر للجوء العديد من الأطراف إلى إلصاق الاتهامات الباطلة والتنابز وإطلاق العبارات التي تمس الشرف والسمعة، والتي لها وقع وتأثير في مجتمعنا الذي يعير لها كل الاحترام والتقدير.
ويكشف لنا بشكل واضح النفوس المريضة والعقليات المتخلفة التي تريد محاربة الرأي الاخر بالتسقيط والتجريح والاتهامات الباطلة ، ويمكن ان يكون الطعن بالشرف والأخلاق اكثر ما يثير العراقي ويستفزه ، لما لهذه الأمور من قيمة اعتبارية واجتماعية بيننا ، فسنحتاج الى تربية عقولنا والتعود على الاختلاف ، والنظر لكل قضية بمنظارين او برأيين مختلفين ، وانه لا يمكن فرض رأي على آخر ، ولهذا علينا ان نأخذ درسا نتعلم فيه أصول الحوار وعدم نسيان واقعنا الاجتماعي ، وان يدرك المتحاور بان هناك قانون للعقوبات يمكن ان يلجأ اليه الخصم في حال تجاوز حدوده والطعن بالأخلاق والشرف ، وان الانصاف والعدالة ستكون له بالمرصاد لتقويم سلوكه وخرقه للقوانين ، باعتبار ان القانون هو الذي يشكل الحماية التي يضفيها القضاء المستقل لكل متضرر يلجآ الى ساحة القضاء.
ووفقا لما ورد في نص الدستور نجد لزاما ترجمته الى واقع عملي نتدرب عليه ونتكاتف من أجل أن يكون نمطا من السلوك الإنساني المعتمد في حياتنا، ونحن نزعم بأننا نخطو نحو رسم الديمقراطية في سلوكنا وحياتنا وكيفية تعديل نصوصنا القانونية. وتحديث القوانين القديمة التي تنسجم مع التطور الإنساني.
وليس فقط النص الدستوري من يقول ان العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات، انما الواقع العراقي يفرض نفسه، فلا افضلية لأحد على اخر، ولاحصانه لاحد مهما كانت وظيفته او مهنته، فنحن متساوون امام القانون دون تمييز ، ولايحق لاحد فرض ارادته او اسكات خصمه الا وفقا للقانون.
الاختلاف المعلن في الصحف والفضائيات يعبر عن مستوى التربية والعقلية والثقافة للشخص ، ومن صفات الإنسان العاقل أن يكون واسع الصدر يتقبل النقد مثلما يتقبل الآخرين أفكاره التي تتقاطع معهم ، ومن صفاته كذلك أن يلجأ إلى الحجة بعيدا عن أي أسلوب آخر، وعدم التمسك بالرأي في حال عدم وجود سند أو قرينة أو دليل تثبت صحته، وغير مقبول مطلقا اللجوء إلى التجريح والتشهير والكذب والتنابـز، فسلوك التنــكيل والقذف لا يشكل جريمة يعاقب عليها القانون فحسب، بل هي من الصفات الذميمة التي يلجأ إليها الفاشل والفارغ الذي يجد في التجاوز اللفظي وإلصاق التهم الوسيلة الوحيدة التي تسوغ فشله وخسرانه لمقابلة ومواجهة الرأي الآخر.
اننا بحاجة الى قيم تحكم اختلافنا، واعراف تحكم اقوالنا، وكلمة شرف تلزمنا وتقيدنا جميعا، وان ندرك ان هذه الحرية لم تأت اعتباطا او حبرا على الورق ، انما هي نتيجة تجارب إنسانية لا يمكن ان نتخطاها او نمسحها من دستورنا .