التنوع الثقافي في الجزيرة

ماهين شيخاني

باختصار وبعيد عن السرد التأريخي وكيفية امتزاج الشعوب وتنوعها من خلال ظروف قاسية كالهجرة والقحط أو حروب واحتلال …الخ . حيث أصبحت ظاهرة التنوع الثقافي طبيعية وسمة أساسية في المجتمعات البشرية فمثلاً عندنا يسكن في الجزيرة ( كورد وعرب وسريان وآشور وأرمن ) وديانات متعددة اسلامية ومسيحية وإيزيدية …الخ ، وهنا يذكرنا بقول الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) و قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ).

لذا وجب علينا أن نعرف ما هو مفهوم التنوع الثقافي؟ .حيث هو التراث أو الوعاء المشترك للإنسانية، وينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح الأجيال الحالية والقادمة. لا بد في مجتمعاتنا التي تتزايد تنوعاً يوماً بعد يوم، من ضمان التفاعل المنسجم والرغبة في العيش معاً فيما بين أفراد ومجموعات ذوي هويات ثقافية متعددة ومتنوعة ودينامية.

فعبر آلاف السنين تركت لنا الحضارات التي تعاقبت في مناطقنا إرث ثقافي غني جداً في كافة المجالات حيث كانت المدن القديمة مراكز للحضارة ، و الثقافة أساس يحدد مكانة المجتمع ومدى تطوره والحضارات القديمة أغنت التاريخ بإرثٍ ثقافي وحضاري كبير.

التنوع اللغوي تراث منطقة الجزيرة..؟.
شهد العالم في السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً في وسائل الاتصال والتواصل، مما نتج عنه عمليات تبادل عديدة، وامتزاجاً بين الثقافات المختلفة، ، ومفهوم التنوع الثقافي والهوية الثقافية يشير إلى التعدد والاختلاف الثقافي بين أفراد المجتمع الواحد، الذين على الرغم من اختلاف خلفياتهم الثقافية، اللغة، القومية، الديانة وتقوم العلاقات بين الأفراد من ثقافات متنوعة على أساس الاحترام، والتشارك، والتسامح، إضافةً إلى تمتعهم بحقوق متساوية دون أي تمييز، أما الهوية الثقافية فهي محصلة التجارب التأريخية لبقعة ما، كالحروب، والصراعات والخبرات التأريخية التي خرجت منها هذه التجارب، وباختصار تعتبر الهوية الثقافية لمجتمع ما، المظلة التي تجمع أفراد المجتمع على اختلاف خلفياتهم الثقافية. العلاقة بين التنوع الثقافي والهوية الثقافية ترتبط بالتنوع الثقافي بعلاقةٍ وطيدة، فكل هوية لا تكتمل إلا بالثقافة، ولعل أبرز ما يميز الهوية الثقافية قدرتها على استيعاب التنوع الثقافي للشعوب، ووظيفتها التي ترتكز على جمع أفراد المجتمع من الثقافات المختلفة، لتبلور لهم في النهاية هوية ثقافية واحدة تجمعهم. لعل أبرز مثال على العلاقة بين التنوع الثقافي والهوية الثقافية الهوية الدينية، التي جمعت قوميات متعددة، وجنسيات مختلفة، وخلفيات ثقافية متنوعة داخل هوية ثقافية واحدة ، و مظاهر التنوع الثقافي وأبعاد الهوية الثقافية تسود العالم اليوم العديد من الثقافات المتنوعة، فلا وجود لثقافة واحدة سائدة بل لكل جماعة إنسانية خصوصية تميزها عن غيرها من الثقافات، بحيث يجمعها مركب متجانس من القيم، والمعارف، والرموز، فقد نجد بعض الثقافات تميل إلى الانغلاق، والبعض الآخر يكون أكثر انفتاحاً. أنّ التنوع الثقافي ضرورة بشرية، فقد أظهر التأريخ وجود صدامات متكررة بين الثقافات المتنوعة غالباً ما ينجم هذا النوع من الصراعات نتيجة لعدم تقبل الآخر، وبالتالي الدخول معه في زوبعة من الحروب والنزاعات.

أهمية التنوع الثقافي بالمجتمع..؟.
وجود مجموعات بشرية من خلفيات مختلفة في مجتمع معين، حيث تختلف هذه المجموعات عن بعضها البعض في المعتقدات، أو اللغة، أو الدين، أو العرق، وغيرها ، والتي تهدف إلى تقبُّل الأقليات المختلفة، والتعايش معها ومحاولة فهم أفكارها، ويُعد التنوع الثقافي عنصرُا أساسيًا في المجتمعات، لضمان عيش حياة سليمة، وخالية من الكراهية والعنصرية، وقادرة على النمو والتطور. وأهمية التنوع الثقافي بالنسبة للأفراد تكمن بما يلي:

بالتطور المعرفي يسمح المجتمع الذي يتكون من عدة ثقافات لأفراده بالتعلّم من بعضهم، وتعرف كل منهم على ثقافة الآخر، وبالتالي اكتساب معرفة جديدة، كما أن التعامل مع أشخاص مختلفين يساعد على توسيع المدارك وفهم الآخرين، دون إطلاق أي أحكام مسبقة عنهم، وتقبّل آراؤهم دون التحيز الشخصي، كما أن التنوع ينمي المهارات اللغوية، والتعبيرية، ويعطينا الفرصة في التفكير بأسلوب مختلف و خلق فرص جديدة تُنشئ الكثير من الشركات متعددة الجنسيات فروعًا، ومكاتبًا لها في أجزاء مختلفة من العالم، والتي لن تكن قادرة على النجاح بدون فكرة التنوع الثقافي، مما يزيد من فرص العمل المُتاحة و تنوع العلاقات الاجتماعية يُساعد التعرف على أشخاص من ثقافات مُختلفة ومحاولة فهم وجهات نظرهم وتقبلّها، في التعاطف معهم، والتوقف عن إصدار أحكام مُسبقة عنهم، كما أنه يُعزز مشاعر الثقة والاحترام والتسامح والتعايش معهم، وبالتالي يتمكن الأفراد من تكوين علاقات اجتماعية مبنية على الود والاحترام

المُتبادل و زيادة الثقة بالنفس يتكون لدى الأفراد الذين لديهم علاقات مع أشخاص من بيئات وثقافات مختلفة تصور معرفي أعلى عن الثقافات المختلفة، ممّا يزيد قدرتهم في التعامل مع الأمور الجديدة وغير المألوفة بالنسبة لهم، ، بغض النظر عن العرق أو اللغة أو الدين، والتي قد تعود عليها وعلى موظفيها أيضًا بالعديد من الفوائد التالية :
– زيادة الإنتاجية
– زيادة الإبداع
– تنوع الثقافة بين الموظفين
– فرصة توظيف أشخاص أكثر كفاءة
– تحسين سمعة العمل
– تقلل العنصرية:
يُقلل العمل في بيئة تتكون من أشخاص من ثقافات مختلفة، وقضاء الكثير من الوقت معهم، من التمييز العنصري بين الثقافات، كما تُقلّل المشاعر السلبية مثل الكراهية تجاه الآخرين.
كيف يمكن لكل مكون الحفاظ على عاداته وتقاليده؟.
تُشكّل العادات والتقاليد والمنظورات الثقافيّة هويّة المجتمع وأفراده، ولذلك لا بدّ من الحفاظ على العديد من العادات والتقاليد للمجتمعات ونقلها من جيل إلى جيل، ومن أساليب الحفاظ على العادات والتقاليد ما يأتي: مشاركة العادات والتقاليد الثقافية يُمكن الحفاظ على أشكال العادات والتقاليد المختلفة من فنون وملابس وموسيقى ورقصات وغيرها من خلال المشاركة بها في الاحتفالات والفعاليّات، فالعديد من الناس يلبسون ملابسهم التقليديّة في الأفراح والأعراس، كما يُمكن عرض الثقافات التقليديّة في المتاحف والمعارض الدوليّة والمحليّة، حيث يُمكن عرض الملابس التقليديّة والقطع الأثريّة والأدوات المستخدمة وغيرها, إقامة الفعاليات تُحدّد بعض الدول أو المجتمعات أيّامًا محددة خلال العام كأعياد ومهرجانات ثقافيّة تعرض من خلالها ثقافتها وعاداتها وتقاليدها التي تُميّزها، من ملابس وأطعمة وأغانٍ شعبيّة ورقصات، وتهدف هذه الاحتفالات لنشر هذه الثقافة ومنع اندثارها وتعريف الناس بها.

كما يُعدّ توثيق العادات والتقاليد عبر الكتب والوثائق التأريخيّة وتناقلها من جيل إلى جيل أحد أهمّ أسباب عدم اندثار هذه العادات ووصولها للأجيال الجديدة، وفي الوقت الحاضر تطوّرت وسائل توثيق متطوّرة تعتمد على التكنولوجيا بشكل رئيسيّ مثل الصور أو تسجيل الفيديوهات بالإضافة إلى الكتابة، حيث يُمكن تصوير الحفلات الفلكلوريّة وملابسها، أو تسجيل الأغاني التقليديّة على الأقراص المدمجة، أو كتابة وصفات الطعام التقليديّة في كتب متخصصة و يُمكن أيضًا توثيق العادات والتقاليد من خلال إجراء المقابلات مع أشخاص كبار في العمر ولهم تجربة وخبرة في هذه العادات ليروي كلّ واحد منهم عن تأاريخهم وعاداتهم القديمة، وتناول مختلف المواضيع التأريخيّة عن عادات فئات معيّنة من الناس، وتُصبح هذه المقابلات وثيقة تأريخيّة يُمكن الرجوع إليها في أيّ وقت.

الحفاظ على التواصل مع العائلة والأصدقاء يُمكن أن تفقد العائلات العديد من عاداتها وتقاليدها بسبب عيشهم خارج مجتمعهم التقليديّ، ولهذا يُنصح دومًا بعدم قطع التواصل مع الأصدقاء وأفراد العائلة مهما بعدت المسافة، فهي وسيلة مهمّة للحفاظ على بعض العادات والتقاليد الموروثة.

-الانضمام للنوادي والجمعيّات المحليّة المرتبطة بثقافة الفرد
يلجأ بعض الأشخاص الذين يعيشون خارج بلادهم للانضمام إلى نوادٍ أو جمعيّات وجاليات تنتمي لنفس مجتمعه الذي كان يعيش فيه، حيث يمتلكون نفس العادات والتقاليد، وتوفّر هذه النوادي إمكانيّة ممارسة العادات والتقاليد ضمن احتفالات ومناسبات دوريّة، ممّا يساهم في المحافظة على هذه العادات وخاصة بالنسبة للأطفال الذين يولدون خارج مجتمعهم الذي ينتمون إليه.

الحديث في اللغة التقليديّة تمتلك بعض الثقافات لغات أو لهجات خاصة بهم تُميّزهم عن غيرهم، وتختلف هذه اللغة عادة عن اللغة الرسميّة أو اللغة التعليميّة، ومن أفضل الطرق للحفاظ على هذه اللغة وتوارثها من جيل إلى جيل ومنع اندثارها هي استخدام هذه اللغة والحديث بها في المنزل مع الأطفال وباقي أفراد العائلة، أو استخدامها في التجمّعات لأفراد الثقافة الواحدة.

أبرز العادات والتقاليد المتشابهة بين مكونات منطقة الجزيرة
هناك العديد من نقاط التشابه يعبر جميعها عن الروح السامية والتعاون والتضامن. بشكل عام، حيث يستقبل جميع المكونات شهر رمضان والأعياد الدينية والقومية بالفرحة والبهجة والتضامن، ويتبعون عديداً من العادات والتقاليد المميزة التي تعبر عن فرحتهم وسعادتهم في هذا اليوم المميز
على الرغم من بعض الاختلافات الثقافية والدينية بينهم.
الصلاة من أبرز الطقوس التي يمارسها الأغلبية ، إذ يذهبون إلى المساجد من أجل الصلاة وتبادل التهاني والتبريكات و زيارة القبور حيث يزورون قبور الأقارب والأصدقاء المتوفين.

تحضير أكلات وحلويات خاصة بالأعياد والمناسبات والحلويات التي تطبخ خصوصاً بأفضل الطرق والوصفات المميزة لمثل هذه المناسبة.

تبادل التهاني والمعايدات والزيارات للأهل .
ملابس جديدة وأحذية جديدة للظهور بأبهى حلة في الأعياد كعيد النوروز وعيد إيكيتو والأعياد الدينية كالأربعاء الأحمر لدى الأخوة الإيزيدية.
العيدية والترفيه: يحصل الأطفال على العيدية من أهلهم وأقاربهم الأكبر منهم، فيما تحرص العائلات على الذهاب إلى أماكن التنزه والترفيه خلال أيام العيد للاستمتاع بالوقت مع الأصدقاء والعائلة.

قد يعجبك ايضا