سمر محمد : أدواري تركت بصمة في خارطة الفن وواجهت الإرهاب إذاعيآ
التآخي : وكالات
الصدفة قادتها نحو طرقات الفن على الرغم من أنها كانت تجيد تقليد الفنانين في الشاشة في مرحلة الطفولة، إلا أنها لم تتصور بأنها ستصبح ذات يوم من أهم الفنانات العراقيات، وقفت على خشبة المسرح وهي ما تزال بنت التسع سنوات في مسرحية (رجال وفئران) حين تم اختيارها بدلاً من فنانة أخرى غابت عن المسرحية لتبدأ رحلتها الفنية منذ تلك اللحظة.
جسدت وأجادت الكثير من الأدوار التي مازالت راسخة في ذاكرة المشاهد العراقي، تارة تفرحنا بأدائها وتارة أخرى تجبر دموعنا على الانهمار من دون ان نشعر في أدوارها المؤثرة، هي بنت الموصل الحدباء الجميلة التي جاءت الى بغداد عام 1957 من أسرة محافظة على تقاليدها حيث كانت من الرافضين في دخولها الفن منذ البداية إلا أنها استطاعت أن تكسب ثقتهم وقبولهم مع مرور السنوات.
الفنانة القديرة “سمر محمد” كانت في ضيافة وكالة الأنباء العراقية (واع) فكان معها هذا الحوار الصريح.
*اسمك الحقيقي ابتسام محمد، فمن أين جاء اسم سمر وما قصته؟
– هذا صحيح اسمي الحقيقي ابتسام محمد عزيز، ووالدي اختار لي هذا الاسم، أما اسم سمر فقد اختارته والدتي حينما كانت أغنية (سمر) للفنان رضا علي مشهورة آن ذاك، ولم أكن أعرف اسمي الحقيقي في المدرسة لذلك عندما كانت المعلمة تناديني باسم ابتسام لم أجيبها ولا أعرف من هي ابتسام، بعدها علمت اسمي الحقيقي وأحببته أكثر من سمر اسمي المستعار (البيتوتي).
* ما الشرارة الأولى التي حددت بوصلتك نحو طريق الفن من دون سواه؟
– الشرارة الأولى كانت من مدينة الموصل، الصدفة قادتني نحو طريق الفن حيث لم أكن أخطط أو أتوقع بأنني سأكون ممثلة في يوم ما على الرغم من ان لدي شغف تقليد الفنانين منذ الصغر، الحكاية بدأت عندما كنت أرافق أخي الموسيقي في نادي الفنون في الموصل، حيث كنت أشاهد التمارين المسرحية التي كانت تجري في النادي أقف بعيدا وأشاهد بحرص وصمت من الشباك تلك التمارين وسط ذهولي وخوفي معاً وعمري يكاد لا يتجاوز التسع سنوات، حينها كانت تعرض مسرحية بعنوان (رجال وفئران)، من حسن الحظ في أحد الايام غابت إحدى الفنانات في المسرحية وأنا كنت حافظة دورها لمتابعتي الخفية المستمرة للمسرحية، فما كان للقائمين على المسرحية خيار آخر إلا أنا فتم اختياري لأداء الدور بمساعدة الفنان الراحل أستاذي شفاء العمري، كانت هذه أولى محطاتي الفنية الصعبة، أما المنعطف الفني الاخر المهم في حياتي كان حين انتقلنا للسكن من الموصل الى بغداد عام 1957 وبعد سنوات عن تجربتي المسرحية الأولى جاء الفنان الراحل شفاء العمري قاصدا بيتنا ليتحدث مع أخي عن إمكانية مشاركتي في مسرحية جديدة في الموصل اسمها (أوديب ملكاً)، فوافق أخي لكنني واجهت رفضا من قبل أفراد أسرتي لكنهم وافقوا بشرط ان ترافقني والدتي الى الموصل لحين انتهاء العرض المسرحي وكان عمري حينها 13 سنة ،عرضت المسرحية ونلت قبول الجمهور وأستاذي صاحب الفضل على سمر محمد الفنان شفاء العمري الذي قدم لي الدعم الكامل وعلمني كل الأساليب والنظريات التي كانت تدرس في كليات ومعاهد الفنون الجميلة من حيث الألقاء والصوت وتاريخ المسرح والتكنيك وإعداد الممثل الى آخره كوني لم أدرس الفن أكاديمياً.
* إذن كيف كان دخولك عتبات التلفزيون في بغداد من بعد أعمالك المسرحية في الموصل؟
– أيضا الصدفة لعبت معي دوراً آخر حينما شاهدني المخرج الراحل كارلو هارتيون قرب مبنى الإذاعة والتلفزيون في الصالحية وسألني عن أعمالي المسرحية التي قدمتها في الموصل التي يبدو أثارت إعجابه لذا رشحني للعمل في التمثيلية العراقية (السنطور) كانت اول أعمالي التلفزيونية التي أظهر فيها من على الشاشة عام 1974 في بغداد، بعدها توالت الأعمال التلفزيونية وانتميت للفرقة القومية للتمثيل عام 1981.
* يبدو أن للموصل دوراً كبيراً في تكوين ملامح شخصيتك الفنية؟
– بالتأكيد، جذوري الفنية بدأت من الموصل وتفرعت الى بغداد، الموصل علمتني الالتزام والتقاليد وكيفية أداء الشخصية بكل شغف وحرص، لذلك الموصل لها الفضل الكبير على الفنانة سمر محمد.
* توفي والدك وعمرك سنتان، لو كان والدك حياً هل تتوقعين سيكون سعيداً حين يراك على الشاشة؟
– كلا سوف لن يقبل ظهوري في التلفزيون، لكن لو يعرف حب الناس الكبير واحترام الجمهور لي أكيد سيكون فخوراً بي.
* جسدت كثيراً من الأدوار التلفزيونية التي مازالت راسخة في ذاكرة الجمهور، إلا أن معظم أدوارك كانت ثانوية وليست رئيسة ما السبب؟
– لا يهمني إطلاقاً إن كانت أدواري ثانوية وليست رئيسة في الأعمال الدرامية كما ذكرت، كون أدواري الثانوية كانت مؤثرة وقريبة من الناس وحققت نجاحا وتركت بصمة في خارطة الفن العراقي، من منا لا يتذكر دوري في مسلسل (عالم الست وهيبة) ودوري في مسلسل (ذئاب الليل)، وكذلك مسلسل (الأماني الضالة) وغيرها من الاعمال، ليست الغاية ان يجسد الفنان دوراً رئيساً بل ما يمكن ان يحققه من تأثير من ذلك الدور حتى وإن كان دوراً بسيطاً.
* إذن يمكن القول إنك ظلمت فنياً في توزيع الأدوار؟
– ممكن قد أكون ظلمت في هذا الجانب.
*هل تعتقدين أن المخرجين قد وضعوك في قالب من الأدوار المتكررة في التلفزيون فدائماً نشاهدك في دور الأم الشخصية الطيبة المسالمة الإيجابية وهكذا؟
– هذا صحيح، المخرجون وضعوني في قالب معين من الأدوار المكررة المحددة في الدراما فغالبا أظهر بدور الأم المسالمة المغلوب على أمرها، فلم أجسد مثلا دور الشريرة إلا قليلا، لربما الجمهور لن يتقبلني بأدوار سلبية مغايرة عن ادواري التي عرفت بها، لكن لا أخفيك أتمنى ان أخرج من نمطية أدواري وأجسد دوراً مغايراً سلبياً.
* جسدت مشهد دور الأم في مسلسل (عالم الست وهيبة) الجزء الثاني كان مليئاً بالشجن هل كنت تتخيلين ابنك فادي رحمه الله أثناء تجسيد الدور برفقة الفنان غالب جواد؟
– كيف عرفت هذه المعلومة؟! نعم كان ولدي فادي رحمه الله أمامي أثناء تجسيد الدور، ليس فادي فحسب بل تذكرت أيضا ابن أخي الراحل الموسيقي نشوان طلال، صورتهما لم تغب عن مخيلتي في ادواري الصعبة، هذا المشهد أخذ مني وقتا وجهدا كبيرين إذ استغرق تصوير المشهد منذ الساعة الخامسة عصرا وحتى الساعة الثالثة فجرا في منطقة (الشيخ عمر) ببغداد وغياب وسائل الراحة في المكان أتعبني كثيراً.
* ما الدور الذي تنتظرين تجسيده؟
– كنت أتمنى أن أجسد شخصية الملكة “زنوبيا” ملكة تدمر، قرأت كثيراً عن هذه الشخصية التأريخية، لكن لا أعتقد ان عمري الان يسمح بأداء الشخصية لو كان سابقاً لكان ممكناً.
* ما الدور الذي كان يشبهك كثيراً في الواقع؟
– دوري في مسلسل (قميص من حلك الذيب) للمخرج علي أبو سيف كان يشبهني كثيرا في الواقع الذي أنتج عام 2007.
* كنت أول الأصوات الفنية التي انطلقت عبر إذاعة جمهورية العراق من الموصل في شبكة الإعلام العراقي عام 2017 مع بدء عمليات “قادمون يا نينوى” وواجهت الإرهاب من خلال البرامج والمسامع التمثيلية الموجهة ضد داعش الإرهابي، كيف تصفين تلك اللحظة وأنت بنت الموصل الحدباء؟
– كانت لحظات لا توصف فترة حرجة جدا ،الإرهاب يهدد الأبرياء في مدينة الموصل ونحن نواجهه من خلال إذاعة جمهورية العراق ونفضح ونندد ببشاعتهم عبر المسامع التمثيلية والبرامج المخصصة بمساندة مدير الإذاعة آن ذاك الأستاذ عباس عبود الذي وفر لنا كل المتطلبات الفنية لديمومة النشاطات الإذاعية، المفارقة المضحكة كنت انا الشخصية المعروفة الوحيدة التي تقدم البرامج فكنت في مرمى الإرهاب دائما، بكينا كثيرا حين كان أهالي الموصل يتصلون بنا ويناشدون لمساعدتهم وبعضهم ساعدونا، أتذكر (أم أحمد) و(أم لؤي) كانتا تزوداننا ببعض الاحداثيات ومكان تواجد داعش وكنا نوصل المعلومات للأمن الوطني والقوات الأمنية، ويوم إعلان تحرير الموصل لن تتخيل ماذا جرى في الاستديو رقصنا وبكينا من شدة الفرح.
* هل تعرضت للتهديد كونك كنت تقدمين برامج إذاعية ضد الإرهاب؟
– نعم جاءني تهديد مبطن بصورة غير مباشرة مرتين كوني واجهت الإرهاب من خلال الإذاعة.
* وصفت ذات مرة في لقاء تلفزيوني داء التعالي والنرجسية لدى بعض الفنانات العراقيات، برأيك هل مازلت تلك الحالة متواجدة أم تخلص منها الوسط الفني؟
– مازالت هذه الحالة موجودة لا سيما بين الجيل الفني الجديد، يبدو ان المنافسة شرسة ما بين الجيل الجديد داخل أسوار الفن.
* كان لدينا إنتاج درامي غزير في رمضان الماضي، هل كم الإنتاج وفر لنا نوعاً أم مازلنا نراوح في أعمالنا؟
– بدأنا نضع قدمنا على أولى خطوات النجاح، لكن للأسف إنتاجنا الغزير أفرز لنا كماً وليس نوعاً في الأعمال الدرامية العراقية في الموسم الاخير، إلا بعض الأعمال التي تميزت وحققت النوع في الدراما لكن النسبة الأكبر لم تكن ضمن مستوى الطموح والحلم الذي ننشده.