كوردستان جديرة بأن تسجل في موسوعة غينيس كأقدم مستعمرة في العالم

 

 

صباح دارا

الهدف من استخدام مصطلح “مستعمره” في العنوان أعلاه ليس الاستفزاز، بل هو توصيف دقيق لحالة فقدان الاستقلال واندماج كردستان قسريًا ضمن إمبراطوريات أخرى. لقد فقدت كردستان استقلالها منذ سقوط الإمبراطورية الميدية سنة 331 ق.م، مما أدى الي تسلط امبراطوريات أخرى عليها بشكل متتابع ابتداء من الإمبراطورية اليونانية الي الإمبراطورية الپارثية (الفارسية) ثم العربية الإسلامية واخيرا العثمانية التركية.

 

تفضيل الكاتب لكلمة مستعمرة بدلا من كلمة محتلة كان سببه وجود اختلاف جوهري بين الاثنين.

فالاحتلال يكون عادة حدثا مؤقتًا لأغراض عسكرية، بينما الاستعمار يرتبط بالاستيطان والهيمنة الثقافية على المدى الطويل.

مما يثير الاندهاش هو استخدام بعض الكتاب الكورد لمصطلح “محتلين” لوصف الدول التي تسيطر على كردستان، وهي طبعا عادة مخطئة لانها ليست دقيقة الوصف نظرا وكما تم شرحه أعلاه فان كلمة الاستعمار هو التوصيف الأنسب للحالة الكردية.

 

خلاصة تاريخية

كردستان خلال العشرة آلاف سنة الماضية

كانت كردستان، على مدى العشرة آلاف سنة الماضية، منارة للتقدم البشري، حيث انها انفردت بتشكيل النواة الأولية للحضارة منذ مراحلها الأولى نظرا لموقعها الاستراتيجي عبر الهضاب الأناضولية والإيرانية وتدشينها الثورة الزراعية التي لولاها لكانت البشرية تستمر في كسب عيشها على الصيد والقطف ولكان ذلك نذير بانقراض العرق البشري.

 

في الالف التاسع ق م ثم تبع ذلك تشييد اول مجمع ديني في العالم الا وهو مركز الطقوس الدينية “گوبكلي تبه” . هذا البناء مميز بتطوره التقني والفني والديني نسبة الي العصر الذي كان فيه لان سبق بناء الاهرامات ب ستة الاف سنة.

 

ابتكارات أخرى مثل اختراع الطابوق والخمر وفن الكتابة وأول دين في العالم (الزرادشتية) تؤكد التأثير العميق لسكان كوردستان على تطور الحضارة في العالم في عصور ما قبل التاريخ.

 

وأخيرا وليس آخرا كان تأسيس أول إمبراطورية “حديثة” من قبل الكورد في القرن السابع ق م، الا وهي الإمبراطورية الميدية التي تميزت بنظام حكم عصري وادارة متطورة طبقت نظام التعددية العرقية الثقافية في الحكم وحققت الكثير من الإنجازات في المجالات الهندسية والفكرية وقدمت الخدمات العامة ووفرت البنية التحتية بما في ذلك إنشاء الطرق والبريد والري……

 

وأخيرا فان اقتراح عبارة “مهد الحضارات التاريخية” على كوردستان من قبل المؤرخين لم يكن مستغربا لان هذه المنطقة كانت مرأت العالم خلال الالفيات العشرة الماضية قبل احتلابها من قبل عشاق الحروب من اليونانيين، والفرس والعرب والاتراك.

 

انهيار الإمبراطورية الميدية:

هذا الحدث الكارثي حصل سنة 331 ق م اثناء الحملة العسكرية اليونانية بقيادة الاسكندر المقدوني للشرق الأوسط. انها كانت خاتمة للحروب المسماة في الوثائق اليونانية بالحروب الميدية واحد أسبابها الرئيسية كانت الرغبة التوسعية عند الاسكندر إضافة الي وجود حقد يوناني كامن ضد الميديين بسبب احتلال هؤلاء لمناطق اليونانيين في منطقة بحر ايجة خلال القرون الثلاثة التي سبقت.

 

انهيار الإمبراطورية الميدية تم بشكل منهجي وهمجي لان الجيش اليوناني دمر كل معالم الحضارة الميدية وعمل بشكل متعمد على تفكيك كل اداراتها ومعالمها الثقافية بظمنها مراكز حفظ الوثائق والكتب المكتوبة بالمسمارية. يضاف الي ذلك ايضا حرق “تخت جمشيد”عاصمة الإمبراطورية الميدية والمسماة باليونانية (بيرسه بوليس). وأخيرا ان العمليات الانتقامية اليونانية كانت مصحوبة بعمليات النهب على كل المستويات وليس فقط لاملاك الدولة بل وحتى نهب أملاك الطبقة الارستقراطية الميدية.

 

لم ينهي هذا الحدث المحوري حكم الميديين فحسب، بل دشن اخضاع كوردستان الممتدة بين هضبتي الاناضول وايران الي حقبة جديدة متمثلة بأربعة أنواع مختلفة من التسلط والاستغلال الاستعماري امتدت لغاية هذا اليوم أي لمدة 2355  سنة من التسلط الاستعماري اليوناني والفارسي والعربي والتركي.

 

المراحل الأربع لاستعمار كردستان

أسفر سقوط الإمبراطورية الميدية عن تأثيرات جوهرية على الكورد، سواء على الصعيد المعنوي أو السياسي أو العسكري. فبعد أن كانوا أمة ذات سيادة امبراطورية تمتد حدودها من بحر إيجة إلى مضيق هرمز، أصبحوا شعباً متفرقاً، ضعيفاً وفقيراً، عاجزاً عن استعادة قوته الأصلية، وتحت رحمة تدخلات وتجاوزات الشعوب المحيطة بهم.

 

1-(الاستعمار اليوناني (السلوقي) لكردستان (312 قبل الميلاد – 63 بعد الميلاد) استمرت هذه الحملة لمدة أربعة قرون وتركت المنطقة في حالة من الخراب والفقر.

 

2-) الاستعمار الفارسي لكردستان وإيران (247 قبل الميلاد – حتى الآن)

 

أُعلن عن هيمنة الفرس على إيران لأول مرة بواسطة الپارثيين، الذين استغلوا انهيار وتشتت السلوقيين اليونانيين لتأسيس دولتهم. على مدى الـ 2400 سنة الماضية، خضعت كردستان لسيطرة سبع سلطات او دول فارسية متعاقبة: البارثيين، الساسانيين، الحكومات الإسلامية الإيرانية، الصفويين، القاجاريين، البهلويين، والجمهورية الإسلامية الحالية.

 

3-) الاستعمار العربي لكردستان (القرن السابع الميلادي حتى الوقت الحاضر) –خلال القرن الثامن، لعب العرب الرحل دوراً محورياً في اجتياح كردستان والشرق الأدنى، حيث بسطوا نفوذهم الديني والسياسي على هذه المناطق..

 

4-) الاستعمار التركي لكردستان (القرن الرابع عشر الميلادي حتى الوقت الحاضر) في القرن الرابع عشر، بدأ المغول الرحل الذين أطلقوا على أنفسهم الأتراك هيمنتهم على كردستان وتأسيس الإمبراطورية العثمانية.

 

مع حلول القرن العشرين، تقاسم الفرس والعرب والأتراك أراضي كردستان، مستمرين في انتهاج سياسات التطهير العرقي وإقصاء الهوية الكردية عن الساحة.

 

لماذا لم يتمكن الكورد من تحرير وطنهم منذ 2355 سنة؟:

ادناه اهم الأسباب التي حالت دون تحقيق امل الكورد في الاستقلال:

 

*الانقسامات العشائرية والسياسية والدينية كانت دائما السبب الرئيسي في التشرذم الكوردي وعرقلة مسيرتهم نحو الاستقلال.

*العوامل الجيوسياسية والتدخلات الدولية المنطقوية والعالمية.

*التفتت الجيوسياسي: تقسيم الأراضي الكوردية بين تركيا وإيران والعراق وسوريا جعل التنسيق بين الكورد ووحدتهم امرا شبه مستحيلا.

*الموقع الاستراتيجي: إن موقع كردستان يعطيها أهمية استراتيجية بالنسبة للدول المحيطة بها لهذا فان هذه الدول تقمع اية توجهات كوردية للحكم الذاتي.

*القمع من الدول المجاورة: قمعت دول مثل تركيا وإيران والعراق وسوريا الهوية واللغة والثقافة الكردية، وغالبًا ما استخدمت القوة العسكرية.

*الافتقار إلى الدعم الخارجي: نظرا للمصالح النفطية او الجيوبوليتيكية او الاقتصادية المرتبطة بالدول المستعمرة لكوردستان , لا تتجرأ أي دولة في التدخل لدعم القضية الكوردية.

*افتقار الكورد للغة كوردية موحدة تمهد لهم الطريق لتوحيد جهودهم الوطنية. للعلم فان الكورد يستعملون خمس لهجات مختلفة واربع لغات اجنبية وست أنظمة للكتابة.

*الأصول البدوية الصحراوية للفرس والعرب والأتراك يمنعهم من الاعتراف بحقوق الاخرين فالحق في قواميسهم معناه القوة أي ان الطرف الضعيف عندهم هو الطرف المجرد من الحقوق وهذا ما يعطيهم الحق في استغلاله.

 

النتائج السلبية المتمخضة من استعمار كوردستان منذ سنة 331 ق.م،ادناه قائمة بالأضرار الكبيرة التي لحقت بالكورد عبر التاريخ:

 

*النزوح القسري والتغيير الديموغرافي للكورد هي سياسة استعملت في كل العصور ضد الكورد.

*المذابح الجماعية والسجون والتهجير والإعدامات وحالات الحصار …

*القمع الثقافي: قمع اللغة والهوية والتقاليد الكوردية بشكل منهجي .

*تدمير القرى وحتى المدن الكوردية بشكل ممنهج.

*التهميش السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

*الاستغلال الاقتصادي للموارد الطبيعية لكوردستان .

*الاحتلال العسكري لأغلب مناطق كوردستان.

الخاتمة

سعت القوى الاستعمارية، بمساندة المجتمع الدولي، إلى حل مشكلات المناطق المستعمرة من خلال حلين: اما منح المستعمرات استقلالها أو ضمها إلى الدول الاستعمارية. وفي كلتا الحاليتن ينبغي الحصول على موافقة الشعوب المستعمرة وتنفيذ الإجراءات تحت إشراف الأمم المتحدة.

لكن في حالة كردستان، لم تقم الدول الاستعمارية الأربع لا بتسهيل استقلالها ولا منحت الشعب الكردي حقوقه العرقية رغم ان المستعمرين ضموا كوردستان ضمن اراضيهم.

هذا الوضع يتناقض مع القانون الدولي ويستدعي التصحيح.

 

ملاحظة:  هذه المقالة هي خلاصة لدراسة قمت بها باللغة الإنكليزية ويمكن الاطلاع عليها من خلال الرابط التالي:

file:///C:/Users/User/Downloads/a13.-kurdistan-oldest-colony–A1aJRZ5ZVxU1e8n8.pdf

قد يعجبك ايضا