ثورة أيلول مستمرة حتى الاستقلال

بهزاد قاسم

إذا كانت هناك عائلة تستحق أن يكون رجالها ملوك على شعبهم فلا يوجد في التأريخ من يستحق أكثر من البارزانيين أن يكونوا ملوك كوردستان لإن تأريخ الحركة التحررية الكوردية منذ أكثر من مئتي عام مرتبط بالبارزانيين، فبعد نهاية الحرب العالمية الأولى غدا اسم البارزاني مصطفى شعلة للكورد في الاجزاء الأربعة من كوردستان كما و في كل بقاع الأرض ، حيث اقترن اسم الشعب الكوردي باسمه ، كما أن البارزاني من أحيا قضية الشعب الكوردي كمن يحيي ميتاً ،  بعد أن قيل أن قضية الكورد قد ماتت و لن يستطيع أحد احياءها مرة أخرى ، و خاصةً بعد القضاء على ثورات شمال كوردستان ثورات الشيخ سعيد و ثورة ديرسم و المجازر التي قام بها الكماليون ضد الشعب الكوردي ، و القضاء على ثورات الشيخ عبد السلام البارزاني و الشيخ محمود في جنوب كوردستان .

لقد تمكن البارزاني من تكوين و تنظيم قوات البيشمركة ، و استنهاض روح المقاومة فيهم مرة اخرى ، و جعلهم يقاتلون كالاسود في جبهات القتال.
نعم لا يوجد في كل العالم كله عائلة ملكية كانت أو مقدسة خدمت شعبها مثلما خدم البارزانيون الشعب الكوردي، لدرجة انني أعتقد أن الله بعث البارزانيون لينوبوا عن الانبياء لخدمة هذه الامة و التي لولاهم بكل تأكيد لأصبحت من الامم المنسية … بكل تأكيد البارزانيون هم كانوا و ما يزالون حماة الشعب الكوردي من الانصهار في بوتقة الشعوب المحتلة لكوردستان ، فمنذ عشرات السنين الشعب الكوردي و في الاجزاء الاربعة من كوردستان يقاومون الاعداء بالرمز الوطني الكوردستاني الأوحد البارزاني ، فإسم البارزاني كان و ما يزال رمز المقاومة في كل شبر من كوردستان ، و البارزانيون هم من قادوا مركب استقلال و حرية هذه الامة و قدموا مئات الآلاف من الشهداء و قاوموا بكل بطولة جيوش الدول المحتلة لكوردستان و لم يتنازلوا عن حقوق شعب كوردستان .

ففي جريمة الانفال و التي تعد من اكبر الجرائم عبر التأريخ أنفال البارزانيين كانت تختلف حتى عن جرائم الانفال الأخرى التي تعرض لها الشعب الكوردي فخلال يومٍ واحد فقط أو ليلة واحدة و التي تعتبر أقل من ثمان ساعات استشهد اكثر من عشرة آلاف من الرجال البارزانيين و في المقابل عشرة آلاف أرملة و مئات الالاف من الاطفال اليتامى و هل هناك تضحية أكبر من هذه.

و مازال البارزانيون يقودون الحركة التحررية الكوردستانية منذ أكثر من مئة و خمسون عاماً و يناضلون من أجل بناء كيان و دولة قومية كوردية …فالشيخ عبدالسلام البارزاني نجح أن يجمع العشائر الكوردية و يقودها في بداية القرن العشرين و أرسلوا وثيقة و التي يمكن اعتبارها اول وثيقة لحركة تحرر وطني كوردية الى الدولة العثمانية و من بعض مطالب الوثيقة ضرورة أن تكون اللغة الكوردية لغة رسمية للمدارس و في الدوائر و مؤسسات الدولة في كوردستان و أن يكون موظفوا الدولة في كوردستان من الكورد  …..كما أن الشيخ عبدالسلام رفض ارسال أبناء العشائر الكوردية من أتباعه الى الجيش العثماني و امتنع دفع الضرائب ……
أعتبرت الدولة العثمانية الوثيقة و المطالب محاولة للانفصال فشنت هجوماً على بارزان  .. كما أن الشيخ عبدالسلام هو أول من قام بتدويل القضية الكوردية فأجرى اتصالات مكثفة مع القيصر الروسي و الدولة الروسية لدعم الكورد من أجل انفصال كوردستان عن الدولة العثمانية و كان ذلك أحد الاسباب التي أدى الى صدور قرار إعدام الشيخ من قبل الدولة العثمانية ….
بعد وفاة الشيخ عبدالسلام تولى الشيخ أحمد قيادة الحركة الكوردية و بسط نفوذه على المنطقة فتوالت الانتفاضات و الثورات في بارزان المطالبة باستقلال كوردستان و برز نجم البارزاني مصطفى كقائد عسكري فذ و سياسي لحركة التحرر الكوردية …
ففي ثورة عام 1945 استطاع البارزاني محاصرة الفيالق الثلاثة للحكومة العراقية و كادت أن تستسلم إلا أن تدخل بعض العشائر المتعاملة و العميلة للحكومة العراقية أدت الى فك الحصار مما اضطر البارزاني الانسحاب الى كوردستان ايران و مع نهاية الحرب العالمية الثانية و بمساعدة القوة المنظمة البارزانية استطاع الكورد اعلان جمهورية كوردستان في مهاباد بدعم الاتحاد السوفيتي… لم يدوم طويلاً عمر الجمهورية الفتية لأن الاتحاد السوفيتي سحب جيشه . و مع ذلك لم يستسلم البارزاني بل توجه مع اكثر من خمسمائة من مقاتليه الى الاتحاد السوفيتي .

عاد البارزاني الى كوردستان بدعوة من عبدالكريم قاسم بعد نجاح ثورة 14تموز 1958 والقضاء على الملكية في العراق و تأسيس جمهورية العراق بدستور جديد اعتبر الشعبين العربي و الكوردي شريكان في العراق و كان من المؤمل أن تفتح الحكومة العراقية صفحة جديدة لحل القضية الكوردية إلا أن الحكومة العراقية تراجعت عن التزاماتها فاندلعت ثورة ايلول 1961 و انتصرت الثورة و حصل اتفاقية بين البارزاني و الحكومة العراقية في 11 آذار 1970 سمي باتفاقية الحكم الذاتي …
تراجع الحكومة العراقية مرة اخرى عن التزاماتها في بنود اتفاقية الحكم الذاتي فاندلعت الثورة من جديد الى أن حصلت مؤامرة دولية و بمساعدة الولايات المتحدة الامريكية في الجزائر عام 1975 تنازل بموجبها العراق عن مساحة تعادل مساحة كوردستان لإيران مقابل قطع الإمدادات عن الثورة …..
إلا أن عجلة ثورات البارزانيين لم تتوقف فاندلعت ثورة گولان 1976 بقيادة الرئيس مسعود بارزاني وبقيت مستمرة الى أن انتفض شعب كوردستان عام 1991 و حصل الكورد على اقليم فدرالي معترف به عالمياً و مازال البارزاني مسعود يقود دفة مركب استقلال كوردستان و كانت عملية اجراء الاستفتاء على الاستقلال في ايلول 2017 أكبر انجاز قومي في تاريخ كوردستان الحديث و القديم . ولكن مرة أخرى حصلت خيانات من طرف ثلة من النفوس الضعيفة تأجل موعد الاستقلال .. و مازال البارزانيون يقودون دفة مركب الاستقلال و يبدو أن الشاطىء بات قريباً …

قد يعجبك ايضا