الجزء الاول
سردار علي سنجاري
تمر علينا اليوم الذكرى الثالثة والستون على ثورة أيلول المجيدة التي قادها الزعيم الكوردي الخالد الملا مصطفى البارزاني في بداية الستينيات القرن الماضي حيث صنعت قادة ورجال سطرت اسمائهم في تاريخ وذاكرة الأمة الكوردية للأبد .. لم تكن ثورة أيلول مجرد ثورة للدفاع عن حقوق الشعب الكوردي بل كانت ثورة شاملة طالبت بإقامة العدل وتحقيق المساواة بين كافة المكونات العرقية والاثنية في العراق وطالبت منذ انطلاقتها بتحقيق الديمقراطية الحقيقية للعراق والحكم الذاتي للشعب الكوردي . واليوم وبعد مرور اكثر من نصف قرن على هذه الثورة المجيدة علينا الوقوف على اهم انجازاتها السياسية والإنسانية والاجتماعية ..
توالت الأحداث المؤسفة في العراق بعد انقلاب عبد الكريم قاسم على العهد الملكي وما جرى للعائلة المالكة العراقية التي رغم الأخطاء التي تسبب فيها الوصي عبد اله وانفراده في القرار السياسي والعسكري وزج العراق في متاهات عديدة اجبرت القادة العسكرين في العراق في التفكير الجاد بالتخلص من النظام الملكي وإقامة نظام بديل يحقق طموح الشعب العراقي . ولكن ما جرى بعد مجزرة الرحاب المؤسفة كان عكس كل توقعات الشعب العراقي حيث بدا العسكر في فرض سيطرتهم على العراق وعدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وبالخصوص مع الشعب الكوردي حيث كان من المفروض ان يتم التعامل مع المكون الكوردي على أساس الشراكة الحقيقية في الوطن الواحد وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولكن كل تلك العهود كانت مجرد حجج واهية لكسب المزيد من الوقت من اجل تعزيز مواقعهم العسكرية والدولية ومن ثم استخدام أسلوب التنكيل والقوة المفرطة بحق الكورد لإخضاعهم بالقوة تحت الأمر الواقع وانهاء طموحاتهم السياسية في تحقيق الحكم الذاتي وإرادتهم في ان يكونوا كباقي شعوب العالم يتمتعون بالكرامة وتقرير المصير .
ورغم كل السلبيات التي واجهها الشعب الكوردي كانت أبواب التفاوض مع القوى السياسية العراقية مفتوحة لإيجاد الحلول الممكنة لتجنب العراق وشعبه الصراعات الداخلية وتأخر تقدمه الحضاري والدولي . ولكن للاسف كانت العقلية السياسية العراقية وبعض الحاضنات الاجتماعية لها ومازالت ترفض اي فكرة للتفاوض مع الكورد في تحقيق مطالبهم المشروعة مما جعل العراق في العصر الجديد دولة صراعات وانقسامات توجت بالحروب الطائفية واعادت العراق الى نقطة البداية.
في الستينيات من القرن الماضي وصلت حالة التفاوض بين القوى السياسية الكوردية والعراقية الى نقطة الإنغلاق النهائي مما اضطر قائد الأمة الكوردية الخالد الملا مصطفى البارزاني الى اعلان ثورته العظيمة والتي سميت بثورة أيلول المجيدة على الحكومة العراقية آنذاك والمطالبة من خلال تلك الثورة تحقيق العدالة والمساواة والإنصاف للشعب الكوردي في العراق .انطلقت ثورة أيلول المباركة بإيمان كبير بالله تعالى في نصرة المظلوم وايمان بارادة الشعب الكوردي في التخلص من الظلم والعبودية والتفتت الجماهير الكوردية بكافة فئاتها حول راية قائد الثورة الخالد الملا مصطفى البارزاني باخلاص و قدمت الغالي والنفيس من اجل تحقيق أهدافها النبيلة .
اليوم وبعد مرور حوالي اكثر من ستون عاما على ثورة ايلول المباركةً علينا ان نقف على اهم انجازاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وان نسجل للتاريخ والأجيال القادمة ما يمكنهم ان يفتخروا به كونهم ينتمون الى أمة كبيرة أمة تكالبت عليها الأمم والعالم ولكنها ابت الا ان تحيا بكرامة او تموت بشرف .
لقد حققت ثورة أيلول من الناحية السياسية اهم معاهدة في تأريخ الشعب الكوردي وهي اتفاقية ١١ آذار مع النظام العراقي البعثي السابق الذي كان نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ونائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين مهندس تلك الاتفاقية . و الحكم الذاتي العراقي–الكوردي لعام 1970 (أو اتفاقية الحكم الذاتي للأكراد أو بيان 11 آذار 1970 أو محادثات السلام العراقية – الكردية أو اتفاق السلام لعام 1970) كما يطلق عليها ، هي اتفاقية تم توقيعها في 11 آذار بين الحكومة العراقية والزعيم الخالد الملا مصطفى البارزاني الذي كان قائد الثورة ورئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني أعقاب ثورة أيلول من أجل إنشاء منطقة حكم ذاتي، تتألف من المحافظات الكوردية الثلاث والمناطق المتاخمة الأخرى التي تم تحديدها حسب التعداد بأن لها أغلبية كوردية و تنص الاتفاقية أيضا على تمثيل الكورد في الهيئات الحكومية، على أن تنفذ هذه الاتفاقية في أربع سنوات. وكان ذلك في وقته أهم محاولة لحسم الصراع الكوردي – العراقي الذي طال أمده.
وفيها اعترفت الحكومة العراقية بالحقوق القومية للكورد مع تقديم ضمانات لهم بالمشاركة في الحكومة العراقية واستعمال اللغة الكوردية في المؤسسات التعليمية، ولكن لم يتم التوصل إلى حل حاسم بشأن قضية كركوك التي بقيت عالقة بانتظار نتائج الإحصاء لمعرفة نسبة القوميات المختلفة في مدينة كركوك.وهنا لابد ان نذكر للتأريخ كان ينبغي للقيادة الكوردية ان تحسم مسالة كركوك من بدايات المفاوضات وتوضع لها الحلول والحكومة العراقية انذاك كانت مستعدة لقبول الشروط الكوردية لتمكين نفسها في المحيط العربي والدولي . ولكن لم يكتب لتلك الاتفاقية النجاح وكان الاختلاف على أحقية الكورد في كركوك مما دفع الحكومة العراقية الى استخدام العديد من الضغوطات على القيادة الكوردية ومحاولات إنهاء حياة البارزاني الخالد والعديد من قادة البارتي . فقيادة البعث وقّعت بيان ١١ اذار وفي ذهنها تقوية نفسها وتثبيت مؤسساتها الحزبية والعسكرية في الحكم مع محاولة إضعاف (البارتي) وقياداته، فيما عدّ البارتي البيان فرصة ذهبية لتثبيت الحق القومي الكوردي وانهاء الصراع الكوردي – العراقي ، والانتقال بالعراق من دولة شمولية الى دولة ديمقراطية تكون نموذجا للتآخي والترابط الاجتماعي بين الكورد والعرب .
ولعبت دول الجوار العراقي وبالأخص ايران الشاه وتركيا آنذاك دورًا سلبيًا في انهيار الاتفاقية وذلك تحسبًا من مطالبة الكورد في بلدانهم بحقوقهم أسوة بكورد العراق . ناهيك عن التجاذبات السياسية بين العراق والعديد من الدول التي لم تريد للعراق استقرارا سياسيا و اقتصاديا . ومن الإنجازات السياسية على الصعيد الدولي لثورة أيلول المجيدة انها استطاعت ان تحول قضية الأمة الكوردية من قضية ذات طابع محلي وإقليمي الى طابع دولي حيث بدأت الدول الاوروبية و الغربية وأمريكا تبدي اهتماما لقضية الكورد ولكن حسب وجهات نظرها ومصالحها التي كانت مرتبطة مع العراق الغني بالنفط والثروات الأخرى وتركيا التي تعتبر من الدول القوية في حلف الناتو وايران الشاه الذي كان يعتبر شرطي امريكا في المنطقة ما جعل القضية الكوردية رغم أحقيتها مجرد ورقة ضغط بيد الدول العظمى تحركها كما تتطلب مصالحها الخاصة والأمن القومي لكل بلد .
يتبع