وزير الطاقة اللبناني في حوار مع الإنديبندنت : هؤلاء أغرقوا البلاد في العتمة

 

 

دنيز رحمة فخري

 

عجزت الحكومات المتعاقبة في لبنان منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم عن تأمين إنتاج كاف من الطاقة الكهربائية، وتفاقمت المشكلة بصورة كبيرة بعد الأزمة المالية التي بدأت منذ عام 2019. وشكلت أزمة الكهرباء محوراً أساساً في شروط أي خطة إصلاحية يطالب بها صندوق النقد الدولي لمعالجة الأزمة، بعدما بات قطاع الكهرباء المتعثر يمثل استنزافاً أساساً لمالية الدولة، إذ كلف أكثر من 40 مليار دولار منذ عام 1992.

 

في تقرير صدر خلال مارس (آذار) 2023 عن “هيومن رايتس ووتش” فندت المنظمة أسباب انهيار قطاع الكهرباء في لبنان، مشيرة إلى أن “العقود الطويلة من السياسات غير المستدامة والإهمال الفادح، تعكس هيمنة النخبة على موارد الدولة وفساد المصالح الخاصة، التي أدت بدورها إلى انهيار قطاع الكهرباء بالكامل في ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة”.

 

قبل أيام، غرق لبنان في الظلام بعد نفاد مخزون مؤسسة الكهرباء من زيت الغاز، مما أدى إلى شلل تام في الحياة اليومية بجميع أنحاء البلاد، وتأثرت القطاعات الحيوية خصوصاً، بدءاً من المطار وصولاً إلى مضخات المياه وشبكات الصرف الصحي وحتى السجون. ودفع ذلك رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى المطالبة بفتح تحقيق في تلك الأزمة بخاصة أن قرار وزير الطاقة وليد فياض برفع التعريفة بأكثر من 160 ضعفاً كان مخصصاً لتأمين أموال الفيول.

 

وبدأت حفلة تقاذف الاتهامات بين مثلث الحكومة ورئيسها ووزير الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان، فيما شكلت عودة التيار لمدة تراوح ما بين الساعة والساعتين في النهار، إنجازاً بعد إعلان الجزائر استعدادها تزويد لبنان بالوقود كهبة. وللمفارقة فإن بيروت تواجه مشكلة طويلة الأمد مع الجزائر منذ عام 2020، بسبب خلاف قانوني مع شركة “سوناطراك” التي كانت تزود لبنان بالفيول، لكن جرى اتهامها بنقل شحنات مغشوشة مما أدى إلى دعاوى قضائية لم تحل حتى اليوم.

 

ويؤكد أنه طرح تأمين الفيول منذ مايو الماضي أي قبل أشهر من وقوع المشكلة، وأطلق المناقصة في يونيو الماضي لربح الوقت مع هيئة الشراء العامة واقترح فكرة التلزيم الموقت لمدة 10 أيام قبل التلزيم النهائي. وإذ ينفي أن تكون وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني وراء العرقلة داخل مؤسسة كهرباء لبنان واصفاً هذا الكلام بـ”السخيف”، يشرح في الوقت نفسه أنه بعد فترة اقتنع مجلس الإدارة وفتح اعتماداً لشحنة الفيول بـ25 مليون دولار. ورست المناقصة على الشركة التي قدمت السعر الأفضل، لكن بدأت بعد ذلك حملة إعلامية تتهمنا باستخدام الأموال المخصصة للفيول العراقي لشراء فيول إضافي، علماً أن بغداد تدرك أن خطة الكهرباء تشمل شراء فيول إضافي. ويشار هنا إلى أن الفيول العراقي يدفع ثمنه بالليرة مقابل خدمات طبية مقدمة لبغداد على الأراضي اللبنانية.

 

على من تقع المسؤولية؟

يصف وزير الطاقة اللبناني البلاد بـ”الزريبة” – حيث تعيش الحيوانات – موضحاً أن “المحاسبة تطاول الأوادم أما الزعران فيسرحون ويمرحون”. وعندما نسأله من هم الزعران في قطاع الكهرباء يجيب “كل شيء موثق بوقائع ومستندات كبيرة وكل ما يحكى بالإعلام لا علاقة له بالواقع”.

 

يسقط وليد فياض كل الاتهامات الموجهة ضده التي تحمله مسؤولية استمرار نقص الفيول المطلوب لتشغيل المعامل، إذ ينفي أن يكون مدعوماً أو ممثلاً لـ”التيار الوطني الحر” في الحكومة وهو الفريق الذي تسلم حقيبة الطاقة منذ عام 2009 حتى اليوم وكان الوزير جبران باسيل أول من أطلق وعده الشهير بتأمين الكهرباء “24 على 24”.

 

يعود فياض إلى المحطات الأساس التي رافقت خطة الطوارئ التي وضعها فور تسلمه الوزارة في سبتمبر (أيلول) 2021، ويتحدث عمن يصفهم بأبطال معارضة خطته ونسفها أو تأخيرها من قوى خارجية وداخلية مسيطرة على القرار. وتتصدر لائحة فياض للمعطلين إدارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي بعدما عزفا عن تمويل وتنفيذ مشروع الغاز المصري والكهرباء الأردنية، مما أدى إلى حرمان لبنان من 600 ميغاواط أي ما يعادل ست ساعات تغذية. ويكشف عن أن البنك الدولي رفض دفع الأموال بحجة أن موقف لبنان العام لا يتماشى مع الرغبة الغربية.

 

 

بحسب وزير الطاقة اللبناني فإن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يأتي في المرتبة الثانية في نسف خطة الطوارئ عندما رفض في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 الموافقة على مرسوم قبول هبة 600 ألف طن من الفيول الإيراني مقابل 300 مليون دولار، مما أسهم في منع زيادة التغذية لست ساعات لفترة ستة أشهر.

 

ويتابع مذكراً بقرار وزير المال يوسف الخليل، المحسوب على رئيس مجلس النواب نبيه بري، إيقاف فتح الاعتمادات في ديسمبر (كانون الأول) 2022 لبواخر الفيول التابعة لشركة “فيتول” على رغم أنها كانت ملزمة من وزارة الطاقة بموجب سلفة الخزانة بـ300 مليون دولار وحائزة موافقة استثنائية من رئيس الحكومة الذي عاد لاحقاً ورفض فتح الاعتماد بحجة اشتراط نواب لجنة الطاقة انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، التي كانت متعثرة في ظل الفراغ الرئاسي، وأدى ذلك إلى تأخير الحصول على 200 ميغاواط تغذية إضافية لفترة ثلاثة أشهر.

 

مصرف لبنان شارك في التعطيل

وإلى قائمة المعطلين – وفق فياض – ينضم مصرف لبنان الذي رفض في مايو (أيار) 2023 فتح اعتمادات بـ50 مليون دولار لباخرتين محملتين بالفيول، على رغم أنها مغطاة من رصيد الـ102 مليون دولار المتبقي من سلفة الخزانة المعطاة عام 2022 من الحكومة. ويؤكد أن وزارة الطاقة اضطرت إلى إلغاء العقد من دون إلحاق أي ضرر مالي على الدولة، لكن البلد حرم من زيادة التغذية بقدر 200 ميغاواط لمدة ثلاثة أشهر.

 

ويحمل فياض مصرف لبنان مسؤولية رفض إعطاء مؤسسة كهرباء لبنان حق تسعير فواتير الكهرباء منذ يونيو 2023 حتى مايو الماضي على أساس سعر الصرف للدولار، كما ينص قانون النقد والتسليف، مما أدى إلى تأخير إصدار الفواتير بالدولار والليرة لنحو عام وخسارة نحو نصف مليار دولار التي كان يمكن أن تحصلها الشركة لقاء استهلاك الكهرباء من العملاء من دون فوترة وجباية، مما أخر قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على الاستثمار في شراء الفيول لزيادة التغذية.

 

المشكلة مع العراق

في يوليو (تموز) 2023 كان لبنان على وشك الغرق في العتمة، لولا تدخل الحكومة العراقية التي زودته بالنفط بعد نفاد الوقود في معمل دير عمار والتحذيرات من انطفاء معمل الزهراني. وتفرض صفقة التبادل النفطي الموقعة مع العراق عام 2021، أن تزود بغداد بيروت بالوقود، مقابل تحويل مبالغ مالية في حساب خاص بالعراق في مصرف لبنان لتمويل خدمات عكسية. وهذا الاتفاق وافق عليه مجلس النواب اللبناني، إلا أن المشكلة تكمن في تجديده من دون موافقته ورفع كمية الوقود المستوردة مما زاد الكلف إلى نحو 700 مليون دولار.

 

وأعلن مصرف لبنان توقفه عن سداد ثمن شحنات الوقود العراقي من الاحتياط الإلزامي من العملات الأجنبية من دون قانون صادر عن مجلس النواب، بسبب عدم وجود رصيد لوزارة الطاقة. أما فياض الذي كان رفع التسعيرة لتأمين أموال الفيول الإضافي فيتهم حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري برفض تسديد المستحقات الشهرية لمصلحة حساب العراق، على رغم قرار صادر من مجلس الوزراء ووجود مرسوم رقم 10960 لمشروع قانون لهذا الغرض في البرلمان.

 

ينفي فياض أن يكون العراق قرر وقف إرسال الفيول عندما عمد إلى شراء كميات إضافية من شركات أخرى، ويشرح أنه عندما بدأت تتراكم الأموال المحصلة من الجباية في أبريل (نيسان) الماضي، وبات المبلغ الذي يدخل الخزانة أكثر من 20 مليون دولار بدأ بالتفكير في إجراء مناقصة لتأمين كمية من الفيول الإضافي لتأمين ساعات تغذية إضافية وهذا ما حصل، لكن المعارضة الأولى أتت من داخل مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان على خلفية رفض استخدام هذه الأموال لشراء فيول بدلاً من استخدامها لتشغيل معملي الذوق والجية، الذي كان يحتاج إلى حجز مسبق لـ35 مليون دولار.

 

ويؤكد أنه طرح تأمين الفيول منذ مايو الماضي أي قبل أشهر من وقوع المشكلة، وأطلق المناقصة في يونيو الماضي لربح الوقت مع هيئة الشراء العامة واقترح فكرة التلزيم الموقت لمدة 10 أيام قبل التلزيم النهائي. وإذ ينفي أن تكون وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني وراء العرقلة داخل مؤسسة كهرباء لبنان واصفاً هذا الكلام بـ”السخيف”، يشرح في الوقت نفسه أنه بعد فترة اقتنع مجلس الإدارة وفتح اعتماداً لشحنة الفيول بـ25 مليون دولار. ورست المناقصة على الشركة التي قدمت السعر الأفضل، لكن بدأت بعد ذلك حملة إعلامية تتهمنا باستخدام الأموال المخصصة للفيول العراقي لشراء فيول إضافي، علماً أن بغداد تدرك أن خطة الكهرباء تشمل شراء فيول إضافي. ويشار هنا إلى أن الفيول العراقي يدفع ثمنه بالليرة مقابل خدمات طبية مقدمة لبغداد على الأراضي اللبنانية.

 

 

رفض ثم رضوخ

وزير الطاقة اللبناني وليد فياض كشف عن تدخل مقصود لرئيس الحكومة في يوليو الماضي برفض شحنة الـspot cargo”” بسعة 30 ألف طن، إذ اعترض ميقاتي على دفع 25 مليون دولار من أموال جباية كهرباء لبنان، وذلك بعد أن كانت وزارة الطاقة أجرت المناقصة والتلزيم الموقت بحسب قانون الشراء العام ليعود منذ أسابيع عن قراره ويصدر قراراً في الـ14 من أغسطس (آب) الجاري، مناقضاً للأول لتنويع مصادر الطاقة وزيادة 600 ميغاواط تغذية لفترة تراوح ما بين 10 و15 يوماً ريثما تصل شحنتا الغاز “أويل” بمبادلة شحنة أغسطس الجاري للفيول العراقي.

 

ويؤكد فياض أن العراق يدرك أن المشكلة التي حصلت مرتبطة بموضوع إجرائي إداري مسؤول عنه مجلس النواب اللبناني الذي عليه دراسة المرسوم المرسل من الحكومة لتغطية اتفاق التبادل مع بغداد، الذي بموجبه يستطيع مصرف لبنان دفع الأموال، مشيراً إلى أن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري سبق ودفع 118 مليون دولار من دون أي غطاء قانوني، مما يطرح سؤالاً عن سبب قرار عدم الدفع بحجة غياب القانون وهل التوقف سياسياً أم بعد إدراكه خطأه في المرة الأولى؟ وهنا يجيب وزير الطاقة “أنا أقول توقف عن الدفع لسبب سياسي… يجب أن تعلموا على من هو محسوب منصوري”.

 

كيدية سياسية

وإذ يعد أن السبب اللوجيستي المتمثل في التئام مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان لم يؤثر كثيراً وآخر بت الموضوع يومين فحسب، يستغرب وزير الطاقة اختصار مشكلة ناتجة من تجاذبات سياسية وكيدية في تقصير إداري غير موجود أصلاً، معترفاً في المقابل بأن مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان هو صورة مصغرة لمجلس الوزراء.

 

 

ويؤكد فياض أن “التخريب السياسي يحصل مع كل شحنة فيول ولو كانوا مستفيدين لكانوا سهلوا الأمر”. ورداً على رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب سجيع عطية الذي اعتبر أن فياض يحتاج إلى إعادة تأهيل إداري، أعاد الوزير التذكير بموقف عطية عام 2022 عندما رفض مع عدد من النواب فتح اعتمادات لتأمين الفيول لتفادي العتمة قبل قرار من مجلس الوزراء مرفق بقانون صادر عن البرلمان.

 

 

وزير الطاقة اللبناني وليد فياض كشف عن تدخل مقصود لرئيس الحكومة في يوليو الماضي برفض شحنة الـspot cargo”” بسعة 30 ألف طن، إذ اعترض ميقاتي على دفع 25 مليون دولار من أموال جباية كهرباء لبنان، وذلك بعد أن كانت وزارة الطاقة أجرت المناقصة والتلزيم الموقت بحسب قانون الشراء العام ليعود منذ أسابيع عن قراره ويصدر قراراً في الـ14 من أغسطس (آب) الجاري، مناقضاً للأول لتنويع مصادر الطاقة وزيادة 600 ميغاواط تغذية لفترة تراوح ما بين 10 و15 يوماً ريثما تصل شحنتا الغاز “أويل” بمبادلة شحنة أغسطس الجاري للفيول العراقي.

 

ويحمل فياض “القوات اللبنانية” المسؤولية أيضاً عندما طالبت بمحاسبة الوزير، في المقابل يعد أن “حزب الله” يريد مصلحة لبنان ويذكر بموقفه عندما دعا إلى حل الموضوع وفتح الاعتماد ودفع الأموال للشحنة بغض النظر عن القانون. ويتهم الدولة العميقة – على حد تعبيره – بمنع حل أزمة الكهرباء في لبنان، والمتمثلة بكارتيل المصارف وشركات استيراد النفط والموتورات.

 

وأخيراً لا يستثني الوزير وليد فياض أحداً من هذه الدولة العميقة بمن فيهم كتلة “التنمية والتحرير” النيابية التابعة لحركة “أمل” وكتلة “التيار الوطني الحر” المعروفة بـ”لبنان القوي”. أما الحديث عن تكبيل عمله من قبل مرجعيته السياسية المتمثلة بـ”التيار الوطني الحر” فهو على حد قوله “كلام بكلام”.

قد يعجبك ايضا