بدر شاكر السياب .. رحلة الابداع وريادة الشعر الحر والألم

 

موفق الربيعي

الشاعر بدر شاكر عبد الجبار مرزوق السياب، ولد عام 1926 في قرية جيكور احدى قرى ابي الخصيب في محافظة البصرة وتنتمي عائلة السياب إلى عشيرة ربيعة العراق نزحت إلى البصرة منذ القدم وسكنت في ابي الخصيب واشتغلت بالزراعة والتجارة وامتلكت الاراضي الزراعية الواسعة.

عندما بلغ الرابعة من عمره استدعى له جده عبد الجبار السياب أحد الملالي من الزبير لتعليم بدر قراءة القران وفي السادسة من عمره التحق بمدرسة باب سليمان الاولية عام 1932 وكان بدر في هذه الفترة يقوم برعي اغنام جده في البساتين المجاورة ويحمل معه اجزاء من القران الكريم وبعض الكتب كما كان يحمل معه ايضا الناي الذي كان مولعا بالعزف عليه.

بعد ان أكمل دراسته في مدرسة باب سليمان التحق عام 1936 في المدرسة المحمودية حيث أكمل الدراسة في الصفين الخامس والسادس الابتدائي وفي عام 1938 التحق بالثانوية المركزية في العشار وأكمل دراسته فيها عام 1943.

التحق بعدها بدار المعلمين العالية (كلية التربية) حاليا في بغداد واختار فرع اللغة العربية ولكنه في السنة الثانية تحول إلى فرع اللغة الانكليزية حيث كان يريد الاطلاع على الادب والشعر الانكليزي وتعرف في هذه المرحلة من حياته في بغداد على العديد من الاصدقاء ممن كانت لديهم اهتمامات في الادب والسياسة.

أنتخب رئيسا لاتحاد الطلبة في دار المعلمين العالية. وقد تعرض في حياته الدراسية إلى حالات عديدة من الفصل والاعتقال بسبب نشاطه السياسي وفي عام 1948 انتخب بدر ليمثل طلبة دار المعلمين العالية في المؤتمر الطلابي الاول في العراق.

 

 

عام 1948 تخرج من دار المعلمين العالية واصبح مدرسا للغة الانكليزية في ثانوية الرمادي واستمر في كتابة الشعر وارسال قصائده إلى بغداد لنشرها في الصحف.

في 25 كانون الثاني عام 1949 فصل من التدريس لمدة عشر سنوات وعاد إلى البصرة واشتغل في شركة التمور العراقية ثم كاتبا في شركة النفط ثم عين كاتبا في مديرية الاموال المستوردة ونظرا لمضايقة السلطة الحاكمة له هرب إلى الكويت واشتغل في احدى الشركات وبعد سنة عاد إلى العراق حيث اعيد تعيينه في مديرية الاموال المستوردة.

في 16 حزيران عام 1955 تم زواجه من احدى قريباته وهي الست اقبال طه العبد الجليل بعدها عاد إلى التدريس حيث عين مدرسا في ثانوية الاعظمية ثم نقلت خدماته من وزارة المعارف إلى مديرية التجارة العامة بوظيفة رئيس ملاحظين.

عام 1960 اخذ يشكو من الضعف العام وصعوبة في تحريك رجله اليمنى ثم اليسرى واستقال من وظيفته وعاد إلى البصرة حيث تم تعيينه في مديرية الموانئ العراقية وسكن مع عائلته في بيت من بيوت مديرية الموانئ غير ان حالته الصحية اخذت تتدهور ولم يعد قادرا على المشي الا اذا ساعده شخص اخر فأضطر لأخذ إجازة اعتيادية وسافر إلى بيروت للعلاج وهناك تم تشخيص حالته المرضية وهي (فساد في الجهاز العصبي).

عاد إلى البصرة وزاول عمله في مديرية الموانئ العراقية غير ان حالته الصحية ازدادت سوءا وقد حصل على مساعدة للعلاج من البعثة البريطانية وذلك بحصوله منها على بعثة دراسية إلى بريطانية ولكنها كانت لغرض العلاج وكان يرافقه في سفره زميله وابن قضائه الشاعر مؤيد العبد الواحد حيث كان موظفا معه في مديرية الموانئ العراقية واخذ يتنقل في مستشفيات لندن ثم سافر إلى فرنسا للعلاج ايضا ولكن حالته الصحية اخذت تتدهور فعاد إلى العراق.

 

بعد وصوله بأسبوعين صدر قرار بفصله من مديرية الموانئ ألعراقية لمدة ثلاث سنوات وقد اصبح طريح الفراش .

ساعده صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي بالسفر إلى الكويت للعلاج وادخل المستشفى الاميري هناك حيث توفي فيها في يوم الخميس24/12/1964م ونقل جثمانه إلى البصرة في يوم شديد المطر ودفن في مقبرة الحسن البصري.

لقد اعطى الشاعر بدر شاكر السياب خلال حياته القصيرة عطاءا جزيلا يفوق من حيث الكم والكيف ما اعطاه أي شاعر من معاصريه خلال الفترة ذاتها وقد بدأ بكتابة الشعر الشعبي متأثرا بأحد اقاربه وهو الشاعر الشعبي عبد الدايم ناصر محمود.

بعدها اخذ يكتب باللغة الفصحى وكانت اول قصيدة كتبها هي قصيدة (الدفلى) هذا حسب ما بينه صديقه السيد محمد خلف الشاهين وقال لي ان بدر أخبره بذلك واعطاه هذه القصيدة (والدفلى) نوع من اشجار الورد الجميلة تنمو على ضفاف الأنهار ولون وردها الاحمر والابيض‪.

القصيدة

لفح الاوام زهر الدفل   فذوت كما ذوي سنا المقل

كانت تعير النهر حلته   فيلوح في زاه من الحلل

واليوم صوّح حسنها فذوت     ومضى النسيم بها على عجل

يا عين أين أزاهير الدفل   مري بجانب نهرها فسلي

قد كان وقت ذبولها املاً          في الملتقى ففجعت بالأمل

استمر يكتب الشعر العمودي ثم تحول إلى كتابة الشعر الحر الذي تميز به كثيرا حيث يعتبر من أشهر الشعراء الذين كتبوا الشعر الحر‪..

قصيدة (هل كان حباً) أول قصيدة كتبها بدر بالشعر الحر وهذه بعض الابيات من القصيدة‪:

هل تسمين الذي القى هياما؟

أم جنونا بالأماني ام غراما؟

ما يكون الحب نوحاً وابتساما

أم خفوق الاضلع الحري أذا حان التلاقي

بين عينينا فأطرقت فراراً بأشتياقي

‪ في سماء ليس تسقيني اذا ما

جئتها مستسقياً ألاّ أواما

العيون الحور لو أصبحن ظلاً في شرابي

جفت الأقداح في ايدي صحابي

دون أن يحظين حتى بالحباب

هيئي يا كأس من حافاتك السكرى مكانا

تتلاقى فيه دوما شفتانا

في خفوق والتهاب

وابتعاد ضاع في ظلّ أقتراب

دواوينه الشعرية هي‪:

– أزهار ذابلة عام 1947

– أساطير عام 1950

– المومس العمياء 1954

– حفار القبور 1952

– الاسلحة والاطفال 1950

– أنشودة المطر عام 1960

– المعبد الغريق عام 1962

– منزل الاقنان عام 1963

– شناشيل أبنة اﻠﭽلبي عام 1964

– أقبال عام 1965

– أعاصير

جمعت هذه الدواوين في ديوان واحد صدر عن دار العـودة.

هناك قصائد له لم تنشر تعود لعام 1942 وعام 1943 وعام 1954 كما أن هناك قصيدة طويلة أسمها ( بين الروح والجسد ) أرسلها إلى الشاعر المصري علي محمود طه ليكتب لها مقدمة ولكن الشاعر المذكور توفي ولم يكتب مقدمة لها كما ان القصيدة نفسها فقدت، وكأنها تقاسمت سوء الحظ مع كاتبها، الشاعر العلم بدر شاكر السياب.

قد يعجبك ايضا