فرج عبو … من اقطاب الفن العراقي المعاصر

 

د. كاظم شمهود

فرج عبو واحد من كبار الفنانين العراقيين المنسيين. ولد في الموصل عام 1921، درس الرسم في كلية الفنون الجميلة في القاهرة عام 1950. رحل الى روما ودرس الرسم وتخرج منها عام 1954. عين استاذا لتدريس مادة الرسم في معهد الفنون الجميلة في بغداد بين اعوام 1954 و1967، ثم استاذا في كلية الفنون الجميلة في بغداد. وكان واحدا من مؤسسي جماعة بغداد للفن الحديث. كان لي الشرف ان اكون أحد طلابه في كلية الفنون الجميلة عام 1972. وكان عبو ينحو في اعماله نحو التجريد على غرار المدرسة التجريدية التعبيرية التي قادها الفنان الروسي كاندنسكي..

 

 

 

مفهوم التجريدة:

التجريد مفهوم قديم ظهر عند الاغريق حيث اعتبر جماعة فيثاغورس ان الجمال يقوم في الطبيعة على اسس تجريدية رياضية هندسية وعددية وهي اشارة الى ان الاشكال الهندسية كالمربع والمثلث والمستطيل والنقطة والخط وغيرها هي جميلة بحد ذاتها جمال مطلق، من هنا خرج الفن التجريدي الذي اتخذ منزعا صوفيا.. ويمكن لنا ان نشاهد نوعين من التجريد الاول هو التجريد الهندسي والثاني هو التجريد التعبيري. الاول ظهر عند الفنان الهولندي موندريان الذي عمل على انتاج لوحات ذات اشكال هندسية متنوعة محددة بخط اسود. والثاني نجده عند الفنان الروسي كاندنسكي. حيث اتجه الى الروحانيات واخذ اشكاله من الطبيعة وجردها، اصدر كتابا اسماه – الروحانيات – عام 1910 .

البدايات:

كانت بدايات فرج عبو في الرسم مرتبطة بالأسلوب الواقعي التبسيطي ومستفيدا من التراث الشعبي البغدادي والمناطق الريفية بسحرها وزخارفها وجمال الوانها الحارة الفطرية التي نلمسها ظاهرة في الاثاث كالبسط والخيام والفخاريات وغيرها. ثم تحول الى التجريد متأثرا بمدرسة كاندنسكي الصوفية. كما استفاد من الزخارف الاسلامية –الارابسك– بأشكالها الهندسية والنباتية المتداخلة والمتقاطعة مع تداخل الضوء والضلال وتكرارها الساحر في الزخرفة، محورا لها ومعطيا صيغا ولغة جديدة جميلة.

فرجو عبو يطرح اشكال بصرية تجريدية وأحيانا صوفية روحانية بطريقة الاختزال واصبحت الاشكال محورة لتعميق التعبيرية والفكرة وأصبح سطح اللوحة عنده ميدانا للتجريب. وكما يقول بيكاسو ((ان مهمة الرسام ان يرسم باستمرار)). ويعني ذلك ان حقول الفن والادب هي على الدوام عبارة عن حقول تجريب مستمرة بالتجديد والعطاء. (وفوق كل ذي علم عليم)

 

 

ذكريات الدراسة:

كان الاستاذ فرج عبو يدرسنا مادة نظرية تدعى -علم عناصر اللون- وكان قد الف كتابا بهذا الخصوص قبل فترة طويلة ومنذ ذلك الوقت بقى الكتاب مخطوطا على ورق ولم يستطع من طبعه هو او احد يطبعه له ربما لكلفته الغالية او كون المادة ليس لها شأنا كبيرا وسط الجمهور. وكثير ما كان يشتكي لنا من تلك المشكلة والمعاناة التي جناها من وراء ذلك الكتاب. ويبدو انه لم يكن متعاونا مع السلطة في ذلك الوقت وقد أهمل، ولكنه طبع فيما بعد، بجزئين ويحمل عنوان –علم عناصر الفن- وفي عام 1975 قام طلاب الصف الرابع بشعبتيه الاولى والثانية برحلة فنية الى مدينة البصرة وكان الاستاذ فرجو عبو مشرفا عليها وكانت رحلة غاية في الجمال والمتعة. فقد تجولنا بأحياء البصر العتيقة وازقتها وشناشيلها التاريخية الرائعة وكذلك على ضفاف شط العرب وسفنه الخشبية الواردة من الهند وشارع الكورنيش والخورة. وخلال هذه الجولات كانت معدات الرسم معنا حاملينها على الاكتاف، نرسم اينما حللنا وقعدنا. وقد ختمنا تلك الرحلة بدعوة الجميع الى الغذاء في بيتنا في منطقة الجنينة. وقد هرعت الوالدة الى نساء الجيران تطلب المساعدة في التحضير والطبخ لان الاعداد كانت كبيرة.. وكان ذلك اليوم بمثابة احتفالية عرس للأهل والجيران.. (يرحم ذلك الزمان واهله). وبعد العودة الى بغداد عملنا معرضا جماعيا للأعمال التي رسمناها في مدينة البصرة الفيحاء. وفي عام 1984 توفى الاستاذ فرج عبو فترك اعمالا رائعة وذكريات جميلة لا تنسى في قلوب طلابه ومحبيه .وكتابه الفني الذي خلده أبد الدهر(علم عناصر الفن) وقد غدى ضمن المنهاج الدراسي لكلية الفنون الجميلة في بغداد.

 

قد يعجبك ايضا