بعد الاقتصاد .. اختراق صيني لشمال أفريقيا عبر التعاون العسكري

 

 

التآخي ـ وكالات

مع عقد منتدى التعاون الصيني – الأفريقي (فوكاك) لعام 2024، في العاصمة الصينية بكين الذي استمر ثلاثة أيام (من 5 إلى 7 أيلول) تتزايد الأسئلة بشأن طبيعة الدور الذي تريد الصين تأديته في البحر المتوسط على ضوء تعزيز التعاون العسكري مع شمال أفريقيا؛ فهل تسعى بكين لاختراق منطقة نفوذ غربية عن طريق الأسلحة؟

جاءت القمة الأفريقية الصينية هذه في وقت يواصل فيه التنين الصيني التوغل بهدوء وبطء في القارة السمراء عبر الاقتصاد كبوابة رئيسة، لكن التعاون العسكري المتنامي لا يخفى على أحد.

وتعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهي حالياً أكبر شريك تجاري لأفريقيا بحجم بلغ 167 نحو مليار دولار خلال النصف الأول من 2024 بحسب ما ذكرت وسائل إعلام صينية. ويقول خبراء في الشؤون الصينية والآسيوية إن الصين تفضل العمل في البداية على توسعة نشاطها مع الدول الأفريقية عبر مشروعات البنية التحتية والطاقة النظيفة والخضراء وتحلية المياه وغيرها.

وفي كلمة ألقاها بمناسبة افتتاح القمة، تعهد الرئيس الصيني شي جينبينغ بدعم أفريقيا بقيمة 50 مليار دولار على مدار السنوات الثلاث المقبلة، وتعزيز التعاون العسكري في جهود شاملة لتعميق العلاقات الصينية مع القارة التي تعد مهمة لتحقيق طموحات بكين الجيوسياسية، بحسب وكالة بلومبرغ للأنباء؛ وأضاف شي أن مساعدة بكين تشمل خط ائتمان بقيمة 30 مليار دولار، بالإضافة إلى 11 مليار دولار من فئة “المساعدات المختلفة”، واستثمارات من جانب الشركات الصينية بقيمة 10 مليارات دولار على الأقل، بحسب بلومبرغ.

وقال شي إن بلاده سوف تُعفي بشكل أحادي رسوم الاستيراد لمنتجات من 33 دولة أفريقية تعتبر الأقل تقدماً، كما ستقوم بتوسيع فرص الوصول إلى السوق لثاني أكبر اقتصاد في العالم. وكانت الصين قد تعهدت مؤخراً بتعزيز مشروع “طرق الحرير الجديدة”، المعروف أيضا باسم “الحزام والطريق”، حيث تمثل إفريقيا منطقة رئيسة في هذه المبادرة.

في السنوات الأخيرة، زادت الصين مبيعاتها من المعدات العسكرية إلى مصر، بما في ذلك الطائرات المسيرة وأنظمة المراقبة المتقدمة بحسب تقرير نشره مركز أبحاث جيوبوليتيك مونيتور الأمريكي. أما الجزائر ومن خلال نفقاتها وطاقاتها العسكرية الكبيرة وأهميتها الجيوسياسية في المغرب العربي، فتعتبر شريكاً هاما للصين حيث تتمتعان بعلاقة عسكرية طويلة الأمد تشمل صفقات الأسلحة ونقل التكنولوجيا، كما حصلت الجزائر من الصين على أنظمة صواريخ ومركبات مدرعة وطائرات مسيرة أخيراً وفق ما كشف موقع “ديفينسا” الإسباني المتخصص في الشؤون العسكرية.

 

وبرغم أن التعاون العسكري مع المغرب ليس ضخماً إلا أن الصين طورت أيضًا علاقات معه على هذا الصعيد، إلى جانب العلاقات الاقتصادية الآخذة في النمو. صحيح أنها ليست عميقة مثل العلاقات مع مصر أو الجزائر ودول شمال أفريقيا الأخرى، لكن المغرب يظل مهمًا في سعيه إلى تعزيز قدراته الدفاعية باستعمال التكنولوجيا المتقدمة، وتقدم الصين قدرات في هذا المجال خاصة بعد حصول المغرب على نظام HJ-9A الصاروخي الصيني بحسب ما نشر موقع “ذا ديفينس بوست”.

وفيما يتعلق بتونس وليبيا فإن التعاون العسكري محدود نسبيًا ولكنه يتوسع في سياق المبادرات الدبلوماسية الأوسع نطاقًا التي تقوم بها الصين في أفريقيا. كما أبدت الصين اهتماماً خاصاً بمسألة إعادة الإعمار في ليبيا، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعاون عسكري في المستقبل.

وتحتل صادرات السلاح أهمية كبرى لدى الصين وتعتبرها أحد أهم بواباتها لتعميق علاقاتها مع الدول الأخرى. في هذا السياق يقول أحمد أبو دوح خبير الشؤون الآسيوية والزميل المشارك بمعهد شاثام هاوس للدراسات الاستراتيجية في لندن إن هناك تقدماً ملحوظاً في التعاون العسكري الصيني مع بعض الدول الأفريقية، وأن هذه العلاقات والاتفاقيات تثير انتباه الحلفاء الغربيين لدول شمال أفريقيا بشكل كبير.

ويضيف أنه “لفهم طبيعة العلاقات العسكرية بشكل خاص ينبغي أولاً تقسيمها إلى نوعين، النوع الأول هو under the threshold  Cooperation أو تحت حد التعاون العادي وهو أمر مستقر منذ عقود، ولا يشكل مشكلة كبرى فيما يتعلق بتحالفات هذه الدول مع القوى الغربية، هذا النوع من التعاون العسكري يشمل صادرات الدرونز/ الطائرات المسيرة خصوصاً Wing Loong بنوعيها 1 و 2 وأنواع أخرى، وثانياً طائرات التدريب العسكري؛ ثالثاً التعاون الاستخباراتي والزيارات العسكرية أو الدبلوماسية العسكرية”.

وأضاف أبو دوح في حوار أن النوع الثاني وهو ما فوق حد التعاون العادي هو الذي بدأ يظهر مؤخراً ويشمل تصدير المقاتلات المتقدمة، خصوصاً J 10 في حالة مصر كما تدور شائعات حول مقاتلات J 20 كبديل للسوخوي 35 بالنسبة لمصر والصواريخ المضادة للسفن اللي استوردتها الجزائر سواء من 2017 أو الاتفاقية الحديثة مؤخراً.

وقال خبير الشؤون الصينية والآسيوية في شاثام هاوس إنه لا يعتقد أن الصين لديها اتفاقات مماثلة مع المغرب، “لأن للمغرب اعتبارات مختلفة تماماً، وعنده قضية الصحراء، ويريد اعترافاً غربياً، وهذا ما دفعه لبناء علاقات مع دول محددة، لكن الجزائر ومصر تتبنيان سياسة خارجية أكثر تنوعاً”.

ويتوقع أبو دوح رؤية مزيد من التعاون العسكري الصيني مع دول شمال أفريقيا: لكن ليس بشكل قد يؤثر بطريقة سلبية على علاقات هذه الدول مع حلفائها التقليديين، بمعنى أنه يمكن البناء على مثال حدث بين مصر وروسيا مؤخراً، وهو متعلق بمقاتلة Su 35 التي كانت تريد مصر الحصول عليها كمكافئ للمقاتلة F 35، لكن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على مصر وهددت بفرض عقوبات في محاولة منها للحفاظ على توازن القوى في المنطقة بحسب قولها، وبالنتيجة تراجعت مصر عن الصفقة، وفي المقابل حصلت القاهرة على الرافال الفرنسية لكن كبديل متواضع وليس بالكفاءة نفسها.

وأضاف شارحاً أن “مصر قامت بهذا التوجه مع روسيا كي تحصل على البديل من الغرب، وفي اعتقادي أن مصر لم تكن جادة بشكل كبير في الحصول على الطائرة الروسية لأنها تعرف العقبات. وهذا النموذج اتبعته مصر من خلال الحديث عن المقاتلة الصينية J 10 والتي ربما تكون المكافئ للمقاتلة الأمريكية F 35″.

وتابع أنه “برغم الفروق الكبيرة بين المقاتلتين لكن في النهاية فإن المقاتلة الصينية مقاتلة شبحية تستطيع أن تقوم بدور القاذفات الثقيلة أيضاً، فيما تكافئ J 10 المقاتلة الروسية Su 22، وتريد مصر بشكل خاص تحديث سربها القتالي، وبالتالي ذهبت القاهرة إلى ما تحت عتبة إغضاب الولايات المتحدة لتعرف رد فعل واشنطن أولاً قبل أن تأخذ القرار”.

ويرى خبراء ومحللون سياسيون أن دول شمال أفريقيا بوساطة هذا التعاون العسكري مع الصين تحاول إرسال رسائل لحلفائها الغربيين التقليديين بأن لديها خيارات أخرى تستطيع أن تلجأ إليها، مستخدمة ذلك كورقة ضغط لتحقيق مصالح غالباً ما تكون على المستوى الثنائي مع هذه الدول.

 

 

ويرى الدكتور وائل عواد خبير في الشؤون الآسيوية أن الصين توسع من تعاونها مع دول شمال أفريقيا بخاصة مع تراجع الحضور الأمريكي والأوروبي في المنطقة، واضاف بأن الصين “تسعى حالياً لأن تكون البديل، ولذلك غيرت من نهجها العسكري أيضاً مع زيادة مستوى التعاون الاقتصادي من ناحية وأيضاً حماية لمصالحها الاستراتيجية في هذه الدول من خلال البحث عن مراكز وقواعد عسكرية جديدة لحماية استثماراتها ودعم اقتصادها ولحماية عمالها في هذه المناطق”.

ويقول عواد في اتصال هاتفي مع DW عربية أن انضمام دول أفريقية بخاصة مصر إلى مجموعة بريكس للتعاون الاقتصادي أعطى زخما إضافيا للاستثمارات الصينية، مشيرا الى ان منطقة البحر الابيض المتوسط الآن تعد أحد المواقع الهامة التي تشهد مؤخراً منافسة كبيرة بين الدول العظمى مع استمرار الولايات المتحدة ودول غربية في اتخاذ مواقف تتعارض مع القضايا العربية، وهو ما أثر بشدة على دور هذه الدول في المنطقة ما يدفع الدول العربية للبحث عن شراكات مع دول اخرى مثل روسيا والصين.

وأشار عواد إلى أن التنافس يجري حالياً على أشده بين الصين والهند و روسيا في مواجهة المحاولات الأوروبية والغربية لاستعادة الهيمنة على أفريقيا ومنطقة البحر المتوسط، وهي الهيمنة الآخذة في التراجع. ويشير خبراء ومحللون إلى أن الصين زادت من تعاونها الاقتصادي مع الدول العربية وأنه على مدى السنوات الماضية أصبحت الصين مورداً رئيسا لدول كالجزائر ومصر بحصيلة تجاوزت دول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

وبحسب خبراء فإن دول شمال أفريقيا لن تقع في فخ الديون الذي وقعت فيه دول أفريقية أخرى، كما أن التجربة الصينية وخبراتها السابقة مع هذا النوع من الإقراض يجعلها ترى في شمال أفريقيا منطقة حيوية للغاية لا يمكن أن تخاطر فيها، ليس فقط من منظور العلاقات الثنائية وإنما من منظور الصراع على النفوذ مع القوى العظمى.

وفي ضوء التحركات الصينية، ينظر البعض إلى التمدد الصيني (سياسياً وعسكرياً) في البحر المتوسط بصفته “بحيرة أوروبية” على أنه محاولة اختراق لمناطق نفوذ القوى الغربية. ويشير خبراء إلى أن هذا الاختراق “الهادئ” يأتي عن طريق مبادرات مثل  مبادرة الحزام والطريق التي تبناها الرئيس تشي جينبينغ منذ 2013، التي جعلت للصين ممرات حيوية في منطقة البحر المتوسط عبر الشرق الأوسط إلى أفريقيا في سياق المنافسة مع الغرب، كما أن الصين تريد أيضاً توسيع مجال بيع الأسلحة المتطورة لهذه الدول ضمن قروض طويلة الأمد.

وقال أحمد أبو دوح الخبير في شاثام هاوس إن الصين لا تحاول أن تظهر نفسها كبديل للولايات المتحدة أو كمواز لها في البحر المتوسط أو الشرق الأوسط، بل على العكس فهي ترى أن صراعات الشرق الأوسط تمثل فخاً للولايات المتحدة يجب استغلاله ويجب تعميق انخراط واشنطن في هذه الصراعات لتحويل الانتباه عن مناطق نفوذ بكين في آسيا وبحر الصين الجنوبي، على حد وصفه.

وبحسب الخبير فإن بكين تحاول أيضاً التمدد في هذه المنطقة من الناحية الأيديولوجية، “بمعنى أن بكين لديها رؤى مختلفة لحل الصراعات في المنطقة بالتدريج وهو ما شاهدناه من خلال الوساطة التي قامت بها بين السعودية وإيران، ومن خلال الوساطة بين الفصائل الفلسطينية، وهكذا سنرى المزيد من الأفكار الجديدة القائمة على مشاريع وأفكار صينية مثال مبادرات الأمن والتنمية والحضارة العالمية، بما في ذلك مبادئ تستطيع الصين الآن نشرها في الشرق الأوسط، لاسيما أن المنطقة تتقبل ذلك، وهو ما قد يؤثر على موازين القوى، لكن ليس من الناحية العسكرية”.

قد يعجبك ايضا