صعود اليمين المتطرف يهدد استثمارات وفرص العمل في ألمانيا

 

التآخي ـ وكالات

على وقع الانتخابات البرلمانية في ولايات ساكسونيا وتورنغن وبراندنبورغ، يخشى رجال الأعمال من تداعيات صعود اليمين المتطرف على عجلة الاقتصاد في الولايات الواقعة في شرق البلاد، بخاصة مع نقص العمالة الماهرة.

وبرغم أن الانتخابات (في الأول من أيلول 2024) جرت في ولايتين فقط من أصل 16 ولاية ألمانية، بتعداد خمسة ملايين ناخب فقط من أصل أكثر من 61 مليون ناخب في جميع أنحاء ألمانيا يحق لهم التصويت، إلا أن لهذه الانتخابات في ولايتي تورينغن وسكسونيا أهمية تتجاوز الإطار الإقليمي.

ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي المصنف متطرفا في بعض ولايات ألمانيا، حصل لأول مرة في انتخابات برلمانية على أكثر من ثلث الأصوات، وحقق ” تحالف سارا فاغنكنيشت ” اليساري الشعبوي الذي تأسس حديثا نتائج من رقمين.

وكانت استطلاعات الرأي قد توقعت تحقيق الحزب مكاسب خلال انتخابات ساكسونيا وتورنغن وبراندنبورغ وحصد ما قد يصل إلى 30% من أصوات الناخبين.

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، فقد حصد البديل ما بين 31 و33% من أصوات الناخبين، مقارنة بنحو 23% حصل عليها في الانتخابات السابقة عام 2019.

 

 

وحصل الحزب المسيحي على نحو 24% من الأصوات يليه تحالف السياسية سارا فاغنكنيشت الذي انشق عن تحالف اليسار، الذي اكتفى – بدوره- بنسبة 12% من الأصوات، في تراجع كبير عن الانتخابات السابقة التي حصد فيها 31% من أصوات الناخبين.

ويساور رجال الأعمال القلق من تنامي قوة معسكر اليمين متمثلاً في حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي؛ وتفتخر مدينة دريسدن، عاصمة ولاية ساكسونيا، بتراثها وإرثها التاريخي النفيس العائد لعصر الباروك، ومناظرها البديعة، وأعمالها الفنية الفريدة، لكن بعض المستثمرين يخشون على المدينة من تراجع كونها نقطة جذب للمال والأعمال.

وشهدت ولايتا ساكسونيا و تورنغن انتخابات لاختيار أعضاء برلمان الولايتين، فيما تجرى بعد ذلك بثلاثة أسابيع انتخابات برلمان ولاية براندنبورغ. وتقع الولايات الثلاث في شرق ألمانيا، فيما كان يُعرف سابقا بـ “ألمانيا الشرقية”.

ومع تنامي قوة معسكر اليمين متمثلاً في حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، يساور رجال الأعمال القلق حيال ما ستسفر عنه الانتخابات في الولايات الثلاث.

وأسفرت الانتخابات الأوروبية التي جرت في حزيران الماضي عن احتلال حزب “البديل” المركز الثاني في ألمانيا متقدماً على الأحزاب الثلاثة التي تشكل الائتلاف الحاكم.

وقد رفع الحزب راية العداء للمهاجرين والانعزالية والسعي للانسحاب من منطقة اليورو والدعوة إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي. ويعد الحزب في حملاته الانتخابية بعدة أمور منها تقديم وجبات غذائية مجانية في المدارس فضلاً عن تخفيض تكاليف الرعاية الصحية.

 

وفيما يتعلق بالمهاجرين، فإن خطة حزب “البديل” تقوم على الترحيل ولا غير ذلك، برغم الغموض حيال الفئة المستهدفة: اللاجئين فقط أم أي وافد جديد إلى البلاد.

وعلى وقع ذلك، يساور الكثير من سكان الولايات الثلاث، القلق حيال التحول صوب معسكر اليمين الذي قد تسفر عنه الانتخابات المقبلة فيما تزداد وتيرة القلق بين أوساط المستثمرين ورجال الأعمال.

وفي مقابلة مع قناة DW الالمانية، قال ماركوس شليمباخ، رئيس اتحاد النقابات العمالية في ساكسونيا (DGB): “تعاني الولاية من التطرف اليميني المتفاقم على مر السنين والعقود الماضية”.

ويضم الاتحاد الذي يرأسه ماركوس شليمباخ، في عضويته نحو 250 ألف شخص أو ما يقرب من 16٪ من القوى العاملة في الولاية. وانضم ماركوس شليمباخ إلى الاتحاد منذ بداية تسعينات القرن الماضي فيما تولى رئاسة الكيان منذ عام 2017.

ويُعرف عن ماركوس شليمباخ مواقفه الشديدة المناهضة للتطرف والعنصرية، ودعا الشركات إلى ضرورة القيام بنفس الشيء لحماية كافة أنشطتها التجارية. وشدد على تداعيات تصاعد قوى اليمين على حل أزمة العمالة الماهرة، مضيفا أنه خلال السنوات العشر المقبلة، سوف يتقاعد 300 ألف عامل في ساكسونيا ما يعني ضرورة العمل على سد الفجوة. وأشار إلى أنه الرقمنة قد تسهم في سد الفجوة، إلا أنه “فيما يتعلق بالوظائف الأخرى، فنحن نعتمد على العمالة الماهرة من الخارج”.

ومن داخل مكتبه الواقع في وسط مدينة درسدن، أشار ماركوس شليمباخ إلى أن ساكسونيا تقع على حدود بولندا وجمهورية التشيك ما يعني إمكانية استقدام عمال من الدولتين ومن دول أخرى.

ولا يتوقف الأمر عند نقص العمالة الماهرة، بل تعاني ولايات شرق ألمانيا من عدم تواجد عدد كافٍ من الشركات الكبيرة أو المتوسطة الحجم مقارنة بالولايات الغربية في البلاد.

ويعزو خبراء أسباب ذلك إلى بعض الأمور المرتبطة بالحقبة الشيوعية، لكن ماركوس شليمباخ يؤكد أن هذا الأمر لا ينفي حقيقة مفادها أن حجم العمالة في 90% من الشركات في ساكسونيا لا يتجاوز العشرات. ويفرض ذلك على هذه الشركات توسيع نطاق البحث والتطوير، لكن ذلك يعني أن ساكسونيا لم تعد نقطة ابتكار مما زاد من صعوبة تمكنها من جذب مستثمرين أثرياء.

وفي مقابلة، يقول، أولاف زاخرت، وهو مستثمر متخصص في إنقاذ الشركات المتعثرة، إن بعض المستثمرين الدوليين يرغبون في مغادرة ألمانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام: “رأس المال الأجنبي يشبه غزالة خجولة، دائمة الحركة للبحث عن فرص آمنة. لا يقدم رجال الأعمال على الاستثمار في مكان لا يحظون فيه بالترحاب ولا يقدم المستثمرون على ضخ استثمارات في مكان يعج بالمشكلات الكبيرة”.

 ويشير إلى أنه في حالة أن أصبح “البديل” أكثر قوة ونفوذاً في ألمانيا، فإن من شأن ذلك أن يؤثر سلباً على رغبة المستثمرون في ضخ استثمارات في البلاد.

ويقول الخبراء إن ساكسونيا تمتلك نقاط قوة تعزز من فرص جذب الاستثمارات؛ إذ أنها تزخر بعمالة مؤهلة لديها الخبرة الكافية بفضل استمرارها في العمل لعقود ما عزز من تراكم المعارف فيما يخص بالسوقين المحلي والدولي.

وقال أولاف زاخرت إن “ولايات شرق ألمانيا تتمتع بإمكانات هائلة على وجه التحديد لأنها تضم الكثير من العمالة الماهرة، لكن هذا لا يكفي خاصة في ظل نقص عدد العمال بشكل عام”. وأضاف “نحن قادرون على المنافسة فقط إذا رحبنا بالعمالة الماهرة الأجنبية”، مشدداً على أن بلدان شرق أوروبا تزخر بالعمال الراغبين في العمل مقابل أجر ليس بالكبير نسبياً.

ويأمل أولاف زاخرت في أن يفكر الناخبون في عواقب تنامي قوة حزب “البديل” قبل الإدلاء بأصواتهم. وبرغم إقراره بتضرر سمعة ساكسونيا كنقطة جذب للاستثمارات مؤخراً بسبب تنامي قوة معسكر اليمين، إلا أنه يحدوه تفاؤل حذر فيما يخص نتائج الانتخابات الحالية.

وفي ذلك، يقول “صنع في ساكسونيا علامة تدل على الجودة والاتقان والمعرفة المتخصصة والعمالة المدربة الماهرة المبدعة. يحدوني الأمل في أن تسفر الانتخابات المقبلة عن تشكيل أغلبية ديمقراطية تعزز الاستقرار ما يدفع عجلة الاقتصاد. ساكسونيا لا يمكن أن تعيش فقط من تاريخها وإرثها”.

 

 

وأشعل هجوم الطعن بالسكين في مدينة زولينغن الجدل في ألمانيا حول سياسة الهجرة واللجوء، وبات يتشكل شبه إجماع سياسي على تشديد القوانين وترحيل اللاجئين غير النظاميين، ويؤثر ذلك على الانتخابات المحلية في شرق ألمانيا، بحسب المراقبين، وهناك من يطالب حكومة المستشار شولتس بالتفاوض مع الرئيس الأسد وحركة طالبان لهذا الغرض، فهل تنحني الحكومة أمام الضغوط وتتفاوض بعدما رفضت ذلك حتى الآن؟

وبالعودة الى موضوع الانتخابات، ظهرت فرصة حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني في أن يصبح القوة الأكبر في انتخابات ولايتي سكسونيا وتورينغن كبيرة، و الفوز يعني كابوسا بالنسبة لكثير من المهاجرين، لكن ليس للجميع ، فما السر؟

خلال فحص تذاكر القطار، تطلب “الجابية” من جميع الركاب إظهار تذاكرهم. فقط من نور الزعبي طُلِبَ منها إظهار هويتها بجانب التذكرة. وإلا، هددت الجابية بأنها ستستدعي الشرطة على الفور. مواقف كهذه تتكرر في الآونة الأخيرة وأصبحت اعتيادية بالنسبة للسورية الأصل، التي تعمل كمستشارة في مجلس اللاجئين في تورينغن. وفي حديثها مع DW تقول: “هناك هذه العنصرية اليومية”، وتضيف “بعد ست سنوات في مدينة غيرا، تعودتُ على ذلك وأعرف كيف أتعامل مع هذا الموقف في الغالب”.

الانتقال ليس خيارا بالنسبة للزعبي، حتى لو فاز حزب البديل من أجل ألمانيا في انتخابات ولاية تورينغن، الحزب الذي صنفه مكتب حماية الدستور بأنه حالة اشتباه في  التطرف اليميني، تورينغن هي موطني، تشرح الأخصائية الاجتماعية التي حصلت في عام 2020 على جائزة الاندماج في مدينة غيرا، التي يبلغ عدد سكانها 95 ألف نسمة، لمشروع صحفي مع اللاجئين.

بعد الحادثة في القطار، شجعتها امرأتان مسنتان على البقاء، ربما لهذا السبب تشعر بالقوة للبقاء “عدد ناخبي حزب البديل من أجل ألمانيا قد زاد، لكن بنفس القدر زاد عدد الألمان الذين يناصرون ثقافة الترحيب”.

نور الزعبي تعرف كذلك أشخاصا يفكرون في مغادرة تورينغن إذا فاز حزب البديل من أجل ألمانيا في الانتخابات. “لكن ليس كل المهاجرين في تورينغن لديهم الفرصة لذلك. اللاجئون وطالبو اللجوء ملزمون بسبب قيود مكان الإقامة بالبقاء في تورينغن لمدة ثلاث سنوات”، كما تقول.

في هذه الأثناء، أصبح الخطاب تجاه المهاجرين أكثر حدة، ويظهر أن الهجوم بالسكين في زولينغن الذي أودى بحياة ثلاثة أشخاص يؤجج الوضع أكثر. بالنسبة للزعبي، يعني ذلك توخي الحذر، بعدما دعا رئيس حزب البديل من أجل ألمانيا في تورينغن بيورن هوكه في كانون الأول 2023 جمهوره في غيرا إلى ترديد شعارات نازية، أو عندما تُنظّم كل يوم اثنين مسيرة احتجاجية في المدينة الصغيرة ضد الهجرة.

“سنواجه المزيد من العنصرية في الأماكن العامة، وعلى مستوى أعلى. لن يتوقف الأمر عند الشتائم فقط، بل سيصل إلى العنف الجسدي. هذا ما أخافه، بخاصة عندما نسمع ما حدث مؤخرًا في ساوثبورت، بريطانيا”، تقول الزعبي.

وهناك خوف بين المهاجرين من فوز حزب البديل من أجل ألمانيا والزعبي ليست الوحيدة التي تشعر بالتشاؤم تجاه المستقبل، فعلى مسافة 150 كيلومترا إلى الشرق، يعبر إسماعيل دافول في دريسدن عن مخاوف مماثلة. وُلِدَ إسماعيل في تركيا وجاء إلى سكسونيا في عام 2006 للدراسة، ويعمل منذ نحو أحد عشر عاما في مجلس الأجانب في المدينة. يركز دافول على مساعدة الشباب من المهاجرين، لكنه يستمع كذلك إلى مخاوف الآباء خلال اللقاء معهم  “بعض الناس سألوني إلى أين تتجه الأمور هنا في سكسونيا؟ ماذا يعني ذلك إذا فاز حزب البديل من أجل ألمانيا؟ هل ستتغير ظروف حياتنا؟ الحالة واضحة: الناس يشعرون بالخوف”.

قد يعجبك ايضا