موال باجلان في قضاء الحي- واسط، و ” ليلة زفاف”

 

 

اعداد: عدنان رحمن

اصدار: 4- 9- 2024

 

                         عن مؤسسة ثائر العصامي للنشر والتوزيع- العراق- بغداد صدر كتاب ( شِعر وشُعراء مِنَ الحي- دراسة ومختارات في الدارمي والابوذية والقصيدة والموال- ج 4، الموال) بطبعته الاولى عام 2024 لـــ ( صالح مطروح السعيدي)، الذي طبع في مطبعة جعفر العصامي للطبع والتجليد الفني- العراق- بغداد. نورد جزءاً منه:

– ” الموال: هو لون قديم من ألوان الشعر، نشأ فصيحاً أو بجوار الفصيح ثم تدرج مع الأعوام نحو اللهجة الدارجة حتى استقر به المقام كأحد أنماط الشعر الشعبي، وهو يأخذ من من الفصيح ولا يتأثر بناؤه بذلك وهو من بحر البسيط ويتقبل اللحن والزحاف. انتشر في معظم أقطار الوطن العربي ولا سيما الشام ومصر والمغرب والجزائر والعراق. وفي العراق يُعد مادة أساسية لغناء المقامات. وللمقام العراقي قسم خاص يُسمّى ( المقامات الزهيرية) ([1]) وهي: ( الابراهيمي، جبوري، بوهرزي، محمودي، مگابل، ناري، مسچین، مَدمي، راشدي، مخالف، حجاز گار کورد، عريبون عرب، حليلاوي، حديدي، قطر، گلكي، شرقي رست، شرقي بيات، حكيمي، وباجلان). وأوّل مَن نطق بالموال هم زنوج واسط… المدينة العراقية التي بناها الحجاج بن يوسف الثقفي عام ۸۲هـ ، وأول بيت مُدوّن لأهل واسط هو:

منازل كنت فيها.. بعد بعدك درس

خراب لا للعزا تصلح.. ولا للعرس

فأين عينيك تنظر كيف فيها الفرس

تحكم.. وألسنة المداح فيها خرس. ([2])”

وورد في الكتاب عن الشعراء أدناه ما يلي:

– ”                             الشاعر خليل طاهر آل كركوش

الشاعر يناجي روحه ويحاول أن يقنعها بالرضوخ الى حكم الله القوي العزيز الحكيم:

يا روحي بطلي بعد حكم الله صار وسده

من اوله چان الغزل ما جاي لحمه وسده

بالغيم اشتل چنت حسبالي طگ وسده

ثاريها بس نگطت طاح اویه اول هوه

وصفيت مثل الذي من عالي زل وهوه

ما بعد گلبي افتره لا حن لغيره وهوه

ظل اعله هد صاحبه ميت بدیه اوسده

                                     الشاعر سعد جاسم الجادري

يُعاني الشاعر من نحس الحياة وقسوته وقلة الأصحاب، لذلك يتضرع للامام علي بن أبي طالب عليه السلام ويطلب حمايته:

يا صاح طير النحس بس اعله راسي حمه

ومن هد عذولي فلا واحد منهلي حمه

تحضر لي شدتي وينك يحامي الحمه

وتزيل همي الالف اصبح عليَّ ولك

من حيث ولفي قفل بيبان عطفه ولك

تنساني ما چنت اظن عاباك ربك ولك

یل گطعت الوصل يمكن سوگك حمه

ويكتب لعزّة النفس:

بالضيم يقضي العمر ونوب بترافه راح

وطيب الرجل ينذكر لو چان شخصه راح

وسمت الشهم لو يع للنذل ميمد راح

وللي يروم العله ابجده وذكائه وفنه

ويخسه العاذل يخي للمحب يوصل فنه

چم حوك چم جندله بيهم الباري فنه

ومن حيث هذا الدهر ايدور مثل الراح

وبإقتدار يُطوّع الأمثال الشعبية ويجعلها رهن مواله هذا الذي زينته الأمثال:

يا صاح ولفي علي سيف التجاني سنه

وظليت من فرگـته يومي عليَّ سنه

وتداركت حالتي لا ضاگ جفني سنه

وهموم گلبي اصبحت موش ابفرد بچـاك

شبصرك لون الدهر بحشاشتك بچـاك

اوصيك يا صاحبي خاوي الذي بچـاك

وابتعد عن الگرب ليك وضحك سنه

ويرصد واحدة من آليات النفاق الاجتماعي:

يا صاح بحشاشتي حلوگ النوايب كلن

ومن ثگل حمل الوكت چتوف العليَّ كلن

وميزان صبري إله چفتين ياما كلن

ودنياي مني الاعز واحد ليهه يرت

ودموع عيني عله خدودي اعله شانه يرت

من سگم هذا الوكت يا ناس كلش يرت

من حيث صار النعم هسه بوكتنه كلن

شاعرنا له قدرة على اقتناص وتوظيف الأمثال الشعبية، وهنا يستحضر النحل ويأتي به الى محكمة الغرام كي يشهد له:

يالمالك مثيل جسمي من صدودك نحل

ما شفته حل ليك واحنه للطلاسم نحل

اهل الهوى انچان تسمع للقضيه نحل

والعاذل وياك ضدي بكل صلافه شهد

ولاهو الدره شصار لاهو بالنواظر شهد

شان الذي يريد يجني من المناحل شهد

ما يشكي للناس وكت اللي يگرصه نحل

 

 

مع كل احتياطاته باغته العدو الواشي ووصل الى المكان الذي ظن الشاعر أنه عصي ومحصن ولا أحد يستطيع الوصول اليه:

يا من فلا انبك ودي وحناني وطب

ماذيني جرح الجفه لا وصفه فاده وطب

حالي منهد زلتك لا هو تشافه وطب

عاشرت كل الملل اسلام وكفرهه وصب

ياهو الاگصده غرز سهمه بدليلي وصب

ابسرداب ولفي احفظت وعليه ساتر وصب

تاليهه واشي بغفل ليه اعتناله وطب

الى خليله- الحبيب يكتب أجمل الأشعار:

يا زين يل ما شفت مثلك بحنينه ولف

بِسمَك يحگلي لَوَن اكتب قصايد ولف

هذا آنه بالهوى ابد ما اعرف اروغن والف

للصاحب اوگف سند وعن عشرته ما حيد

ما ذل وطخ للنذل لو چان ضيغم حيد

ظليت لمن جفت دنياي بيَّ وحيد

وحين الزهتلي اصبحوا صدگاني ميّة ولف

يا لقسوة قلب حبيبه الذي تغاضى ونسى وتناسى ليالي الأنس والطرب والتمتع بالحياة:

يا صاح گلبك صخر ما يوم رقلي ولن

جاسي شما انشدك ترد بلا ولم ولن

دگات عندك خطن غيري ولشخصي ولن

وظليت اونن لمن كل الدوارس وعن

يلبيك عگلي امتحن چم دوب ناصر وعن

بذات عيب اسألت فد يوم عني وعن

ذيـچ الليالي المضن وايام حبنه الولن

ويهجو، ويقسو بهجائه:

راح اليسلي الگلب ولجور دهري يمل

وحضيت بالعادته ويه الريح دايم يمل

يتمايل بعشرته ومن الصداگه يمل

استاد بالفانيه يالمني ردت الـ وصف

يخبط بماي الوفه شما اريد اركده وصف

احـچـايه ارد احاچـي الذي التز للعواذل وصف

يالنيتك فرگتي الباب يوسع يمل

                                الشاعر صالح مهدي چراغ

من مهجره البعيد يكتب لمدينته الحي:

يا صاح دمعي جره من مقلتي عالحاي

واشبه برمي الحجر يوم الوجب عالحاي

ايست من الجفوا ظل الامل علحاي

من حيث ذبني الدهر ما بين حلك الراح

من الزغر للكبر ما شفت طيب الراح

لا خبر منهم وصل لا طارش الراح

والبس بطول العمر ثوب الحزن عالحاي”.

  وعن نفس المؤسسة وطبع المطبعة نفسها صدر كتاب، الذي هو مجموعة قصصية بعنوان ( گـُـلستان) في العام 2024 بطبعته الأولى للروائي ( فراس آل عزيز)، ومنها القصة التاسعة، التي كانت بعنوان ( ليلة زفاف)، ومنها:

– ” (( عندما تنصهر روحان ببعضهما فتصبحان روحاً واحدة، لا يكون الجسد حينها الا وعاء لذلك الخليط، فاذا ما غادر جسد احداهما ، فني الآخر دون وجع)). كل شيء عادٍ من كل شيء، أحمر الشفاه من لونه والسماء من نجومها والحقائق التي كنت أظنها كذلك عارية عن الصحة، حتى الاحلام صارت ترسم بأقلام رصاص ليس لتبقى رمادية اللون فحسب، بل لتتعرى الورقة ذات ليل من احلامها. كان سؤالها اشبه بمخدر العمليات الكبرى، يذهب العقل ويشل الاركان ولا يبقى منا إلا خانة الذكريات تَمُرُ طيفا على جدار الجفون. شجرة الليمون وحدها تعرف ما خبأته تلك الظهيرة القائظة، صورة تجمعني مع أبي وهو يحملني على كتفه تحت تلك الشجرة، لم أتخيل يوما أن أنتمي لغيره كان يقول لي: انتِ الروح التي لا أعرف أيُّنا يسبق الآخر في وجوده بهذا العالم.

– متى يأتي أبي؟

اغلقت هاتفها بتنهيدة دون ان ترد عليها، وكأنها تبحث في زوايا الإجابات عن رد تقتنع بـه هـي اولاً قبل أن تصدّره السائله. دخلت غرفتها، فردت ثوب ذكرياتها على السرير، ثم جلست على كرسي أمام نفسها وبين يديها صورة لامها تتأملها، تتحسس ملامحها بنهايات اصابعها. صورة زفاف التقطت قبل ثلاثين عاماً تشبه الاساطير ثوب ابيض طويل يغطي كامل جسمها حتى رقبتها ووشاحٌ ابيض خالٍ من أي نقش تضعه على رأسها، فلا تترك من شعرها سوى خصلتين تداعبان جانبي جبينها. انهالت الدموع من عينيها لتداعب ملامح تلك الذكرى، تلألأت عينا الصورة وكأنما اغرورقت بدموعها، طفقت تبحث عن منديل لتمسح ذلك الدمع الذي لا تعلم أهو الذي سقط من عينيها أم أنه قد انبجس من الصورة. قطع ذاكرتها اتصال خطف لونها. ثم كتمت انفاسها حتى جحظت عيناها، كانت المسافة بين ارتعادها وهي تقرأ اسم المتصل وبين الهاتف أكبر من سنيّ عمرها، تاركة ثوب زفافها وفوقه صورة امها، قامت متوجهة نحو غرفة ابنتها وهي تحاول التقاط انفاسها وكأنها جاءت تركض منذ ذلك التاريخ، وقفت عند الباب لبرهة بعد ان زفرت ما شهقته من حزن ليخرج ناراً تحرق وجه الأيام التي كانت تعتقد جزافاً انها سوف تمنحها السعادة الابدية. تحدثت مع نفسها بصوت سمعته الجدران واثاث المنزل، حتى المرايا، راحت عيناها تتفحص زوايا المكان، فتحت الباب، وحين رأت ابنتها تتهيأ للقاء ابيها الذي لم يغب عنها سوى ساعات، أعيد مشهد ماضٍ سحيق امام عينيها، كأنه فيلم تلفزيوني تشاهده لأول مرة على شاشة كبيرة بحجم صالة الضيوف، كانت تتابع كل شيء حتى جلوسها أمام التلفاز وهي تضع كيس الذرة المتفجرة بين يديها، لكن هذه المرّة تتفرج الفيلم لوحدها. كان كل شيء بينهما شديد التميز بالكاد نجد هذا التوافق بين أثنين، نقصها به اكتمال واختلافه معها اتفاق، هكذا كنت اراهما. شعرت باللهفة ذاتها التي كنت اشعر بها حينما انتظر والدي، ازاحم امي لاحظى بحضنه. هل يمكن أن يكون الزوج هو الحبيب والاب؟. هل يلزمني ذلك ان اكون له كما كانت امي لابي؟. اللهفة التي قد تفقد بريقها بالتقادم الزمني فلا يبقى منها سوى الالفة، لم اجده فيهما، مثل بذرة تدفن ثم تموت دون أن يعلم بها أحد. وهذا ما كنت اسمع عنه كثيراً، لهفة البدايات وانبهار اللحظات الاولى، كم اتمنى ان تُعاد مرّة اخرى، مع ذلك الشخص الذي فتحت له باب قلبي بعد ان فقدت شغف الحياة. رنّ جرس الباب قبل ان تجيب ابنتها، خرجت متوجهة الى الباب متشبثة بيد الذكرى التي تقودها اليه، وقبل ان تتصل تسمرت بين طارق الباب و غرفتها، کانت تنظر الى الغرفة تارة والى الباب تارة اخرى، دون ان تتحرك. تذكرت ذلك اليوم، مرّت أحداثه كلها کشریط عُمر كامل أمام عيني، حـين استعدت وعيي بعد خبر استشهاده، عاد المشهد كله وانا اقف متجمدة خلف الباب ولا يزال الطارق يطرق”.

[1] – الحاج هاشم محمد رجب: المقام العراقي، منشورات مكتبة المثنى بغداد، ص ٨١.

[2] – شهاب الدين بن محمد بن اسماعيل: سفينة الملك ونفيسة الفلك، مطبعة الجامعة- مصر.

قد يعجبك ايضا