محمود صالح شيرواني
الأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية تحدث دائمًا في كل دول العالم، بشكل دوري، وحتى أعرق الدول وأقواها لا تستطيع أن تتجنب الوقوع فيها بشكل تام، ولكن هناك فارق كبير بين أن تخلق الدولة الأزمات وتديرها وبين أن تعالج الأزمات أو تقلل من آثارها السلبية، بكل ما تمتلك من سلطات وصلاحيات وقدرات.
في العراق، جميع الأنظمة السياسية التي حكمته، بلا استثناء ، منذ عام ١٩٢١ وحتى اليوم، كانت استراتيجيتها (عقليتها التي تدير بها الدولة) الواضحة والثابتة في الحكم هي:”خلق الأزمات وإدارتها”.
فلماذا فعلت/وما زالت هذه الأنظمة ذلك؟
ذلك لأسباب كثيرة، منها:
– هذه الأنظمة لم تستطع التحرر من عقلية الحكم العثماني التي رأت نفسها لعقود طويلة أعلى مكانة وقيمة من الشعوب التي وقعت تحت سيطرة العثمانيين أو من عامة الشعوب الإسلامية، وكذلك لم تتحرر من العقلية القبلية-العشائرية التي تدين بالولاء المطلق لرؤوس/شيوخ القبائل البدوية فقط، دون أن تعترضها أو تنتقدها حتى في أمور مصيرية قد تؤدي لهلاك الجميع أو إضعافهم بدرجة قاسية. هاتين العقليتين تُحتمان على الفاعل السياسي الذي يعيش في أبراج عاجية بعيدًا عن نبض الشارع وهمومه اليومية، أن يتعامل معه بطريقة لا تقربه من كل ما يتعلق بشؤون الحكم الأساسية، حتى لا تتعرض مكانته للتهديد والانهيار.
والطريقة المثلى لذلك، إشغال الشارع أو أبناء المجتمع بهموم الحياة اليومية التي يركضون ويجهدون لإيجاد الحلول والمعالجات لها، ولكن هيهات!.
– هذه الأنظمة-جميعها- وبنسب مختلفة، أنظمة استبدادية جاءت للحكم بعيداً عن إرادات الشارع العراقي واختياراته، ولذلك سعت دائماً لأن تخلق الأزمات للشارع و ادارتها، لكي تُشتت وتضعف جهوده ووقته وإمكانياته، وبالتأكيد أحلامه، فيبتعد عن هموم السياسة وحيوات الساسة.
– ولاءات هذه الأنظمة للقوى الخارجية التي تدعمها وليست للوطن الأم، ولذلك تستجيب بسرعة لأهداف القوى الإقليمية والدولية التي قد تتناقض مع المصالح الوطنية. فالعهد الملكي كان ولاؤه للتاج البريطاني، والأنظمة القومية-البعثية كان ولاؤها للاتحاد السوفياتي، والنظام الذي يحكم العراق اليوم يُتهم بأن ولاؤه لأمريكا أولًا وقوى إقليمية ثانيًا. ومن المعروف أن هذه القوى تعيش وتكبر وتنمو بخلق الأزمات في الدول والمجتمعات.. وهذا أمر طبيعي في الصراعات السياسية.
– هذه الأنظمة لم/لا تستطيع أن تُدخل المجتمع العراقي إلى صفوف المجتمعات المتقدمة اقتصاديًا، وعلميًا، وصناعيًا، وتكنولوجيًا، وتنهض به، أي لم تستطع انتشاله من حالة الضعف والتخلف التي يعاني منها على جميع المستويات والصعد الحياتية، ولذلك تلهيه بأزمات مرتبطة بالحياة المعيشية العادية وبمتطلبات الأمن والاستقرار.
وباختصار شديد، هذه الأنظمة لم تصلح لحكم العراق، فأوقعته في أزمات تخلق أزمات وتُكبر أزمات، حتى صارت الأزمات حالة طبيعية جدًا يتعايش معها الشعب العراقي.