طارق الخزاعي
قبل البدء بتوجيه النقد والشتم لصناع الفلم من مجموعة قادتها العاطفة الرخيصة والساذجة تارة باسم الإسلام واخرى حبا للمملكة السعودية التي عنيت بالقصة التي حققت مبيعات خيالية ثم تحولت لفلم مبهر هدفه استغلال الإنسان للأنسان في كل مكان فقد حدثت أكثر من قصة قاسية للهنود والباكستانيين والبنغال والمصرين والعراقيين في دول عربية وأجنبيه عديدة وليومنا هذا .
الفلم بخلاصة , يحكي قصة شاب هندي مسلم اسمه – نجيب محمد – يعيش سعيدا مع أمه وزوجته بقرية هندية ذات طبيعة خلابة بجمع الرمال من النهر ,يقرر السفر لتحسين حالته الاجتماعية والاقتصادية فيلجأ الى شخص هندي يدعى – سريكونار – يساعده بشراء تأشيرة سفر بعمل مع شركة محترمه تعمل هناك ويقرر السفر مع شاب يدعى حكيم ترك أمه ويسافران معا ويصلان الى السعودية يقودهم حلم جميل ,لكنهم يتفاجئون بعدم وجود الكفيل الذي يستقبلهم فيقضيان اليوم بانتظاره وفي المساء يأتي أحد القفاصين الكذبة ليصطادهم موهما أياهم بأنه الكفيل وينقادون له بحكم التعب والانتظار فيركبوا معه بسيارته الصحراوية القديمة في الحوض الخلفي كالخرفان ومنها هنا تبدأ رحلة العذاب التي لم يتعودوا عليها في قريتهم مع رجل مسلم لايخاف الله يتعامل معهما بقسوة فيحتفظ بنجيب ويترك حكيم لكفيل كاذب اخر .
نرحل مع نجيب محمد الذي يعاني من الجوع والعطش متوسلا بالكفيل السعودي – جمال – أن يتركه ليبحث عن الكفيل الذي وعدوه بأنه يعمل بشركة محترمه وليس رعي الماعز فيلجأ لتوبيخه واضطهاده وتجویعه بحيث ينام في زريبة الأغنام ولايسمح له بالاستحمام أو شرب الحليب من الماعز التي تعيش معه ويجبره بقسوة على شرب الماء من الحوض المخصص للأغنام ويلتقي مع رجل هندي عجوز يرعى معه ويخبره لأخلاص لك مثلي , وبطريقة – الفلاش باك – الرائعة يمنحنا المخرج بشكل ذكي ومتميز لقطات رومانسية بين نجيب وزوجته – ساينو – مشهدا رومانسيا غاية في الدقة والروعة في الأداء والتصوير في نهر القرية قل نظيره في الأفلام الأمريكية والعالمية لكسر مشاهد القسوة وهو يحلم بأيامه السعيدة في قريته الهندية .
يوقظه الكفيل برفسة قوية حاقدة بقدمه ليوقظه من حلمه الرومانسي الجميل ليرعى الأغنام والماعز في الصحراء القاحلة. تمضي الأيام والشهور والسنين وهو يزداد بؤسا وقذارة في الجسد والراس وتنتابه صدمة رهيبة وهو يشاهد منظره في مرآة السيارة بشعر كث وعيون حمراء ووجه مخيف ويكسر الكفيل المرآة الجانبية كي لايبصر نفسه ثانية ويشاهد شظايا المرآة التي تعكس روحه الممزقة ويحاول حلاقة ذقنه بأحد الشظايا الحادة فيفشل , ويقرر الهرب في الصحراء فيلحق به الكفيل وهو يركب جملا سريع الخطى ويصيبه بساقه بطلقة من بندقيته ويعود به الى المزرعة الموحشة ورغم صبره وأيمانه بالله فأنه يتوجه مع الأغنام والجمال التي تحصل بينه وبينهم مودة ورحمة منحنا المخرج لحظات قدسية جميلة وغاية في الدقة بالتصوير ونحن نتابع لقطات يتسلق بها نجيب الكثب الرملية العالية مناجيا بصمت الله في السماء وكانه يجسد شخصية يسوع للخلاص من هذا العذاب الرهيب محاولا الانتحار فيجد الراعي الهندي في واد صحراوي والنسور تنهش جسده فينزل مسرعا محاولا أبعادهم عنه فتهاجمه النسور بمشهد جسد بحرفية سينمائیة نادرة جدا وهي تجسيد لوفاء نجيب وشجاعته التي أجهضها الكفيل القاسي يلتقي بالصدفة مع الشاب حكيم فيجده بائسا ومتعبا وفاقد الإحساس بالحياة ورغم ذلك يشعر بأن أملا جديدا ظهر له في الصحراء فيقرران الهرب بمساعدة صديق أفريقي من الصومال يدعى – أبراهيم – عند زفاف أبنة الكفيل وأبتعاده عنهم و يودع نجيب أغنامه وماعزة وجماله بمشهد أنساني رائع جدا ومؤثر مستغلا قدرة المصور لتجسيد صورة نجيب بعيون أحد الجمال تعبيرا عن الحب والرفقة الحسنة بلقطة ذكية, وهنا تبدأ رحلة العذاب الرهيبة بصحراء قاسية وبعيدة حيث تلفحهم الشمس وتشوي جلودهم وتشاركها الصحراء بحرق أقدامهم ومنحنا المخرج ومدير التصوير لقطات جميلة ورائعة للصحراء رغم قسوة الحدث ناهيك عن هجوم الأفاعي الصحراوية لهم في الطريق وتهب عليهم عاصفة تخطف الشاب – حكيم – بفعل أنهاك جسده وعطشه فتغطيه عاصفة رملية قوية ويلحق به أبراهيم الذي فقد حياته بالصحراء لينقذ صديقه نجيب ويلجئون للصلاة الى الله عله ينجيهم بمشهد مؤثر جدا على عدم فقد ايمانهم بالله ؟! يستمر نجيب بمواصلة الكفاح بمساعدة أحد الأغنياء ويحمله بسيارته ( الرولزرايس ) الى فندق للهنود الذي يعالجوه ويساعدوه للحصول على أوراق جديد بعد فقدان جوازه ويمنحوه فرصة الاتصال بزوجته رغم صعوبة التكلم ثم يسلموه لدائرة الأمن لعدم وجود وثائق قانونية ويطارده الكفيل القاسي وعند مشاهدته له ينهار خوفا من اصطحابه لكنه لايفلح بأصطحابه لعدم وجود أوراق تبوتية وقانونية لأصطحابه .وتساعده دائرة الأمن للسفر الى الهند والعودة لقريته وزوجته وهي ظاهرة حسنة . الفلم من قصة حقيقية حدثت لنجيب محمد ورفاقه في منطقة حفر الباطن الصحراوية القاسية وهي ضد قانون الكفيل الذي ساهم في عمل العديد من المآسي والظلم والقسوة في حياة العاملين في السعودية ومنهم عرب ولابد أن يلغى مثلما ألغيت جمعيات – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – السيئة الصيت والسمعة .
حاول الفلم رغم روعته بالتخلص من أيقاع الأفلام الهندية الرتيبة والأغاني الصارخة التي أستعان بها في تواشيح صوفية مذهلة لكنه وقع قي أطالة بعض المشاهد في الصحراء كذلك أغفل الجانب المهم في الرعي فلا هناك عشب ولا واحة ولاشجر للنخيل ولا مرور لقافلة تجارية او نبع ماء وكان بالإمكان الاستعانة بجملين عند الهروب على سبيل المثال إضافة الى التكرار الممل لإصابات الهاربون بلقطات قريبة لجلب مشاعر المتفرج لهم بالتضامن و رغم وجود حالات أنسانية للتضحية مثل مشهد أعطاء الصومالي أبراهيم حذائه لنجيب ومغامرته بجلب الماء من رعاة أخرين وتعرضه للقتل.
الفلم يؤكد حالات وقعت لعرب ومنهم عراقيين للأبتزاز في بلدان عربية أيام الحصار في تسعينات القرن الحالي وأبتزاز لعمال من بنغلاديش والباكستان والهند وغيرها حاليا في العراق ودول الخليج يفوق البعض منعا هذا الفلم فلا عجب . كان المخرج وكاتب السيناريو – بليسي – رائعا ومتمكنا بقدراته الفكرية والبصرية وأختيار الممثلين وأماكن التصوير في الأردن والجزائر وفاق الكثير من مخرجي الهند والعرب وهوليوود في تصوير المناظر الخارجية للصحراء بالذات وتعابير وأداء الممثلين جميعا وأبدع الممثل الهندي – بريتفراج سوكومارن – في تجسيد شخصية نجيب جدا بأداء متنوع غاية في الكمال الفني المتنوع في الوجه والجسد وكذلك – كي أر جوكول – بدور حكيم وبتعابيرجسده ووجهه وخاصة في الصحراء ونهايته وكذلك الممثل الصومالي – جيمي جان لويس- والممثلة –أملابول – بدور الزوجة – سانيو – في مشاهد الفرح والرومانسية والحزن والممثلة الهندية – شوبهاموهان – بدور الأم وأبدع الفنان العماني الصديق الطيب –طالب محمد البلوشي – بأداء دور الكفيل وتمنيت أن يظهره المخرج أكثر قسوة وعنفا وجسد الشخصية بقدرة فنية عالية الأداء وتمنيت أن يظهر المخرج لقطات قريبة – كلوز – لوجهه عند الغضب – لأبراز جوانب النذالة والحقد فيه سواء في الصحراء او عند مركز الشرطة وكذلك الممثل عاكف نجم بدور الرجل الثري ووريك أبي بدور- جاسر نصار- وغيرهم . وشدنا الموسيقار رحمن بتأليف الموسيقى التصويرية الرائعة جدا في كل مشاهد الفلم التي كتبت ونفذت لأجله.
الفلم صرخة ضد الظلم في العالم واستعباد الأنسان للأنسان بقسوة غاية في النذالة ونحن بعصر التنكنولوجيا التي ساهمت بألغاء العنصرية والاضطهاد وسن قوانين اللجوء لبلدان اضطهدت من قبل بلدان تحضرت باحترام العلم والإنسان والفنان ومايزال الأنسان ولايخفى على القراء الأفاضل فضل الهند على السعودية وكلاهما معا بالتعاون من خلال تواجد الأطباء والمهندسين والعمال المهرة والتجار وأحتضانها لهم والفلم أنتقى حالة نادرة من فرد وليس حكومة فلا يدع أحدكم لفوران عاطفته برخص طفولي ضد هذا الفلم النادر فنيا وفكريا بشجاعة قل نظيره وحمله عنصرية دينية وربطها بمواقف مضى عليها الزمن بالتأكل والنسيان .
فالفنان أقوى من قوانين العالم وأشدها صرامة وقسوة بحكم عشقه لفنه الأنساني متسلحا بالشجاعة ضد كل تعسف عقائدي شخصي أو ديني قاس وتحية لمخرجه ومدير تصويره ولكل العاملين فيه.
السويد