صبحي مندلاوي
للوهلة الأولى تبدوا زيارة لندن فرصة لاتعوض لمدينة تضج بالعراقة والقوة، حيث الحضارة التي تمتزج بالتكنولوجيا، والتأريخ الذي ينساب في شوارعها ومبانيها. فهي عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وواحدة من أبرز مراكز المال والثقافة في العالم. هنا، حيث تختلط الفخامة بالحداثة، يتباهى الناس بمؤسساتها العريقة وجامعاتها التي خرّجت قادة وعلماء أثروا العالم..
لا تضع ساعة ثمينة على يديك ،و إخلع خاتمك من بين أصابعك، و إياك ان تحمل حقيبة ، وعندما تخرج الموبايل إمسكه جيدا بين يديك التحذيرات بدأت بمجرد الوصول إلى هناك لكثرة السراق المحترفين .. يا للعجب .. وسط هذا البريق في لندن تكمن حقائق صادمة تتعلق بالأمن والاستقرار لا تبرزها وسائل الإعلام غالبًا في هذه المدينة، التي تعد إحدى أكثر المدن تطورًا في العالم، تواجه تحديات يومية تتعلق بالجريمة، والغريب ان السلطات تعتبر مثل هذه الجرائم صغيرة وتعجز عن ملاحقة السارقين وإعادة الحقوق لأصحابها. حوادث السرقة في وضح النهار باتت أمرًا مألوفًا، والسكان يعيشون بين خوف من المجهول وحنين لماضٍ كان أكثر أمنًا.
من قصر باكنغهام، ، إلى برج لندن الشهير تحتفظ المدينة بماضيها الملكي والعريق. الكنائس والمعابد تزين المدينة بمعمارها الرائع. كما تشتهر لندن بحدائقها الخلابة فيما يمر نهر التايمز وسط المدينة مما يضفي عليها سحرًا إضافيًا. كل هذا الجمال تقف خلفه صور أخرى لحياة صعبة و مكلفة و رتيبة يعيشها كل من يقطن فيها وخاصة اللاجئين الشباب الذين يواجهون مخاطر جمة خلال رحلتهم نحو “الحلم الأوروبي”. يخاطرون بحياتهم عبر طرق تهريب غير آمنة، يواجهون الجوع، والعطش، والبرد، وحتى الاستغلال من قبل المهربين. وعندما يصلون إلى أوروبا، غالبًا ما يصطدمون بواقع مرير. العمل الذي يحصلون عليه ليس سوى وظيفة متواضعة في مطعم أو في تنظيف الصحون، أو أعمال شاقة لا تتناسب مع طموحاتهم أو مؤهلاتهم.
وعلى بعد آلاف الأميال من مدينة الضباب ، تقع كوردستان و عاصمتها أربيل هذه المنطقة، التي عانت لعقود من الزمن من الحروب والصراعات، تقف اليوم على أعتاب مستقبل مشرق. فرغم كل التحديات، تشهد تطورًا ملحوظًا. الأبنية الشاهقة ترتفع، والبنية التحتية تتطور بخطى ثابتة، والاستثمارات تتدفق، لتصبح هولير مركزًا لجذب رؤوس الأموال والسياح من مختلف أنحاء العالم.
والأهم من ذلك، أنها تتمتع بمستوى من الأمن والاستقرار يحسدها عليه الكثيرون. الناس هنا يعيشون بسلام، مطمئنين على حياتهم وأعمالهم، في مجتمع ينبض بالحياة والأمل. هذا الاستقرار لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة جهود جبارة بذلتها القيادة والشعب، الذين اختاروا البناء على الأساس المتين من التضحيات.
للأسف، نجد الكثير من الشباب اليوم ينساقون خلف الإعلام الذي يضخم الصورة البراقة للمدن الغربية، ويصورها كجنات على الأرض. هؤلاء الشباب، يغادرون أرضهم بحثًا عن حياة أفضل في أوروبا، معتقدين أنهم سيجدون هناك الفرص التي طالما حلموا بها. ولكن الحقيقة غالبًا ما تكون صادمة.
الحياة في المدن الأوروبية الكبرى تكون مملة وقاسية في الوقت نفسه. هناك، حيث العلاقات الاجتماعية تكاد تكون معدومة، يجدون أنفسهم في عزلة، بعيدين عن العائلة والأصدقاء، في بيئة لا تشعرهم بالانتماء. يتحول الحلم إلى عبء، والحنين إلى الوطن يصبح شعورًا يوميًا يصعب تجاهله.
لاتخلو حياتنا هنا في كوردستان من المصاعب ومن واقع يعمل السيئون على وضع العصا في عجلة تطوره ولكننا نعيش في أمن و أمان لاتجده في بقاع كثيرة من العالم ومنها لندن والتي لها قوتها وتأريخها، كما نعيش وسط أناس محبين للخير والعيش معا وفي بيوت عامرة تتسع قلوبها للآخرين وتشهد مدننا نهضة تستحق الفخر، هنا، في كوردستان توجد فرصة لبناء مستقبل مشرق على أرض تتمتع بالأمن والاستقرار. لا تدعوا الأوهام تقودكم نحو المجهول. بدلًا من ذلك، دعونا نبني معًا كوردستان قوية تزدهر بجهود شبابها، الذين هم أمل الغد وقادة المستقبل.