الفنان ماجد شاليار يرقص رقصة جريان نهر الوَّنْد

سالم اسماعيل نوركه

أسائل نفسي بحيرة لماذا الحنين والحب لمدينة خانقين بهذا القدر وينقذني ابو تمام منها بقوله : كم من منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول المنزل هو الحب الأنقى و الأبقى ومثل الفن غير قابل للتفسير والفنان المتألق الذي سنأتي على ذكره فنان بحق حيث أخَذَ من مشكلات مجتمعه محوراً في كل نشاط يقوم به من افراحه وأحزانه معبراً بصدق بالفن التشكيلي والرسم ونشاطات شتى يقوم بها عشقاً في حب مدينته والنهر الذي لا يبعد عن داره اكثر من 15 متراً يعشقه بجنون وتعيشُ طبيعة المدينة الجميلة في ذاكرته وفنه ويعيشُ فيها وروحه يشعر بالنهر حين يكون أسيراً في مسيره نتيجة التغير المناخي و أحياناً بسبب السياسات فإن هجر مجراه الماء فبها لا بقلة المطر وماءه العذب الذي كان بالأمس يتدفق في شرايين المدينة مثل الدم في شرايين الانسان إن توقف ( ينجلط )منذ القدم عريق نهرها مثل عراقتها وعراقة ورزانة فنه حيثُ جعله في خدمة مجتمعه ومدينته الكردستانية والارتقاء بها الى الاجمل والافضل انه أبنها البار ماجد سعيد صفر شكر شاليار من مواليدها 1965 والذي أختصر أسمه ليُعْرَف فنياً ب (ماجد شاليار ) يعني الوزير أو نديم الملك فهو يستحق هذا الاسم الفني الجميل فقط صقلته الصعاب والمحن ومآسي مدينته من حرب ثمان سنوات التي جاءت عليها الويلات والدمار والتشتت وسبقته تشتت التهجير والترحيل بدءاً من السبعينات واستمر لاحقاً وامنياته أن لا تعود عليها تلك المآسي ويستحق الاسم للنشاط الكبير الذي يقوم به فهو عضو نقابة الفنانين التشكيلين العراقيين وعضو نقابة فناني كوردستان استاذ في معهد الفنون الجميلة في خانقين ويعشق الموسيقى ويعزف على آلة هورمونيكا ويدير المركز الثقافي والمتحف الأثنوغرافي في خانقين وينسب ذلك العمل للمرحوم الاستاذ محسن علي الاكبر الفنان التشكيلي قبل أن يكون سياسياً وهو اليوم حريص على تكملة مشواره الجميل رحمه الله وخصوصاً انه كان ملاصق لأفكاره وطموحه ويعمل بذات الهمة والإتجاه لخدمة المدينة التي تعتبر من الاقضية العريقة تأريخياً والمثقفة بسكانها والتي كانت تضم محطة قطار عريقة فيها ودور سينما النصر من ايام الملكية والخضراء الصيفي والشتوي ومعامل الثلج وخريجيها من الذكور والاناث تغطيها واطرافها وخارج المدينة ايضاً وشعبها يتقبل الآخر بكل تنوعه القومي والديني والمذهبي.

بدايات ماجد شاليار مع الفن بدأت منذ الصغر وهو من عائلة فنية والداعم الأكبر له كانت والدته ما أن أحسَّت به وفرَّت له بإمكانياتها المحدودة مستلزمات الرسم ثُمَّ درج الأمر والطموح في مراحل المتوسطة والاعدادية وجاء دور الاستاذ صباح محي الدين الذي اولاه التشجيع وشجعه الدخول في كلية الفنون الجميلة في بغداد وهو احد خريجيها سنة 1991 ويذكر ماجد شاليار في المرحلة الثانية منها ولربما الثالثة يأخذ استاذه وليد شيت أحد أعماله لفائف حسن الذي أعجب بذلك وتوقع له خيراً (وهو فنان تشكيلي من العراق، ولد في محلة البقجة/باب المعظم/بغداد عام 1914. وتخرج من البوزار عام 1938. وأسس فرع الرسم في معهد الفنون الجميلة عام 1939مع الفنان جواد سليم ).
وهكذا نضج الموهبة وصقل علمياً بدأت نجاحات ماجد شاليار وتعددت معارضه الشخصية ومن اهمها في بغداد أقام معرضين وعمان معرض واحد وكذلك في تونس وامريكا اضافة الى المشاركة في العديد من المعارض الجماعية وله أسلوب خاص في الفن لا يتقيد بقيود وحرّ يمارس عمله وكأنه يمتلك حرية الطفل ومباشر من غير تخطيط مسبق ولكن يبدأ كل شيء من الثقة بالنفس والمؤهلات ويبدوا أن كل شيء مدروس سلفاً إلا انه العفوية والارتجال والحرية واطلاق العنان للموهبة المصقولة بالدراسة المستمرة ويبدوا إنَّ أسلوبه قريب من الانطباعية أو التأثرية (‏ هي مدرسة فنية أوجدت في القرن التاسع عشر. اسم الحركة مستمد من عنوان لوحة للرسام الفرنسي كلود مونيه، التي قام بإنجازها عام 1872 م، ولما كان من أول من استعمل هذا الأسلوب الجديد من التصوير، فقد اشتق اسم المدرسة الجديدة من اسم لوحته: الانطباعية ) ورويداً رويداً، بدأ ماجد يشقُ طريق الابداع وهو مع النوع وليس الكم ومع الاستجابة للتحديات والنهوض من خلالها وليس النكوص ومع الفنان الذي يخلق الفرصة من انصاف الفرص لا ذلك الذي ينتظر الفرصة .

يقول فيليب ديك،فاليس: (الجنون في بعض الأحيان هو الاستجابة المناسبة للواقع فقام ماجد بعمل في وقته رأيته توثيق لتأريخ مرحلة من تأريخ المدينة الواقع ذهب بمجموعة من أبناءها نحو الجنون ولربما كان للوراثة بعض الدور فجمع مجموعة من مجانين ذلك العصر بلوحة وهو معهم بجنون فنه والتي جعله يبتعد عن الظهور لمدة ثلاثة شهور في أسواق المدينة بسبب إن البعض اقام عليه الدعاوي بالمحاكم واللوحة أصبحت أشهر من نار على علم وانتشر في كل حدب صوب وصلت الى خارج العراق في ذلك الوقت وتلقفتها الايادي وأستمر ماجد شاليار في مدينة خانقين بإمكانيات محدودة بناء جسر من الامل على نهر اليأس بمعاونة أهلها الطيبين الذين كل حسب امكانياته ساهم بطريقة ما في خدمة المتحف الذي بوشر به سنة 2011 وافتتح سنة 2022.

ويوم عاد النهر بالجريان بعد انقطاع وجفاف الارض لفترة ليست قصيرة كالطفل كان يرقص فرحاً ويسير أمامه وسيعيد الحياة ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) وكان يسير امام النهر بزهو يتمنى لو أحد ما صوره في تلك
اللحظات فقمت أنا بتصوير تلك اللحظات على لسانه وقلت :
لم يراني أحد
ارقص رقصة جريانك
لحظة أتيت لربما إلا أنت
كان مشهداً رائعاً
لم يصورني أحد
اتعلم من أنت يا حبيبي
أنت كل الخواطر والاشعار
أنتَ الفرح والاشجار
والبلابل والازهار
والاسرار
من فرحي أستنبط حبي
لا بالكلمات فالعشقُ لا يحتاج
عبارات فالحبُ أنت ترسم له
بجريان مائكَ في كل المسارات
انت الحياة واجمل الخيارات
على أطرافك قامت الحضارات
إن جئت فلا أغمض عيني
أحب أن اراكَ في كل لحظة
الف لحظة .
كل يوم أدعوا ألا أفقدك
ولو لحظة
رأيت كيف رقصتُ فرحاً
يوم أتيت
لم تراني !
أقسم أنّي رقصتُ فرحاً
وكأنّكَ أمي
في أحضانها ارتميت .

قد يعجبك ايضا