رباب طلال
لطالما كنت دائمًا السند والملجأ لأولئك الذين لفظتهم الحياة، كأنني وُجدت لأجمع ما تبقى من شتاتهم، ألملم جراحهم وأغطي على ندوبهم بيدي، كنت الحنان الذي يسري في أرواحهم المتعبة، أفتح أبواب قلبي على مصراعيه وأحتويهم جميعًا، لكن ماذا عني أنا؟ ماذا عن تلك الروح التي أرهقتها الأيادي الممتدة التي لا تُعيد شيئًا؟ أتساءل، لماذا أقدّم كل هذا الحب لمن لا يُقدّر؟ لماذا أسمح لنفسي بأن أكون الخيار الثاني، الملاذ الأخير، الحصن الذي يلجأ إليه الآخرون بعد أن يتذوقوا مرارة الخيبة؟ أحيانًا أشعر أنني مجرد ملجأ، ملجأ لمن رفضتهم الحياة، ملجأ لمن لا يحبهم أحد، ملجأ لمن لم يحتملهم أحد، أجمعهم عندي وأستمع إلى قصصهم دون أن أجد من يستمع لي، وأندب حظي على هذه الازدواجية المتعبة، هذا التناقض الذي يجعلني في النهاية وحيدة، مرهقة، ومتعبة من التفكير، من أفكاري المبعثرة، ورغباتي الخاطئة، وأحاديثي المملة، وحاجتي إليك،
لكن، إلى من ألجأ أنا؟ أنا، التي طالما كنت الملجأ للجميع، ألا يحق لي أن أبحث عن شخص ألوذ إليه أيضاً؟ ألا يحق لي أن أجد كتفًا أتكئ عليه، يدًا تربت على كتفي بحنان، صوتًا يطمئنني في لحظات الخوف والشك؟ أريد أن أشعر أنني لا أحمل كل هذا العبء وحدي، أنني لست بحاجة لأن أكون دائمًا القوية، الصامدة، التي تحتمل كل شيء دون أن تتكسر، تعبت من كوني أنا، لم أعد أرغب بأن أكون أنا بعد الآن، لم أعد أرغب بأن يلجأ إلي الآخرون بعد الآن، لم أعد أرغب بوجود أشخاص عديمي القيمة في حياتي، أرغب بأشخاص يغيرونني، للأفضل، أشخاص أعرف جيدًا أنهم لا يحتاجونني، لكنهم يبقون معي لأجلي ، لأنني انا.
كان كل شيء يدور حول رغبتك، لم تكن تفهمني يومًا كما كنت تزعم، كنت تردد دائمًا أنك تفهمني، أنك الوحيد الذي يفهمني في هذا العالم، لكن الحقيقة أنك لم تفهمني أبدًا، كنت أوهمك بذلك لكي تواصل الحديث معي، لكي أستمر في سماع صوتك، كنت أنظر إلى عينيك الناعسة وأنت تتحدث عن نفسك، عن نجاحاتك، عن النساء اللواتي يرغبن بك، كنت أجاملك فقط لأستمر في الاستماع إليك، بينما كنت تعتبرني مجرد رقم يضاف إلى عدد الفتيات المعجبات بك، لم أكن أعني لك شيئًا، لم أكن مميزة كما كنت أنت مميزًا عندي، لم تكن تنظر إلى عينيّ كما كنت أنظر إلى عينيك، لم تكن تستمع إلى صوتي كما كنت أغرق في صوتك، لم تكن تنظر إلي بانبهار وإعجاب كما كنت أفعل أنا، الأسوأ من ذلك، لم تكن ترغب بي حقًا، كنت تخبرني بأنني فتاة غير مرغوبة، وأنني سأقضي ما تبقى من حياتي وحيدة، لأنني سليطة اللسان ووقحة، وأنه لن يحبني أحد حتى أنت، لأنك ترغب بفتاة فائقة الجمال وحادة الذكاء والإدراك، أما أنا، فأنا عادية، لا شيء مميز حولي، مكررة الملامح، ومحدودة الذكاء.
لأنني غبية ،لم أكن أفهم تلميحاتك السرية، كنت ترغب في امتلاكي بلا ثمن، كنت تريدني أن أقدم نفسي لك بلا تحفظ، بلا شروط، لم تكن تراني ذات قيمة، كنت أنانيًا بدرجة لا توصف، ترغب في الجميع بلا ثمن ولا جهد، ترى نفسك تستحق كل شيء، ماذا عني أنا؟ لقد خسرت كرامتي وأنا ألمّح لك عن مشاعري، خسرت نفسي وأنا أفكر بك طوال الوقت، خسرت راحة بالي وطمأنينتي، خسرت الراحة والنوم الهانئ، حتى في الأحلام لم أستطع الهرب منك، كنت دائمًا تخترق أحلامي وتفرض نفسك علي حتى وأنا غير واعية، أتساءل لماذا أحبك؟
ربما لأنه لم يكن هناك غيرك، أو ربما لأنني كنت أبحث عن شيء لا وجود له فيك، ولكن اليوم، وأنا أنظر إلى نفسي وأرى الخسائر التي تكبدتها، أدرك أن الحب الذي لا يُقدّر هو حب غير مكتمل، حب لم يكن من المفترض أن يستمر، أدرك أنني بحاجة إلى أن أقدر نفسي أولًا، أن أختار أشخاصًا يقدرونني بحق، وليس لأنهم يحتاجون شيئًا مني،أرغب بأن أكون ملجأً لمن يراني، لمن يفهمني دون أن أشرح، لمن يبقى بجانبي لأنه يريد ذلك، وليس لأنه يحتاجه، أرغب بأن أحب نفسي بما يكفي لأتوقف عن تقديم الحب لمن لا يستحق، وأتوقف عن أن أكون الخيار الثاني، أرغب بأن أعيش حياة تليق بي، تستحقني، حياة تمنحني السلام، بعيدًا عن هؤلاء الذين يبحثون عن ملجأ آخر.