قراءة في قصة (الراعي الصغير)/1

 

حاتم جوعية

 

مقدمة: الكاتبُ والشاعرُ والفنان والموسيقار الأستاذ يوسف ابو خيط من سكان مدينة الطيرة – المثلث. درسَ العديدَ من المواضيع أكاديميًّا وحاصل على عدةِ شهادات جامعيَة، ومنها في موضوع الموسيقى والفنون. وهو فنان وموسيقي قديرٌ ومتمكِّن، وقد درَّسَ موضوع الموسيقى في المدارس فترةً طويلة حتى خروجه للتقاعد. أصدرَ العديدَ من الدواوين الشعريَّة وكتابا في علم العروض (الأوزان الشعريَّة) وهو الكتاب الاول من نوعه في البلاد فيه شرح مفصل وبأسلوب سهل وجميل ومفهوم لجميع الأوزان الشعريَّة وجوازاتها. وقد كتبتُ أنا، بدوري، استعراضا مطوّلا لهذا الكتاب القيِّم. وأصدر أيضا مجموعة قصص اللأطفال فهو إنسان مثقف وفنان مبدع ومتعدد المواهب في شتّى المجالات، وقد أبدع وتألقَ وحقّقَ نجاحًا وتألّقا باهرًا في جميع الميادين التي خاضهَا.

مدخل: إن قصَّة (الراعي الصغير) الي بين أيدبنا الآن – تأليف: الاستاذ يوسف أبو خيط – تقعُ في 26 صفحة من الحجم الكبير وتحليها رسوماتٌ جميلة وَمُعَبِّرة لمواضيع واحداث القصة بريشة الفنانة إلهام المغيث نزال. والجديرُ بالذكر انَّ كلَّ صفحةٍ في هذه القصة مطبوعة باللغة العربية يوجدُ في الصفحة المقابلة لها ترجمة لها باللغة الانجليزيَّة.

تتحدثُ القصَّةُ عن أحدِ الرعاةِ الذي كان يعتني بقطيع كبير من الخراف إئتمنهُ عليه أهلُ قريتهِ. وكان هذا الراعي موجودا طوالَ الوقت خارجَ القرية في منطقة وعرة ويضعُ قطيعَ الخرافِ في حضيرة يحيطها سياجٌ هش..وأما هو فلهُ صومعة صغيرة بجانب مربض الخراف يأوي إليها وينام فيها، وفيها يقيمُ صلواته ودعواته لله دائما لأن كان إنسانا مؤمنا ويخاف الله. وكان قطيعُ الخراف دائما بتعرض لهجوم شرس من الذئاب المفترسة، وفي كلِّ مرَّة يفقدُ الراعي مجموعة من خرافهِ، وأهلُ القرية لم يهتموا لهذا الامر بشكل جدي. وفي بعض الأحيان كان يتطوَّعُ البعضُ من شبان القرية الذين لا حول لهم (حسب تعبير الكاتب) لمساعدةِ الراعي في التصدَّي لمجموعاتِ الذئاب الشرسة والمتوحشّة التي تهاجمُ قطيعَ الخراف… وكان هؤلاء الشبان المتطوعون الشرفاء منهم من يُجرحُ ومنهم من يقضي نحبَهُ من الذئاب الشرسة أثناء الدفاع عن الخراف.. ومعظمُ أهل القرية لا يحركون ساكنا وكأنَّ الأمر لا يعنيهم.

وحدث في احدى المرات بينما كان الراعي يقودُ الخرافَ إلى أماكن العشب والكلأ جاءت مجموعاتٌ كبيرة من الذئاب المفترسة وهاجمت قطيعَ الخرافِ وحاولَ الراعي بعصاه وبإمكانيَّاتهِ البسيطةِ أن يَصُدَّهَا ويُعرِّضَ حياته للخطر لكي ينقذ خرافه من انيابها ولكن دون جدوى. واستطاعَ بصعوبة إنقاذ القليل منها وأدخله إلى الحضيرةِ المحاطة بسياج هَشٍّ وقديم…وأهلُ القرية جميعهم سمعوا صراخ الراعي وتوسلاته لأجل النجدة، ولكن لم يُحرِّكْ أحدٌ منهم ساكنا هذه المرة أيضا.

وفي أحد الأيام رأى الراعي مسلكا في الجبل فقال بينه بين نفسهِ: يجب أن أذهبَ ساعات المساء من هذا المسلك لأنني بحاجةٍ لبعض الماء والطعام لخرافي فهي قد اصبحت بسببِ الجوع الشديد هزيلةً وبصعوبةٍ تستطيعُ الوقوفَ والمشيَ على أقدامِها. وفي ساعاتِ الليل الحالكةِ حيث لا يوجد قمر ولا نجوم تضيءُ قررَ الراعي الذهاب إلى القرية لأنَّ هنالك عزوتهُ وسندهُ كما كان يعتقدُ، ولكنه تفاجأ بتصرفِ أهل قريتهِ الغريب والعجيب والمُجحف حيث أنهم كانوا قد سدُّوا وأغلقوا المسلكَ الآمن بردم من الصخور الكبيرة والتراب فلا يستطيعُ هذا الراعي البائس أن ينقبها ويخترقها ويدخل إلى القرية فاضطرَّ، بدورِهِ، أن يرجع خاليَ الوفاض إلى مكان سكنهِ البائس وينظر إلى أغنامهِ بحسرةٍ وحزن شديد وعيناهُ كانتا مغرورقتين بالدموع. وتنتهي القصة هنا بشكل مفاجىء في هذا المشهد الدرامي المثير..

مدخل: هذه القصّةُ ليست طويلةً من ناحيةِ المساحة الجغرافيَّة، ولكنها عريضة وثريَّة بجماليتها وبفحواها وأهدافِها ومضامينها وأبعادها الإنسانيَّة والفنيَّة والثقافية والفلسفيَّة والوطنيَّة والسياسيَّة. وتحوي وتضمُّ هذه القصَّةُ عدة جوانب وأبعاد هامَّة، وهي:

1) الجانب الترفيهي (عنصر التسلية)

2) الجانب الإنساني والرفق بالحيوان ومساعدته.

3) عنصر الإيمان والتقوى

4) الجانب السياسي

5) الجانب الوطني.

6) التوظيف الدلالي والرمزي الذي لا يدركه ويفهمه أبعاده كل قارىء.

7) عنصر المفاجأة.

8) الجانب الفانتازي.

هذه القصة كُتِبتْ وَنُسِجَتْ فصولها وأحداثها للأطفال ولجميع مراحل جيل الطفولة، وتمنحُ الأطفال إذا ما استمعوا إليها الجوَّ الترفيهي والمُسلّي، وتعزز وَتُنمِّي فيهم محبة الحيوانات الأليفة والرفق بها. وتعلمهم المحبَّة بمعناها الجوهري الشامل ومساعدة ومؤازرة الآخرين. ولكن القصة في نفس الوقت تخدمُ الكبار أيضا وتتناغمُ مع حيِّز كبير من أفكارهم وآمالهم وتطلعاتهم وما يصبون إليه في صددِ أمور وقضايا عديدة. ويتجلى ويبدو هذا بوضوح في الفحوى الموضوعُ والهدفُ الوطني والسياسي والفلسفي في القصّة. وهذه القصّة تعيدُ إلى أذهاننا روائع القصص العالميَّة التي كُتبت للأطفال وقام بترجمتها للعربية الأديب كامل الكيلاني وغيره من المترجمين المُتمرِّسين القديرين قبل عقود من الزمن يوم لم يكن عندنا آنذاك أدب وقصص للأطفال…أو بالأحرى أدب الأطفال كان شبه معدوم في جميع البلدان والأقطارالعربية وليس فقط عندنا في الداخل.

ويبدو واضحا أن الشاعرَ والكاتبَ والفنان والموسيقار القدير الأستاذ يوسف أبو خيط كان متطلعا على الأدب العالمي، وخاصة الأدب الذي كُتبَ للاطفال وقد تأثَّرَ به..هذا بالإضافةِ إلى اطلاعهِ الواسع والعميق على الأب العربي القديم والحديث (شعرا ونثرا).

وبالنسبة للجانب الترفيهي في القصّةِ فهذه القصَّة ترفيهيّة بالتأكيد وتسلي والطفلَ وتسعدهُ، مع أنهُ فيها طابع وجو العنف والقتل (هجوم الذئاب على قطيع الخراف.

وبالنسبة للجانب الإنساني والإجتماعي فالقصة تدعو أولا إلى الرفق بالحيوانات الأليفة ومحبَّتها ومساعدتها وحمايتها من خلال التوظيف الدلالي لتلك الخراف الوادعة، وأنه يجب علينا أن نساعدَ كلَّ شخص وكلَّ كائن حي بحاجة لمساعدةٍ ونعمل على حمايته وأمنهِ سواء كان إنسانا أو حيوانا ضعيفا… (فالقصّة تعلمُ الطفلَ حُبَّ الحيوانات الأليفة – الخراف وغيرها – والعمل لأجل مساعدتها).

وأما عنصرُ الإيمان والتقوى فتحدثَ عنه المؤلفُ (الأستاذ يوسف ابو خيط) عندما دخل الراعي إلى صومعتهِ المتواضعة وبدأ يصلي ويطلبُ العون والمساعدة من الله في محنته)

وبالنسبةِ للجانب الفنّي فالقصّة على مستوى فنيٍّ عال وراق في كل فصولها وأحداثهِا،وهي ترقى إلى مستوى أدب الأطفال العالمي بكل معنى الكلمة وبدون مبالغة. والأهم من كل هذا فبالرغم من كون القصة قد كُتِبت للأطفال وبلغة جميلةٍ سلسةٍ متناغمة منسابة كالجدول الرقراق الجاري بهدوء وسكينة ويفهمها ويستوعبُها الطفلُ ففيها يبدو ويتجلى بوضوح الجانبُ والطابعُ السياسي والوطني. والجديرُ بالذكر أنَّ معظمَ قصصِ الأطفال – محليًّا – إن لم يكن جميعُها هي بعيدة كلَّ البعد عن السياسة والأهداف والأبعادِ الوطنيّة..ويركزُ كُتَّابُ قصصِ الأطفال محليًّا فقط على الجانب والعنصر الترفيهي والتسلية (لغاية في نفس يعقوب) والذي يبدو في الكثيرمن الأحيان سخيفا وتافها يُفقدُ القصَّة مستواها وتألقهَا الفنِّي. وتفتقر مغظمُ القصص التي كتبت للأطفال في الداخل إلى العديد من الجوانب الأخرى الهامَّة، مثل: الجانب والبعد الفني والإنساني والجانب التثقيفي وعنصر الإيمان والجانب الفانتازي. ولهذا نحنُ نجد أنَّ الكثيرَ من كتبِ قصص الأطفال المحليّة تُسَّوَقُ محليًّا بسهولة، وخاصة في المدارس والمؤسسات والأطرالسلطويَّة ويصادق عليها بسهولة هناك لأنها لا تحمل أيَّة رسالة مثلى سامية على جميع الأصعدة، ولا يوجُد فيها سياسة ولا أبعادٌ وطنية ولا أيُّ كلام ومعاني وإشارات عن القضيَّة الفلسطينيّة والقضايا العربية عامَّة.ولا تدعو إلى تعزيزالإنتماءِ القومي العربي. وهذا الذي تريدُهُ الأجهزةُ السلطويّة المحليَّة والتي تمارسُ سياستها المجحفة بل القمعية إذا صحَّ هذا التعبير على الأطر والاجهزة التعليميَّة في الداخل – سواء المدارس أو الكليات والمعاهد العليا وحتى المؤسسات والجمعيات والاطر والمتديات الثقافية.. وأحيانا بعض دور النشر وغيرها.. (وهذا ما يقوله ويؤكّدهُ الكثيرون وليس كلامي أنا فقط، وكل ما يحدثُ ويجري على الصعيد المحلي يثبتُ ذلك.))

قد يعجبك ايضا