اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 20- 8- 2024
على مرّ تاريخ حركة التحرر الكوردستانية خصوصاً منذ تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني عام 1946 بقيادة البارزاني الخالد الملا مصطفى البارزاني، حيث ترد المطالبة بضمها لإقليم كوردستان الحالي، التي كانت ضمن المباحثات والمناقشات والاتفاقات التي جرت بين قيادة الحزب والحكومات المتعاقبة في العراق الملكي والجمهوري. لأنهُ تاريخياً وجغرافياً واجتماعياً وأقتصادياً مرتبطة بما هو في اقليم كوردستان الحالي، حتى الموارد الطبيعية مرتبطة بها. وهنالك من الأدلة الكثيرة على ذلك، يمكن ان لا يقتنع بها البعض ولكن هذا هو الواقع.
يمكننا أن نبدأ بما ورد عن تشابه آثارها مع آثار كوردستان حيث ذكر في كتاب لمجموعة مؤلفين في زمن النظام السابق ( 1968- 2003) ما يأتي: ([1])
– ” في موقع تمر خان أو ( كمرخان) الأثري الواقع الى شمال بلدة مندلي في منطقة سكن قره لوس، أجري الحفرالآثاري عام 1966، ووجدت فيها آثار تشبه آثار چرمو في كوردستان العراق”.
أشار العالم أو- ل- فيلجيفسكي: ([2]) ” ان بداية الحياة تاريخياً ظهر في المناطق الجبلية من بلاد ما بين النهرين الشمالية، وأنحاء من الهضبة الايرانية المجاورة لها، حيث ظهرت بوقت أبكر بكثير من ظهور تلك القبائل التي شكلّت القاعدة الاساسية لتكوين الشعب الكوردي”.
لقد وصف نصوحي المطراقي زادة ([3]) المدينة خلال زيارته لها ضمن رحلة اشتملت على المدن الحدودية ما بين الدولة الصفوية والعثمانية ومدينتي همدان وبغداد بين عامي 1534- 1535، وقد وضعها في تقرير له تحت عنوان ( رحلة في كوردستان الجنوبية) كما يأتي:
– ” قلعة شاهين الواقعة على جبل حمرين وقصبة خانكيه، وهي خانقين على حدود عراق العرب ومضيق كلهر أو مرعى أولوق وقصر شيرين والوندية وصولاً الى بغداد”.
ومن أجل معرفة الترابط الجغرافي بين مندلي وأرض كوردستان فهناك العديد من الوقائع تؤكد ذلك ومنها، ما ذكرته السيدة جنان رحمن وكما يأتي: ([4])
– ” أن وقوعها على تخوم سلسلة چگا سور ( جبال حمرين) [ أي مندلي] في نطاق الالتواءات الجبلية ( Folded-Zone) بالنسبة الى سلاسل جبال كوردستان في جنوب عاصمة الإقليم هولير، حيث تبعد عنها حوالي 400 كيلو متر. وتقع شرق العراق وتبعد عن بغداد عاصمة العراق 160 كيلو متر، وهي أقرب مدينة الى العاصمة العراقية من الحدود الإيرانية. كانت مندلي مع سومار وبقية المناطق المتاخمة لها تشكل وحدة جغرافية واحدة قبل ترسيم الحدود بين الدولة العثمانية والدولة الإيرانية بعد واقعة جالديران المشهورة 1514″.
نأتي الى اللغة فقد ذكر الاستاذ هادي رشيد الچاوشلي: ([5])
– ” ان أكثر من 80 % من سكان قضاء مندلي في لواء ديالى هم من الكورد، أما اللهجة السائدة فيها فهي خليط من اللهجة السورانية واللورية”.
عن التشابه في الفترة الزمنية التي نشأت فيه الزراعة في مندلي وتشابهها مع ما عثر عليه في كوردستان أورد الباحثان: د. وليد الجادر و د. زهير عبد الصاحب ما يلي: ([6])
– ” لقد كشفت الآثار الزراعية في مواقع ( چرمو) شرق چمچمال و ( كوخه مامى) شمال مندلي و ( تپه كوره) شمال شرقي قرية ( كوخه مامى) و ( تل شمشاره) قرب بلدة رانية ان الزراعة بدأت في هذه المناطق قبل عام 8750 عام”.
وأيضاً أشار د. محمد عبد اللطيف الى ما سبق ما يأتي عن قدم تاريخ آثارها وانواع المواد التي عثر عليها: ([7]) وقد اضاف لذلك عن تشابهها مع ما وجد فيها مع كوردستان د. محمد عبد الله عمر ما يلي: ([8])
– ” هنالك الكثير من الحقائق التي تؤكد قدم آثار مندلي وارتباطها بما عُثر عليه في أرجاء كوردستان، فقد أمتد تأثير حضارة چرمو جنوباً الى ما وراء نهر ديالى، إذ عثر على سطح بعض ( تلال اقليم مندلي) خاصة تلي ( Choga Mami) و ( Tamerkhan) ( جوخه مامي و تمر خان) على أدوات متنوعة وحجر الاوبسيديان وكسرات آنية فخارية وآنية حجرية تُماثل انتاج موقع چرمو، أما في تل الصوان فقد كانت الوحدة السكنية ما بين اربعة الى ستة حجرات شُيدت بقطع الآجر المستطيلة. ولقد بنيت مباني تل الصوان وكذلك مباني تل ( جوخه مامي) باقليم مندلي بعد التنقيبات الحديثة انها كشفت عن فخار من دَور حلف في الطبقتين العلويتين بتل الصوان، وفي أعلى تل (جوخه مامي) باقليم مندلي. وعُثر فوق سطوح بعض تلاله خصوصا الطبقات العليا لتل ( جوخه مامي) على فخار من دَور اريدو وحجي محمد، ووجدت مجموعة آثار مكونّة من جرار الصوان والاحجار الزجاجية السوداء والاواني الصخرية عند قرية ( كومه سنگ) ممّا يعني ان هذه المنطقة ظلـّت مسكونة عبر عصور التاريخ المختلفة، وهذا يمكن تأكيده من خلال الاواني الفخارية التي اكتشفت في مندلي التي تشابه الاواني التي عثر عليها في بلاد سومر، ومن التلال المهمة في المنطقة ( تل چيجكان). ان هذا يعني ان آثار هذه المنطقة تمتاز بتاريخ يُقارب تاريخ مناطق كوردستان الأخرى، ولو تمّ إجراء مسح شامل ودقيق للمنطقة، فان ذلك سوف يكشف عن حقائق خافية على الجميع، سواء كان ذلك بالنسبة لتاريخ المنطقة أم التاريخ الكوردي العام”.
وكشف الاستاذ عبد الرقيب يوسف عن تشابه آثارها مع ما عثر عليه في كوردستان ما يأتي: ([9])
” لقد بينّت التنقيبات الاثرية التي أجريت عام 1977 في حوض سد حمرين في تل ( صنگور) شمال حمرين ان المباني واللـقى الاثرية المكتـشفة فيها مشابهة لما في ( جوخه مامي) في مندلي. وان مملكة أشنونا كانت عبارة عن مثلث ممتد من نهر ديالى، أي من مكان إجتيازه جبل حمرين شمال شهربان ثم دجلة حتى حدود واسط ثم الى سلسلة پشتكو. وان عدداً من مدنها بــنيت من قبل الموجة الاولى من سكان كوردستان المتوجهة الى وسط وجنوب العراق، أي ان مملكة أشنونا قد ســـكَن فيها وعُمرت لاول مرة من قبل سكان كوردستان”.
وورد عن الاستاذ كمال كورد في مثالة له عن تشابه آثارها مع آثار كوردستان أيضاً : ([10])
– ” هنالك تشابه في طريقة البناء ( المخطط الثلاثي) في ( جوخه مامي) مع ما في حوض سد حمرين حيث كانت مثلها كما في: ( يارم تپه، أم الدباغية، عبادة الكبير، تپه گورا، تلول الثلاثات، قالينج آغا- اربيل، تل رشيد، خيط قاسم، عويلي، وتل مظمور). وانه في نهاية العصرالجليدي للعصور الحجرية القديمة عــرفــت ان هنالك منحوتات مثل: ( الخرز والقلائد والدلايات والأساور والمعاضد والمحابس والدبابيس والابر والمثاقـب) كان البعض منها مصنوع من العظم والبعض الآخر من الحجر. وقد وجد مثلها من فترة أستيطان چرمو في شمشاره الواقع في سهل رانية شمال شرق اربيل، وايضاً على الضفة اليمنى لمجرى الزاب الاسفل، وكذلك من ( مستوطن تمر خان القريب من مندلي)”.
وفي الختام نورد شذراً ممّا تعرّضت له مندلي بسبب انضمام جماهير غفيرة من أهاليها الى الحركة التحررية الكوردستانية خصوصاً مع البارزاني الخالد، وكما ورد في مبحث ديڤيد مكدول: ([11])
– ” اثناء فترة العفو حتى ايار 1975 ومن بين الــ ( 210 ألف كوردي) او نحو ذلك ممّن طلبوا اللجوء في ايران، عاد منهم فقط ( 140 ألف) منهم قبل انقضاء التاريخ. فانتهزت الحكومة الفرصة لتحقيق التوازن السكاني في المناطق المتنازع عليها. ووفقا للمصادر الكوردية جرى نقل نحو مليون ساكن من المناطق المتنازع عليها في: ( خانقين، كركوك، مندلي، شيخان، زاخو، وسنجار). ولكن التأكيد من حجمها يبقى مستحيلاً. كذلك جرى استبدال هؤلاء المرحلين بمستوطنين مصريين او عرب عراقيين”.
[1] – مجموعة مؤلفين: سلسلة العراق في التاريخ، مطبعة دار الشؤون الثقافية- بغداد- 1983، ص 312.
[2] – أو. ل. فيلجيفسكي: ( مقالة) البداية والتاريخ الاثنوغرافي للشعب الكوردي. ترجمة: د. احمد عثمان ابو بكر، مجلة شمس كوردستان، العدد 62، 1981.
[3] – نصوحي المطراقي زادة: رحلة مطراقي زادة. ترجمة: صبحي ناظم توفيق. تحقيق د. عماد عبد السلام رؤوف، منشورات المجمع الثقافي- ابو ظبي، ص 109.
[4] – جنان رحمن الجاف: جيومورفولوجية جبل براكره وأحواضه النهرية وتطبيقاتها، ( رسالة جامعية) جامعة ديالى- 2005.
[5] – هادي رشيد الچاوشلي: القومية الكوردية وتراثها التاريخي، مطبعة الارشاد- بغداد 1967، ص 52.
[6] – د. وليد الجادر؛ د. زهير عبد الصاحب: سلسلة حضارة العراق، دار الشؤون الثقافية العامة- بغداد- 1985، ص 202.
[7] – د. محمد عبد اللطيف: ( مقالة) تاريخ العراق القديم حتى نهاية الالف الثالث ق- م، مجلة سومر، العدد 32، 1977.
[8] – محمد عبد الله عمر: مباحث كوردية فيلية، مطبعة جامعة صلاح الدين- 2004، ص 56.
[9] – عبد الرقيب يوسف: كوردستان الجنوبية تاريخياً وجغرافياً منذ القدم حتى التاريخ الحديث، سليمانية- 2005، ص 98.
[10] – كمال كورد، ( مقالة) الحضارة القديمة لكوردستان، مجلة سردم العربي، العدد 12، 2007.
[11] – ديڤيد مكدول: تاريخ الاكراد الحديث. ترجمة : راج آل محمد ، دار الفارابي- بيروت- لبنان ، ط 1، 2004 ، ف 16، ص 496.