نبيل الحيدري
يقترن اسم المعمار قحطان المدفعي بالعديد من الابنية، والصروح المعمارية المميزة في العراق، على مدى أكثر من خمسين سنة. فهو مصمم جامع آل بنية، ووزارة المالية، وبناية جمعية الفنانين التشكيليين، ونُصب ومتنزه 14 تموز في الكاظمية، ومدينة الألعاب قرب قناة الجيش، وأكثر من 300 مبنى ودارا منها دار الفنان نوري مصطفى بهجت في المنصور، وبيت الفنان فائق حسن في الصليخ.
يستذكر المدفعي كيف عاش طفولته وصباه في بيئة فنية مميزة، إذ كان الرسم والموسيقى والادب قريناً لأسرته واهتماماتها.
وقد اختار الشاب قحطان مبكرا ان يكون معمارا، وإذ لم تكن دراسة هذا الاختصاص متوفرة في بغداد فقد تدبرت والدته عام 1946 كلفة دراسته في إنكلترا، مما وردها من حصة بيع أحد عقارات الأسرة في الاعظمية. يذكر قحطان المدفعي كيف أن الفنان جواد سليم، زامله في رحلة دراسته الفن في لندن.
أنهى المدفعي دراسة الهندسية في إنكلترا ليعود ليصبح مدرسا في كلية الهندسة ببغداد عام 1952، لكن الولع بالعلم والمعرفة رافقه على الدوام، فواصل دراسته العليا في إنكلترا عام 1980، وحصل على شهادة الدكتوراه.
حلمنا أنا وزيد محمد صالح منذ الاربعينات بمقر للفنانين العراقيين
وكشف المدفعي (المولود في بغداد ـ الاعظمية 1927) كيف بدأت فكرة بناية جمعية الفنانين التشكيليين في منطقة المنصور ببغداد، إذ شاركه ابنُ عمه زيد محمد صالح، الذي كان يدرس هندسة السيارات في بريطانيا أيضا اواخر الاربعينيات، الولعَ بالفن والرسم. وقد تبادلا في رسائل عديدة أفكارهما حول مبنى يوظف ليكون مقرا ومرسما لـ”جماعة الرواد” من الفنانين. وتضمنت الرسائل والتصاميم ادق التفاصيل في توظيف المبنى لإقامة المعارض الفنية، وليكون محترفا فنيا لجماعة الرواد: فائق حسن، وجواد سليم، وحافظ الدروبي، وزملائهم.
وتبقى الفكرة تطارد الشابين وزملاءهم من الفنانين، الى ان تتاح لهم فرصة لقاء رجل الاعمال الأرمني كالوست كولبنكيان (المعروف بـالسيد خمسة في المائة “Mr. Five Percent” لأنه كان يتقاضى نسبة خمسة بالمائة من عائدات النفط لدوره في إتاحة حقول النفط للاستثمار والتطوير الغربي. فلبى كولبنكيان طلبهم بتخصيص مبلغ 30 ألف دينار لإنشاء بناية جمعية التشكيليين عام 1956، التي استوحى قحطان المدفعي تصميم شكلها الخارجي من الخيام في الصحراء. وجرى تنفيذها من قبل أعضاء الجماعة بالعمل الطوعي المحض.
واضاف المدفعي انه التقى بعد سنوات كولبنكيان، الذي صارحه انه استغرب كيف تمكن الفنانون العراقيون انشاء مبنى جميلا لهم بمبلغ تافه هو 30 الف دينار، يمثل بقشيشا في نظر المليونير كولبنكيان.
وكشف المدفعي خلال الحوار معه كيف أدخل الفنان المهندس زيد محمد صالح، اول فرن للسيراميك، وجرى نصبه في معهد الفنون، وكيف تناوب العمل عليه فنانون منهم: فائق حسن وجواد، سليم والمدفعي نفسه.
ملوية سامراء رمز معماري عراقي هائل
في مكتب المهندس قحطان المدفعي، المتاخم لبيته في شارع المغرب ببغداد، ترى على الجدران عشرات التصاميم والصور والخرائط لمشاريع معمارية، نفذها خلال أكثر من نصف قرن، أو التي لم تنفذ لأسباب مختلفة. ويحفل مشغله بنماذج من التحف والاثار العراقية، منها ملوية سامراء، التي يعتبرها المدفعي إحدى أسمي العلامات المعمارية العراقية، بفلسفة انشائها ودورانها غير المتناهي حول المحور، ما يجعلها بحق رمزا عراقيا كبيرا وعظيما، ربما التقطه الشاعر البغدادي عبود الكرخي في مقاربته لحركة المجرشة حين أطلق قصيدته المدورة:
ذبيت روحي على الجرش وأدري الجرش ياذيها
في كانون الأول عام 2001 أبهر المهندس قحطان المدفعي الوسط َ الفني والثقافي بإقامته معرضا على قاعة دجلة ببغداد، لعدد من رسومه ولوحاته، التي انتجها على مدى عقود، وكان يأمل أن تتيح له الأيام والظروف إقامة معرض شامل لأعماله الفنية والمعمارية الغزيرة، ولم تخل مساحته الإبداعية من تجارب شعرية ونثرية نشرها في فترات متقطعة.