تكية الشيخ عبدالرحمن شورجة من النصح والارشاد الى مؤسسة دينية

 

 

لطيف دلو

 

الجزء الثاني

اولاد الشيخ عبدالرحمن الشورجة وجدارتهم في تتويج التكية بمؤسسة دينية

 

قال رسول الله (ص) ( إذا مات ابن آدم أنقطع عمله إلاُ من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) ظاهريا والعلم عند الله قد تحققت الحالات الثلاث في سلالة هذه الاسرة الكريمة وانتقلت بصورة جدية الى اولاد الشيخ عبدالرحمن الشورجة ولربما هم اوفر حظا من سابقيهم لإتاحة الظروف والمناخ المناسب لهم واستطاعوا الاستفادة منهما برجاحة العقل ولهذا الغرض اتناول شخصية كل منهم حسب معرفتي الشخصية بهم.

 

الحاج الشيخ محمد الشورجة:

النجل الاكبر من بين اولاد الشيخ عبد الرحمن الشورجة رحمه الله ، ولد عام ( 1961 )في قرية الشورجه مسقط رأس والده وموطنهم، وبعد بلوغه السن اللائق لاستيعاب العلم درس لدى والده القرآن والعلوم الدينية في التكية التي كانت مفتوحة لطالبي العلم ولعدم وجود مدرسة آنذاك في القرية انتقل الى مدارس القرى القريبة منهم في (  باوا و سيامنصور وفرقان ) ومن ثم انتقل الى كركوك لإكمال الدراسة المتوسطة في محلة الشورجة، ولكن بسبب وفاة والده (رحمه الله) ترك الدراسة عام ( 1978 ) وعاد إلى القرية وخلف والده وفق وصيته في سن مبكر كما يقال ( خير خلف لخير سلف ) مستعينا بالله وما تركه له والده من العلم والمعرفة في الامور الدينية والشريعة الاسلامية والطريقة الصوفية المستوحية من القادرية إضافة الى الشؤون الاجتماعية، وحل محل والده في امامة الجامع وإدارة تكية سلالتهم والتي بناها جدهم ( الشيخ محمود القطب ) في تلك القرية، وكان ملما وقادرا وجديرافي التغلب على المصاعب  دون إحداث أي ثغرة في النهج الذي ورثه من والده في كافة المجالات التي اختصتها التكية من الدعوة والاصلاح والتقوى، ولكن الظروف السياسية للبلاد من انعدام الأمن والإستقرار أجبرتهم على ترك المنطقة كسائر اهل القرى الكردية التي جرفتها السلطة حول كركوك عام ( 1987 ) بحجة تأمين مواقع الدفاع عنها ظلما وبهتانا ومنها قرى ناحية ( قره حسن ) ونقلت الحكومة أهالي تلك القرى إلى محافظات الحكم الذاتي آنذاك وإلى المناطق الجنوبية والوسط ومنهم نقلتهم إلى مجمعات سكنية قسرية، وعلى اثر تلك الكارثة البغيضة انتقل ( الشيخ محمد ) مع أخوته إلى مدينة كركوك واستقروا في دارهم البديلة في محلة رزكاري ( الحرية )  في كركوك جاعلا مضيفه كتكية اضطرارية والاستعانة بتكية جده الاكبر ( الشيخ محي الدين ) بعد تعميره لأداء مهام المشيخة، وخصص فناء بيتهم بعد عزله كمصلى لأداء فريضة الصلاة جماعيا خاصة في الاعياد والمناسبات الدينية، وبعد أقل من عام وفي ( 1988 ) حدثت ما يسمى بعمليات الانفال السيئة الصيت استخدمت السلطة كلام الله في هدم قرى بما فيها بيوت الله وقتلهم آلاف الكرد المسلمين في تلك المناطق ونهبت وسرقت ممتلكاتهم وسوقت الآلاف من مواطني تلك المناطق الى جهات مجهولة ومن ضمنهم شقيقهم ( الشيخ عبدالستار ابن الشيخ عبدالرحمن ) من مواليد ( 1965 ) ولم يعرف مصيرهم إلى اليوم، ولكن لا يخفى على أحد شيمة السلطة آنذاك في الغدر وسفك الدماء، خلافا للشرائع السماوية ونوهت عنها لنقل صداها المأساوية التي تقشعر القلوب إلى الاجيال القادمة لأخذ العبر منها.

 

 

 

بناء جامع وتكية الحاج الشيخ محمد بن الشيخ عبدالرحمن الشورجة في كركوك

 

قام الحاج الشيخ محمد مع أشقائه بمحاولات حثيثة لبناء جامع وتكية بعد استقرارهم في كركوك لأداء المهام على خطى والدهم ( رحمه الله ) وأخيرا بعد جهود مضنية استحصلوا الموافقة الحكومية على تخصيص قطعة ارض لبناء جامع وتكية عليها مقابل الملعب الاولمبي في نهاية حد محلة الشورجة في كركوك، وأستغرق البناء عدة سنوات لكبر الجامع وملحقاته وهو على شكل ( مثمن دائري ) بثمان اضلاع وقبة كبيرة في الوسط ومأذنة عالية وقاعة تحت بناية التكية لصلات الجماعة للنساء في ايام الجمع،  وبعد اكمال أعمال البناء  بتبرعات أهل الخير والتقوى فتح الجامع أمام المصلين وانتقلت تكية الحاج الشيخ محمد الى بنايتها الجديدة داخل فِناء الجامع عام ( 2005 ) وسمي الجامع باسم ( جامع الشيخ محمد بن الشيخ عبدالرحمن الشورجة البرزنجي )  على نهج والدهم رحمه الله.

 

لم يقتصر الجامع على أداء فرائض الصلاة الخمس وصلاة الجمع والاعياد الدينية والصلوات المتبعة وفق النهج الديني في الكسوف والخسوف والظواهر غير الاعتيادية المتبعة في الدين الاسلامي، بل اصبح الجامع منبرا للتثقيف في الشؤون الدينية والاجتماعية وتعليم قراءة القرآن والاحاديث الشريفة والدورات الصيفية عند تعطيل المدارس للطلاب والطالبات، حيث يكون الذكور داخل الجامع والاناث في القاعة المخصصة لصلاتهن، وحلقات الذكر والتقوى من قِبَل المريدين والمصلين المتعودين عليها في ليالي معينة وكذلك جلسات تعليمية عن البلاغة واصول قواعد اللغة العربية في النحو والاملاء كلما اقتضت الحاجة وكذلك التكية بإدارة شيخها ( الحاج الشيخ محمد الشورجة ) وبمعاونة أشقائه، أدت دورها الفعال فيما يقدمه الجامع إضافة إلى مهامه الاساسي في التوعية الدينية والاصلاح والارشاد والشؤون الاجتماعية وأداء دورها في حل مشاكل المواطنين الملتجئين اليها لإصلاح ذات البين وتصفية النزاعات العشائرية وخلق الود والتراحم والتآخي بين طرفي النزاع وكذلك دورها في مساعدة الفقراء والمحتاجين حسب الامكانيات المتاحة لها.

 

تنوير وترقي التكية الى مؤسسة دينية لم تكن هذه المهمة سهلة بل كانت صعبة لإيجاد الحلول اللازمة لتأسيس مدارس دينية  من الارض والمال و الاثاث والموافقات الرسمية من الدوائر ولكن بجهود كل من ( الحاج الشيخ محمد شورجه ) وأشقائه وسنأتي الى ذكرهم لاحقا كل على حدة مع الخيرين من المواطنين وبتسهيل من الله ازيلت المصاعب تدريجيا حيث حصلت الموافقات الرسمية لفتح ثانوية دينية للعلوم الاسلامية تابعة للوقف السني بإدارة (  الدكتور الشيخ عبدالقادر ) شقيق الحاج شيخ محمد داخل الجامع بعد تهيئة بعض فراغات الجامع كصفوف دراسية وسميت بـ( ثانوية الشيخ عبدالرحمن الشورجه للعلوم الاسلامية ) تيمنا باسم والدهم وابتدأ الدوام فيها عام( 2005 ) ولغرض توسيع المدرسة لاستيعاب عدد الراغبين للدراسة فيها من الطلاب  كلفوا شقيقهم ( الاستاذ الدكتور شيخ سالار ) وبمعاونة الخيرين لمراجعة الدوائر المختصة لاستحصال الموافقات الاصولية لتوسيعها واخراجها من بناية الجامع  وبعد جهود جبارة حصلت الموافقات الرسمية على تخصيص قطعة ارض لها جنوب الجامع وقريبة منه لتسهيل التواصل بينهما في مهاميهما وبعد انتهاء اعمالها الانشائية انتقلت المدرسة اليها عام ( 2008 ) وتعين ( الاستاذ الدكتور شيخ سالار ) مديرا لها ونُقل مديرها السابق ( الدكتور الشيخ عبد القادر ) الى مهام ومنصب آخر.

 

وضمن تنوير وترقي التكية بمؤسسة دينية قام( الاستاذ الدكتور شيخ عبدالقادر ) باستحصال الموافقات الاصولية لفتح ثانوية للعلوم الاسلامية للطالبات ، للمطالبات الكثيرة للدراسة فيها وتمت الموافقة على فتحها وتخصيص قطعة ارض للبناية ولعدم تيسر المبالغ الكافية لدى الجهات المعنية تأخر بناؤها وبدأ الدوام في تلك الثانوية باسم ( ثانوية حفصة خان النقيب للعلوم الاسلامية للبنات ) عام ( 2007 ) داخل بناية الثانوية للبنين  بدوام ثان .

 

 

اولاد الشيخ عبد الرحمن الشورجه الفاعلين الاساسيين في بناء الجامع والتكية وتتويجها بمؤسسة دينية في كركوك هم كل من:

1- الشيخ الحاج محمد – وردت شخصيته ومهامه آنف الذكر في إدارة التكية والجامع  في فقرة خاصة به في متن المقالة بصورة مفصلة قدر ما تغني موضوع البحث.

2- الشيخ عبد الجبار، ولد في قرية الشورجه عام ( 1967 ) خريج كلية الشريعة جامعة بغداد عام ( 1991 ) وحاصل على شهادة ماجستير في تفسير القرآن عام ( 2015 ) من دولة لبنان، إمام وخطيب جامع وتكية جدهم الاكبر ( الشيخ محي الدين كركوك ) و تدريسي في كلية القلم حاليا، له مؤلفات عديدة منها كتاب ( سيرة مشايخ شورجه ) المشار إليه كمرجع في المقدمة.

3- الاستاذ الشيخ سالار، ولد في قرية شورجة عام ( 1969 )، خريج كلية الشريعة ، جامعة بغداد (  1992 ) وحاصل على شهادة الدكتوراه في اصول الدين عام ( 2024 ) من دولة لبنان، وكان مديرا لثانوية الشيخ عبدالرحمن الشورجة في كركوك لمدة عشر سنوات وحاليا فيها بوظيفة مدرس واوردنا اسمه اكثر من مرة عن جهوده، وسمعت عن مساعيه الحثيثة في افتتاح مكتبة إسلامية عامة ملحقة بالثانويتين والجامع وارجو له التوفيق من الله.

4- الشيخ محمود، ولد في قرية شورجة عام ( 1971 ) خريج كلية العلوم الاسلامية، جامعة بغداد (  1997 ) وحاصل على شهادة ماجستير في اصول الفقه عام ( 2023 ) من دولة لبنان، إمام وخطيب جامع سيد المرسلين في كركوك .

5- الدكتور الشيخ عبد القادر، ولد في قرية شورجة عام ( 1976 ) خريج الجامعة الاسلامية في بغداد (  2001 )، وحاصل على شهادة الدكتوراه في العقيدة الاسلامية عام ( 2014 ) من ( الجامعة الإسلامية في بغداد ) إمام وخطيب جامع الشيخ محمد الشيخ عبدالرحمن الشورجة وتدريسي في كلية القلم حاليا وبجهوده المضنية تم افتتاح الثانويتين وكذلك مركز (ابن صلاح الشهر زوري لإقراء تحفيظ القرآن الكريم) بدأت الدراسة فيه منذ عام ( 2011 ) تابع للوقف السني في بغداد.

 

 

 

 

الخاتمة

اختم المقالة بالتعريف عن قرية الشورجة وهي تقع شرق مدينة كركوك تبعد عنها حوالي (30) كلم تقريبا ومن قرى ناحية قره حسن وطريقها الرئيسي يتفرع من طريق كركوك قادر كرم من داخل قرية ( باوا ) شمالا وهي قرية صغيرة وتقع في منطقة نائية وليس على طريق عام ولكن أخذت شهرتها وكنيتها وارتياد الناس اليها من تواجد تلك المشيخة فيها ومن ابرزهم الشيخ عبدالرحمن الشورجه ( رحمه الله ) كمرجع ديني في المنطقة ومن ثم اولاده وأسأل الله العلي القدير أن يوفقهم في مهامهم الدينية والاجتماعية والتربوية والتثقيفية لبناء مجتمع يسوده الاخاء وحب الخير وأن تكون الثانويتين الدينيتين مصدر اشعاع  لزرع نور الاسلام في نفوس المؤمنين بالله وبرسله وكتبه بجهود وفضل الخريجين والخريجات منهما وهو السميع المجيب.

قد يعجبك ايضا