تكية الشيخ عبدالرحمن شورجة من النصح والارشاد الى مؤسسة دينية

 

 

 

 

 

 

 

لطيف دلو

 

الجزء الأول

المقدمة

اود التحدث أولا عن معرفتي الشخصية بحضرة الشيخ عبدالرحمن شورجه الوقور وتكيته من أهم ذكرياتي عنه أيام طفولتي، كلما اقتربنا من فصل الربيع سنويا، كان أهل قريتنا ( مامشه ) يترقبون رؤية إشعال النار على قمة تلة ( قولَتةبة ) القريبة من قرية الشورجه لتحديد اليوم الاول لذلك الفصل لتوافقه لليوم الاول لعيد نوروز.

 

وبرؤيتهم الشعلة أسمعهم يقولون بأن الشيخ عبدالرحمن أشعل نار نوروز ويتحقق لديهم تحديد تلك المناسبة ورأيتها شخصيا في قسط متأخر شيئا ما من الليل لكونها محظورا من قبل السلطات وكان ذلك في العهد الملكي، ومن هنا ترسخ اسمه في ذهني وعرفت عظمته القيادية عند بلوغي سن الرشد، ومن هنا ابين للقارئ الكريم عن الصدق والأمانة في نقلي للأحداث بواقعية تامة دون الاستعانة بالمؤرخات او اقوال الاخرين أو العاطفة، إلاّ في بناء التكية وقرية الشورجة وانتقالات المشيخة التي سبقتني وتواريخ الاحداث لأنها غير مسجلة لدي ولا اتذكرها عن ظهر قلب فاستعنت بكتاب ( سيرة مشايخ الشورجة ) من تأليف نجله ( الشيخ عبد الجبار ).

 

الشيخ ( محمود القطب ) جد الشيخ عبدالرحمن الشورجة المولود في قرية ( عثمان لكه ) وانتقل إلى قرية الشورجة القديمة كشيخ ديني فرأى في منامه سيد البشرية سيدنا ونبينا محمد (ص) اوصاه ببناء تكية وجامع في المكان الذي حدده له، كما رأى احد مريديه نفس الرؤية وفي نفس الليلة كما ورد في المصدر الذي اشرت إليه سابقا في المقدمة، وقام الشيخ بتنفيذ الوصية وبعد إكماله بناء جامع وتكية كبيرة تليق بمكانتهم الدينية في الوعظ والنصح والارشاد انتقلت القرية إلى المكان الحديث، وكما سمعت كانت التكية منبع العلم والارشاد وتعليم اصول الدين وقراءة القرآن ولها اثر عظيم في ازالة الامية والجهالة، وبعد عمر ناهز ( 61 ) عاما في خدمة الدين توفي ( محمود القطب ) بتأريخ ( 4/3/1897 ) رحمه الله ودفن في قرية الشورجة التي تحتضن جامعه وتكيته الميمونة.

 

 

حيث كنا نسكن قرية ( مامشه ) الواقعة جنوب قرية الشورجة التي يسكن فيها الشيخ الذائع الصيت والشهرة دينيا واجتماعيا، وكان اهل القرية رجالاً ونساءً يزورونه سنويا كشبه عادة لديهم عدا الزيارات في اوقات اخرى عن القضايا المتعلقة بالفتاوي والاستشارات الدينية والمشاكل الاسرية، وفي اوائل الخمسينيات من القرن الماضي شاهدت حركة تجمع غير اعتيادية لرجال القرية ينوون الذهاب الى تكية الشورجة لزيارة الشيخ عبدالرحمن فكان الجو ربيعيا وهادئا ولطيفا فانتهزت الفرصة للذهاب معهم وكان عمري لا يزيد عن ثمان سنوات، وعند وصولنا الى التكية اُستُقبلنا بحفاوة وتكريم ومن ثم دخلنا الى التكية وزرنا حضرة الشيخ فصافحنا ورحب بنا جميعا صغيرا وكبيرا على حد سواء سائلا عن الصحة والاحوال فردا فردا وليس بصفة الجماعة فكان وقورا ذا هيبة وشخصية معنوية ولبقا وحاذقا في إدارة المجلس ورده لكل سؤال واستفسار يوجه إليه، كان وافيا وحاسما بما يقنع السائل بكل ارتياح وعلى ما اتذكر كانت التكية عبارة عن غرفة طويلة مبنية من اللبن او الطوف الطيني ومسقفه بالخشب والقصب فعندما حان وقت صلاة الظهر صلوا جماعة داخل التكية وبعدها تغدينا داخل التكية وبعد صلاة العصر كذلك جماعة في التكية انتهت زيارتنا بتوديع مهيب وعدنا ادراجنا الى قريتنا مشيا على الاقدام واثناء الطريق سمعتهم يتحدثون عن فضائل الشيخ ويشيدون بسخائه وكرمه لضيوفه بأنه لا يقبل أن تُدَّخَرَ او تخزن الهدايا والمواد التي يجلبها الزوار الى اليوم التالي وأوجب على ان تطبخ وتؤكل في نفس اليوم من قِبَل الزوار والاخرين المتواجدين في التكية لان الرزق غيب لا يعلم به إلا الله.

 

بعد انتهاء العهد الملكي عام( 1958 ) وانتشار الفوضى في البلاد وخاصة في محافظة كركوك والمناطق العائدة لها وساءت الى درجة انعدام الأمن والإستقرار وعلى اثر ذلك أنتقل الشيخ عبدالرحمن من قرية الشورجهة مسقط رأسه وتكية جده ( الشيخ محمود القطب ) إلى تكية جده الاكبر ( الشيخ محي الدين في كركوك ) الواقعة بمحاذاة المقبرة الكبيرة التي تقع شرق إمام قاسم وسميت تيمنا باسم ( الشيخ محي الدين ) وزرته مع مجموعة من اهل قريتنا وكانت هي زيارتي الأخيرة لشخصه الكريم وتكيته الميمونة وعلى ما أتذكر مكث في هذه التكية لفتره معينة – قرابة ثلاث سنوات – ولكثرة مريديه وزواره المنقطع النظير أجبرته السلطات في كركوك بالعودة الى قرية الشورجهة واحياء تكيته وتكية آبائه السابقة فيها الى  أن وافاه الاجل ( رحمه الله ) في سنة ( 1977 ).

 

ابتعدت عن المنطقة لصعوبة الحياة بسبب التقلبات السياسية ومهاجمة القوات العسكرية للمنطقة بين فينة واُخرى للترهيب والتخويف والنهب والسرقة وسفك دماء الابرياء، وعلى اثر ذلك تركت الدراسة وانشغلت وراء متطلبات المعيشة خارج المنطقة، وأخيرا وصلت التحرشات العسكرية عام ( 1987 ) إلى هدم وتجريف القرى الكوردية وجعلها ارضاً محروقة في محافظة كركوك ومنها قرى ناحية ( قره حسن ) ونقلت السلطات أهاليها إلى مناطق اخرى لأسباب سياسية، وشاءت الاقدار ان تجمعنا وإياهم في محلة ( رزكاري ) بالكاف الكردية  ( الحرية ) كجارين ويفصلنا عن الآخر ممرين داخليين في المحلة ولمعرفتي السابقة بهذه الاسرة الدينية الكريمة أتحدث عنهم وفق معرفتي الشخصية دون وسيط  كما نوهت مسبقا.

 

 

تأسيس وبناء جامع وتكية قرية شورجة

 

الشيخ ( محمود القطب ) جد الشيخ عبدالرحمن الشورجة المولود في قرية ( عثمان لكه ) وانتقل إلى قرية الشورجة القديمة كشيخ ديني فرأى في منامه سيد البشرية سيدنا ونبينا محمد (ص) اوصاه ببناء تكية وجامع في المكان الذي حدده له، كما رأى احد مريديه نفس الرؤية وفي نفس الليلة كما ورد في المصدر الذي اشرت إليه سابقا في المقدمة، وقام الشيخ بتنفيذ الوصية وبعد إكماله بناء جامع وتكية كبيرة تليق بمكانتهم الدينية في الوعظ والنصح والارشاد انتقلت القرية إلى المكان الحديث، وكما سمعت كانت التكية منبع العلم والارشاد وتعليم اصول الدين وقراءة القرآن ولها اثر عظيم في ازالة الامية والجهالة، وبعد عمر ناهز ( 61 ) عاما في خدمة الدين توفي ( محمود القطب ) بتأريخ ( 4/3/1897 ) رحمه الله ودفن في قرية الشورجة التي تحتضن جامعه وتكيته الميمونة.

 

ولد الشيخ عبدالرحمن شورجة بن الشيخ نجم الدين ( صابري ) بن الشيخ عبدالرحمن الثاني بن الشيخ محمود القطب عام ( 1917 ) في قرية شورجة اثناء الحرب العالمية الاولى في ظروف معيشية صعبة من القحط والمجاعة، وتربى وكبر في احضان اسرة دينية مشهورة بالزهد والمشيخة الدينية، ولُقِبَ وعُرِفَ لدى عامة الناس ب ـ( الشيخ عبدالرحمن شورجة ) تمييزا عن الاسماء الكثيرة المماثلة لاسمه وأشتهر بها، وبعد بلوغه مرحلة التعليم درَّسه والده العلوم الدينية وقراءة القرآن الكريم، ومن ثم انتقل الى كركوك لإكمال دراسته الدينية لدى علماء جوامع المدينة ومنهم ( الشيخ ملا عمر كومبتي في جامع النائب و الملا رفيق في جامع دلي باش ولدى الشيخ عبدالمجيد القطب و عند اخيه الشيخ محمد في جامع بولاق)

 

 

وبعد وفاته رحمه الله استلم مهامه في المشيخة نجله الشيخ عبد الكريم في إدارة التكية وامامة المسجد بجدارة وتوفي عام ( 1928 ) ودفن بجوار والده رحمه الله في قرية شورجة، وبعده أستلم المشيخة ابن أخيه ( الشيخ نجم الدين بن الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ محمود القطب ) الملقب في اشعاره بـ( صابري ) وكان جديرا بهذا المهام لكونه قد مارس الامامة والخطابة في مساجد وجوامع القرى المجاورة لقرية الشورجة وله قدرة فائقة في الخطابة وشاعرا مقتدرا وله مؤلفات في الشعر، واستمر في ادارة التكية إلى أن أصابه مرض عضال أقعده عن العمل ووافاه الاجل في شهر كانون الاول عام ( 1944 ) رحمه الله، ودفن في قرية شورجة، وسمعت من احد افراد القرية يمجده في الصدق والامانة، وخلفه في ادارة التكية ارشد اولاده وابنه البار

( الشيخ عبدالرحمن شورجة ) وهو موضوع بحث مقالتي هذه عنه وعن اولاده في الامامة وإدارة التكية والارتقاء بها نحو مؤسسة دينية إضافة لمهامها الاساسية الدينية في الاصلاح والنصح والارشاد وفيما يلي نبذة مختصرة عنهم.

 

 

الشيخ عبد الرحمن شورجة واولاده:

ولد الشيخ عبدالرحمن شورجة بن الشيخ نجم الدين ( صابري ) بن الشيخ عبدالرحمن الثاني بن الشيخ محمود القطب عام ( 1917 ) في قرية شورجة اثناء الحرب العالمية الاولى في ظروف معيشية صعبة من القحط والمجاعة، وتربى وكبر في احضان اسرة دينية مشهورة بالزهد والمشيخة الدينية، ولُقِبَ وعُرِفَ لدى عامة الناس ب ـ( الشيخ عبدالرحمن شورجة ) تمييزا عن الاسماء الكثيرة المماثلة لاسمه وأشتهر بها، وبعد بلوغه مرحلة التعليم درَّسه والده العلوم الدينية وقراءة القرآن الكريم، ومن ثم انتقل الى كركوك لإكمال دراسته الدينية لدى علماء جوامع المدينة ومنهم ( الشيخ ملا عمر كومبتي في جامع النائب و الملا رفيق في جامع دلي باش ولدى الشيخ عبدالمجيد القطب و عند اخيه الشيخ محمد في جامع بولاق ) واستمر في الدراسة الى ان وصل الى مرحلة عالية من العلم والمعرفة الدينية والاجتماعية وعاد الى قرية شورجة أواخر عام ( 1940 ) لينيب عن والده المصاب بمرض عضال في أداء امامة الجامع وإدارة شؤون التكية ورعاية والده الشيخ نجم الدين الذى وافاه الاجل في عام ( 1944 ) رحمه الله وخلف والده في شؤون المشيخة وادارة التكية كخير خلف لخير سلف.

 

أخذ الشيخ عبدالرحمن شورجة الطريقة القادرية الصوفية والبيعة والعهد من والده، وكان الشيخ زاهدا وورعا ويتصف بالصدق والامانة وحب الخير ومساعدة الناس بالأخص الفقراء منهم بكل ما يمتلك وأشتهر بالسخاء بكل ماتعني الكلمة وكان كثير الاعتكاف داخل التكية و خاصة في شهر رمضان متخليا عن ملذات الحياة وانصرف للتقوى وعبادة الله بجميع جوارحه وكان مرجعا دينيا واجتماعيا لكافة الناس في كركوك خاصة ولجميع أنحاء العراق عامة بشهادة تكيته التي تكتظ دوما بالزوار والمريدين وكنا نسمع عن تناوبه بين تكية الشورجة وتكية جده ( الشيخ محي الدين كركوك ) في البقاء والاقامة لربما للتقرب اكثر من مريديه ومحبيه او لشيء ما في نفسه كما في الآية الكريمة [ إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ]{يوسف، 68}. كانت تكيته مركزا لعبادة الخالق العظيم وتعليم اصول الدين والشريعة والشؤون الاجتماعية ومحو الامية والتخلف وتقام فيها حلقات الذكر في المناسبات الدينية دون استعمال الآلات الجارحة قد منعها الشيخ عن مريديه بامتياز عن غيره، وكان علما من اعلام المشيخة كذلك بامتياز دون ان ينحاز الى فئة او طائفة معينة وكرجل دين وايمانه الراسخ بما انزل الله في محكم كتابه عن فئات البشرية مستعينا بالآية الكريمة [ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ]{الحجرات، 13} ولذلك كان مخلصا ومحبا لقوميته الكردية ويسعى بكل إمكانياته المتواضعة لإنقاذها من الظلم والاستبداد ونيل حقوقها المشروعة كسائر الامم وفق النهج الاسلامي والمبادئ الانسانية دون حمل السلاح وسفك الدماء، وكان يتجنب الانخراط في الاحزاب والتقرب من السلطات الحكومية ولم يقبل منها المعونات

 

والمساعدات خشية من استخدام صفته الشخصية الدينية لأسباب سياسية، وبقي الشيخ معززا ومكرما وملتزما بالشريعة والفكر الصوفي ومستقيما في موقعه الديني ومحترما من قبل الجميع إلى آخر لحظة من حياته وترك أثرا طيبا وخالدا في النفوس المؤمنة لا تمحيه غياهب الدهر. [ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ]{الرحمن، 26، 27} وهذه هي سنة حياة الدنيا فقد اصيب الشيخ بمرض وادخل ( المستشفى الجمهوري في كركوك ) ومن ثم نقل  الى ( مستشفى مدينة الطب في بغداد ) ومن ثم اخرج من مدينة الطب بناءً على طلبه الشخصي لتحسن صحته لنقله الى الحضرة الكيلانية منبع طريقته الصوفية القادرية لأداء التقوى وعبادة الله، وبعد مكوثه في الحضرة ما يقارب ( 15 ) يوماً وافاه الاجل في الحضرة الكيلانية بتأريخ ( 31/12/1977 ) ونقل جثمانه الطاهر من بغداد الى مسقط رأسه ومحل تكيته في قرية الشورجة بموكب مهيب يليق بمقامه وشخصيته الدينية والاجتماعية الفذة وتم دفنه بتاريخ ( 1/1/ 1978 ) بجوار ضريح جده الشيخ محمود القطب رحمهما الله.

 

وكنت اسمع اخباره من صديقي وعزيزي ( الشيخ حسيب الشيخ محمد ) رحمهما الله ابن أخيه وكان وفاته صدمة مفجعة لدى الجميع إلا ان تكيته بقيت عامرة حيث تطورت وانبثقت منها مؤسسة دينية رسمية إضافة إلى مهامها الاساسية في الدعوة الى الله والنصح والارشاد بفضل وجهود اولاده الخيرين في إتمام وإكمال الرسالة الدينية والاجتماعية لآبائهم واجدادهم والتي أتخذوها على عاتقهم نحو الافضل وسنأتي اليها في الفقرات التالية أدناه.

قد يعجبك ايضا