نهاد الحديثي
مع ظهور حركات التطرف الإسلامي، وتبوؤ أحزاب دينية لمقاليد السلطة في بعض الدول العربية والإسلامية،ومنها العراق, أصبح عزل المرأة واجبا دينيا على حد زعمهم، فتدهورت الأوضاع الاجتماعية للمرأة ، نتيجة النظرة الدونية الجديدة تجاهها. إضافة إلى معاناتها من أشكال مختلفة من القمع والعنف الأسري والاجتماعي، والمظاهر المسلحة. فأصبح نضال النساء العربيات أكثر تعقيدا، إذ عليهن العودة إلى المربع الأول في تحقيق وجودهن الفاعل في السياسة والاقتصاد والمجتمع, إضافة إلى مواجهة الخوف والفقر والاستبداد. وهذه الأهداف لن تتحقق دون تغييرات جذرية في القوانين وفي نظرة المجتمع والأسرة لوضع حد لإنتهاكات حقوق المرأة من تهميش، وتحرش جنسي وسوء معاملة، ناهيك عن الجرائم التي تطال المرأة لأسباب عديدة , وتعيش المرأة العراقية ظروفا صعبة بدأ بالتحرش الجنسي والدعارة والعنف الاسري والقتل بأسم العرض والشرف , ومن هنا أثار الاعتداء على وقفة احتجاجية سلمية ترفض تعديل قانون الأحوال الشخصية في محافظة النجف، موجة استياءً واسعة بوصفها محاولة لإعاقة حرية التعبير السلمي وتزيد من التوترات الاجتماعية، فيما اتهمت البرلمانية السابقة هيفاء الأمين، مجلس النواب بالمقايضة على قانون العفو العام مقابل تشريع الأحوال الشخصية.
وقالت الأمين إنه ( منذ سقوط النظام السابق، ونحن في صراع وخلاف بشأن نوع الدولة التي نريدها ، ودائما يحصل خلاف على مشاريع القوانين وعلى أسلوب إدارة الدولة ، الدولة المدنية المعاصرة كما يُفترض)، وأضافت (نصطدم أو تصدمنا الأكثرية الحاكمة من الأحزاب الإسلامية في مجلس النواب وفي الدولة ، في موضوعة التعارض مع الشريعة الإسلامية والثوابت والفقه، والغرض من ذلك إسكات الأصوات التي تطالب بدولة مدنية علمانية، وبنفس الوقت تسعى ما استطاعت الى اصدار قوانين وإجراءات الهدف منها تفريغ المضمون الديمقراطي الوارد بالدستور)، واستدركت بالقول (اذا كنتم تريدون دولة إسلامية، فعليكم الوضوح والصدق بمعنى تشريع القوانين الأسلامية قبل الف و400 سنة ذاتها مثل قطع يد السارق وملك اليمين وبيع وشراء الاماء والجواري والعبيد وفرض الجزية وقتل المرتد والفتوحات العسكرية وزواج الرضيعة والاستمتاع بها حسب الفقه الشيعي ومن سن ستة سنوات بالفقه السني ، وقتل الكفار من غير أهل الكتاب الذين يرفضون الدخول إلى الإسلام) على قولها. وأكدت (اما اذا أردتم انتقائية في قوانين الشريعة فمن الواضح أن المستهدفة في هذه الانتقائية هي المرأة ، تزويجها قاصر ومنحها نصف حصة أخيها بالإرث، وجعل شهادتها بالمحاكم نصف شهادة الرجل، وتطليقها حسب رغبة الزوج ، وحرمانها من الحضانة والزواج من أكثر من زوجه حتى اربع زوجات ، واستعباد المرأة عبر الزواجات المنقطعة كالمتعة والمسيار)، ومضت الى القول (نحن المدنيون نعتقد ان هذا السعي المحموم من قبل الأحزاب الاسلامية لإصدار قوانين أحوال شخصية حسب الشريعة والطائفة ، لا يقسّم فقط المجتمع ويجعله جزر غريبة عن بعضها يكفر بعضها البعض، بل هو مسعى بالأساس لخدمة البطرياركية الذكورية الاستبداية، حيث الرجل هو الرب المنصَّب على أتباعه من الزوجات والبنات والأخوات والأطفال ومن بعدهم المجتمع والبلد بأكمله)، وقالت انه (ضرورة عدم الأمضاء او الدفع بمثل هذه التشريعات الجديدة التي ينوي مجلس النواب إقرارها بغفلة من الزمن ، وابقاءها ورق فاقد للشرعية)، وأشارت إلى إنه (للأسف الشديد فإن مجلس النواب الحالي تشكل بعد انسحاب الصدريين ومقاطعة أغلب القوى المدنية والشعبية للانتخابات، والان يقومون بعمل غير نزيه من مقايضة في القوانين، قانون العفو مقابل تعديل قانون الأحوال الشخصية). فيما عبر تحالف الدفاع عن قانون الأحوال الشخصية عن (ادانته الاعتداء الذي وصفه بالسافر الجسدي واللفظي على الوقفة الاحتجاجية السلمية لتنسيقية التحالف في النجف)، معرباً عن (استغرابه من عدم اتخاذ موقف حازم من قبل القوات الأمنية الموجودة لحماية الوقفة، ونحملهم مسؤولية ما حصل، ونطالب بمحاسبة المتورطين فيه)، مؤكداً إن (هذا الاعتداء، هو استمرار لسياسية محاولات فرض الهيمنة السياسية الطائفية على المجتمع)، وتابع البيان إن (ما حدثَ لا يمت للعراق بعد 2002 بصلة ومساعي بناء دولة يحترم فيها القانون والدستور وحرية التعبير، مما ينبغي على السلطات الثلاث استنكار هذا الاعتداء والوقوف بشدة ضده، بما ينسجم من مسؤولياتهم الدستورية والقانونية). من جانبها، أعربت محلية النجف للحزب الشيوعي العراقي، عن إدانتها الشديدة لهذا الاعتداء. وقالت في بيان إن (الاعتداء على الوقفة الاحتجاجية في النجف يعكس تصاعد التوتر بين التيارات السياسية والدينية المختلفة في العراق، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بقوانين الأحوال الشخصية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر)، مشيراً إلى إن (المشاركين في هذا الاعتداء حملوا رسالة واضحة بشأن رفضهم لأي محاولات لتغيير الوضع القائم بما يتعارض مع رؤيتهم الدينية، ما يُظهر القوة والنفوذ الذي ما زال يتمتع به رجال الدين في الساحة السياسية والاجتماعية المحلية)، محذراً من ان (التعديلات على القانون ستؤدي إلى تقسيم المجتمع طائفياً ويهدم كيان الأسرة ويسلب حقوق المرأة والطفل ويبيح زواج القاصرات.
ألأخلاق هي أساس المجتمعات القوية والمزدهرة. فعلاً، وتعتبر القيم والمبادئ الأخلاقية الأساس الذي يحكم تفاعلاتنا وتصرفاتنا في حياتنا اليومية. ومع ذلك، وللأسف الشديد يواجه المجتمع اليوم تحديات جمة فيما يتعلق بالأخلاق وفهم الحرية…فقد لاحظنا في السنوات الأخيرة تفشي ظواهر مثل الفساد، والعنف، والتمييز، والتعصب، والتطرف، والتصرفات النمطية غير الأخلاقية.. كل هذه المشاكل تشير إلى أزمة عميقة في قيم المجتمعات وفهمها الخاطئ لمفهوم الحرية…تعد الحرية قيمة عظيمة وأساسية في بناء المجتمعات الحديثة. إنها الحق الذي يمنح الأفراد القدرة على التعبير عن آرائهم والاختيار والتصرف بحرية داخل إطار القوانين والأعراف المجتمعية…ومع ذلك، فإن استخدام الحرية بشكل خاطئ قد يؤدي إلى انعدام التوازن في المجتمع وتدهور الأخلاق وإلى مشاكل مجتمعية كبيرة .. من المثير للقلق أن نرى كيف يتم استغلال الحرية في طرق غير أخلاقية ومدمرة. فالحرية ليست تبريرًا للتصرفات الاندفاعية والتجاوزات الأخلاقية. إنها بالأحرى دعوة للتحلي بالمسؤولية الشخصية والاهتمام بمصلحة الآخرين ورفعة القيم الأخلاقية في المجتمع.
قد تكون أزمة الأخلاق التي نواجهها اليوم نتيجة لتعزيز الفردية على حساب المصلحة العامة. إن التركيز الزائد على الذات والتحقق الشخصي قد أدى إلى تحجيم قوة الروابط الاجتماعية وتهميش القيم الجماعية والأخلاقية. إذا لم نتحلى بالتوازن بين الحرية الفردية والمسؤولية الاجتماعية، فقد نجد أنفسنا في مأزق أخلاقي كبير يهدد استقرار وتنمية المجتمعات… فمن الضروري أن نعمل على تعزيز الوعي الأخلاقي وترسيخ القيم الأخلاقية في النفوس. ويجب أن نشجع على احترام الآخرين والتسامح والعدل والصدق والنزاهة. و نتعلم كيف نستخدم حريتنا بشكل مسؤول وندرك أن حقوقنا ليست بالضرورة تعني إهمال حقوق الآخرين.
إن تجاوز هذه الأزمة الأخلاقية الكبيرة في المجتمع وفهم الحرية بشكل صحيح يتطلب منا تغيير في تفكيرنا وسلوكنا. يتعين علينا أن ندرك أن الحرية ليست حقًا للتصرف دون تفكير، بل هي فرصة لنتخذ قراراتنا بحكمة وأخلاق, الأخلاق والحرية لا تتعارضان، بل تتكاملان لبناء مجتمع أكثر تقدمًا وتعاونًا .لذا، دعونا نتحمل مسؤوليتنا الأخلاقية ونسعى لنشر الوعي والتوجيه الصحيح بشأن الحرية والأخلاق. لنكن قوة إيجابية تؤثر في المجتمع وتلهم الآخرين للعيش بأخلاقية واحترام تام للحرية وحقوق الآخرين. إنها رحلة طويلة، ولكنها رحلة قابلة للتحقيق إذا ما اجتمعت قلوبنا وعقولنا لصنع المجتمع الذي نحلم به…وكما قال امير الشعراء الراحل أحمد شوقي :
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَت
فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا..