عزلة ثلاثة عشر عاماً

ماهين شيخاني

بعد دراسة من كل الجوانب المتعلقة بوضعهم المالي، قرروا تلبية دعوة لحفلة زفاف. هي فرصة لأجل فك عزلة ثلاثة عشر عاماً عن أنفسهم، كانت أصعب من عزلة مئة عام للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز. ولتهدئة أعصابهم المتوترة من تهديدات جارهم “باكور”.

اتصل بسائقي السيارات لمعرفة التسعيرة، جلهم تحججوا بأنهم لم يناموا الليل، للحصول على عشر لترات من المازوت ولهذا أصبحت الأجرة لا تتوافق مع ما كانا يصبوان إليه، قال في سره:

دخانهم وصندويشاتهم على حسابنا.

– ردًت الزوجة غاضبة: دع الكتب والنزاهة تنفعك، الشبان الصغار يملكون السيارات الفارهة، وأنت تتحدث عن القيم والمبادئ والقيم، تماشى مع الجو، المكابرة والعناد لن يفيدنا، أبحث عن وظيفة بعيدة عن الفاسدين.

أنا محتارة..؟ هذا الفستان من أيام الشرارة الأولى بدرعا، مازالت دموعي التي ذرفتها على الطفل “الخطيب” عليه.

– يا حبيبتي، ساعتان وتمضي، استهدي بالله، أصلاً لن ينتبه أحداً إلى ثوبك لكلٍّ همه.

وفي الصالة، حيث الدهشة، البساط الملوكي الممدود والأضواء المبهرة، مغنيان وفرقتهما، بكامل شياكتهم ورائحة عطورهم تزكم أنوف الحضور، الفنان الكوردي على هيئة “جون ترافولطا ” والمغني العربي صاحب أغنية “أگبل عليَّ الغالي” على هيئة “مايكل جاكسون”.

جداران من الأوادم لاستقبال العرسان، ذات السراويل “الخصر واطي” يبان ربع مؤخرتهم المقززة والشابات تبرزن معظم صدورهن على طرفي الأعمدة والستائر الشفافة الراقية والعروس تخطو وخلفها بأمتار فتاتان تمسكان بطرفي الطرحة التي تكاد تصل إلى خمسة أمتار، وكأنها زنوبيا بتاجها المستعار، كبير المصورين مستورد – حسب رغبة العروس – يأمر بكيفية تحرك العروسين ويدور حولهما بحركات متمايلة وكأنه شجرة تهزها النسيم، يقرفص حيناً ويتمايل حيناً آخر على أنغام موسيقى أجنبية، والبداية الموسيقى التي تعزف أثناء استقبال الملوك والتي اشتهرت بها الأفلام الأميركية، والألعاب النارية والإضاءة الكهربائية.

عالم خارج مساحة آلامنا وأوجاعنا وجوعنا، تتطاير الأوراق النقدية على رؤوس العرسان، الأطفال يلتقطون الفئات النقدية بين أرجل المحتفلين، انحناءة عازف الطبل أمام الشبان، يُدس رزم النقود بجيبه، والأكثر دهشة الشخص الذي يُضَيِّف القهوة، الكل يدس في يده أو جيبه، إلا هو، كلما اقترب منه، تمسه صعقة كهربائية، يدير وجهه لجهة معاكسة، ويسأل ذاته:

يا ترى كم استفاد هذا النادل الليلة..؟

بحسبة صغيرة ساعتان، مليونان، فما بالنا لو حسبنا جميع المصاريف، انتبه لصغيره، احتقر ذاته، ليس بمقدوره أن يضع في يده ورقة، والمئات أمام المغني الأكسل بين طلابه، تنهد وتذكر أستاذه حينما قال: تعال لأعلمك العزف، لكنه اعتذر.

يا الله… لِمَ هذا البذخ…؟ من أين يجيئون بهذه المبالغ الطائلة، لو جُمعَ هذا المبلغ الذي نثر على الأرض، لاستنفعت به عشرات العوائل لمدة شهر..

زارته فجأةً ابتسامة قاحلة، تذكر حفلة مشابهة لهذه الحفلة الباذخة، حينها استأجر العريس أفخم سيارة ومرافقين ونظارات سود على عيونهم كأفلام هوليوود، وبعد مضي أقل من سنة باع سيارته ورهن بيته، وفي ليلة ظلماء، خرجا مع المهربين، وترك خلفهما ملايين الديون، ولا أحد يدري مكانهما، سوى شائعات بأنهما افترقا.

ما هذا العالم الغريب، مجرد سهرة ماتعة وبعدها شقاء، شبابنا يَفتخرون أمام رفاقهم ومعارفهم لسويعات فقط، ما يهمّهم أن يَكون حَفل الزِفاف مُبهراً وأن يَرقُصا بِوقاحة خارجة عن عاداتنا. ويبدو فارساً حاملاً سيفه لقطع التورتة وتَبدو هي جورجينا رزق أو أميرة كما في الأفلام.

لا أحد يفُكر في الخطوات المستقبلية ولا المسؤوليات القادمة على عاتقهما، أناس كثر اصطدموا بالحياة القاسية، المولود مصروفه أضعاف ما ينفق على البيت، سمعتُ زوجات تَحطمت حياتهن لأن الزوج يحاسبهن على تسخين الطعام، تتزايد المسؤوليات والمشاكل. ويكتشف (الزوجان) أن الأمر ليس سهرة راقية في أحد الفنادق فقط، بل وراءه جبل من المسؤوليات المُرهقة، ولهذا يَتم الطلاق الآن الأسرع من أي وقت مضى.

قد يعجبك ايضا