امنية كانوني من المغرب …
أخذ الحاج علي يلبس حفيده الحذاء الجديد صبيحة يوم العيد يحدثه بكل رفق وهدوء ثم ضحك ضحكة عالية على غير عادته غلب عليها الدمع فانهزم لباب الذكريات…
كان اليوم ممطرا حين خرج من مدرسته مسرعا، البرق يكاد يخطف الأبصار و صوت الرعد و الرياح كان مخيفا. تملكه الرعب إلى درجة الإختناق فاختبأ تحت شجرة يراقب من بعيد حماقات رفاقه يلعبون ويسقطون متدافعين في برك المياه الراكدة. لوح عليه صديقه يوسف قائلا: لم تختبئ يا علي كالقطط؟ هز كتفيه هامسا: كل الحيوانات تعرف حيل الإختباء إلا أنا.
تنهد تنهيدة عميقة وحبس أنفاسه ثم انطلق مهرولا يراوغ المياه بقدميه النحيفتين حتى لا يتبلل سرواله الممزق. تسللت إلى قميصه قطرات فاتجه الى باب منزل عريض للإحتماء لأن معطفه البلاستيكي لا يقدر على المقاومة فانزوى تحت سقيفة خشبية كاتما انفاسه أصوات الأمواج كالأشباح تذكر حينها كلام أبيه عن غدر البحر و قصص الفياضانات التي تسببت في قتل سكان المناطق المحيطة به فارتفعت دقات قلبه الصغير و انهمر باكيا.
اختلطت دموعه بقطرات المطر و ما ان خطى خطوتين حتى انزلقت قدماه في الوحل وضاعت فردة حذائه اليسرى، حاول جاهدا التمسك بها لكنه بدأ يهوي إلى الأسفل فصرخ عاليا و كأن الرصاص اندلع من جديد. أحس بيد تهزه إلى الأعلى و صوت دافئ يقول: لا تخف بني أنا عمك صالح. حمله بين ذراعيه مسافة طويلة وهو يحكي حكايات لم يكثرت لها كثيرا فكان انشغاله الوحيد ردة فعل أمه. مسح على رأسه عند الوصول ثم همس كلمات في أذن أمه لم يسمعها من شدة الخوف. نظر لعينيه قائلا: المطر يجلب الخير يا بني ثم ابتسم وانصرف تاركا إياه وسط البيت مبللا حافيا، أزالت الأم ملابسه بقسوة و ألبسته جلبابها الصوفي فانكمش في زاويته المعهودة ينظر إليها عن كثب، تسرع لجلب أواني المطبخ لوضعها تحت ثقوب سقف البيت لما تجتمع القطرات تفرغها بخفة لتعيدها من جديد إلى مكانها.
ظلت على هذا الحال إلى أن نام محتظنا جلباب أمه الدافئ. تغيب صباح اليوم التالي عن المدرسة فأخذ يحتسى حساء بملعقته الخشبية ثم نهض ليفتح الباب بعد سماعه للدقات المتواصلة. دهش لما رأى العم صالح يحمل حذاء أسود من الجلد الممتاز و أشياء أخرى. فصاح من فرحته: اليوم يوم عيد. أجابه صالح: اليوم يوم دراسة و عمل لا للكسل يا بطل. ألبسه الحذاء بحنان فانصرف ضاحكا إلى مدرسته بكل ثقة و افتخار مارّا من أرقى شوارع الدار البيضاء يقفز و يجري بحذائه الجديد إنه عجيب يستطيع أن يفعل به المستحيل حتى مياه البحر لن تقدر على تمزيقه. بينما كان في حوار مع حذائه قبض عليه حارس ممتلكات أحد الفرنسيين أمام أنظار الجميع قائلا بلكنته القروية و نبرته الحادّة: انزع هذا الحذاء أيها اللص الحقير. نظر إليه الصغير باستغراب و بدفعة واحدة حمله عاليا و طرحه أرضا ثم نزعه بعنف شديد و هو يقول: أمثالك لا تلبس هذه الأحذية.