محمد سعيد الصكَار يتلألأ بين الأدب والصحافة والفن

 

مرتضى الجصاني

الحديث عن تجربة الأديب والفنان الراحل محمد سعيد الصگار لا يمكن أن يختزل في مقال أو محاضرة لأنه جزء مهم من تاريخ التجربة الفنية الحديثة للفن العراقي، كما من المجحف أن نتحدث عنه كخطاط أو مصمم فقط ونتجاهل اشتغاله الأدبي والشعري الذي توهج في فترة الستينات إلى جانب جيل كبير من الشعراء والأدباء في تلك المرحلة.

 

 

لكن ما يميز تجربته هو شموليتها وموسوعيتها إذا صح الاصطلاح، إذا بحثنا في سيرة الصگار سنجد أنه متفرّد في كل مجال اشتغل فيه والتفرّد شيء قليل ونادر ومميز، وهذا ما نجده في مشواره الأدبي والفني، لا شك أن تجربته كشاعر وصحفي وأديب لا يمكن تجاهلها وهي غنية أثمرت عن دواوين شعرية عدة ورواية وقصص ومسرحيات، إلّا أنّ تجربته كفنان مجدد كانت فريدة من نوعها وريادية.

 

 

يهتم الصگار بالتجريب والتحديث والابتكار ومن ثم البناء على تلك التجربة، ويمكننا القول إنه ليس فقط كان يغرّد خارج السرب بل هو من الأساس بعيداً عن سرب التقليد واجترار الماضي لأنّه من أوائل الخطاطين الذين حاولوا أن يكون الخط العربي فنّا بحد ذاته وليس أيقونات رمزية يستخدمها الفنان التشكيلي في لوحاته، وبذلك استخدم ألوان الاكريليك وغيرها في تنفيذ أعماله وخطوطه التي ابتكرها في نهاية الخمسينيات وبداية الستينات والتي كانت موظفة لأعمال محددة، لكنه ما لبث أن طورها إلى خطوط فنية مستقلة يمكن أن يكتب فيها لوحات فنية تخضع للنسق الفني المعاصر في حين كان الخطاط لا يستخدم غير الحبر الأسود في تنفيذ اللوحة الكلاسيكية ولم ينتهِ شغف الصگار في الخط العربي وفي البحث في هذا الفن العريق، إذ تعد ثقافة الصگار الخطية موسوعة فنية تتميز بالعلمية والمهنية العالية في طرح الأفكار الجديدة ومناقشتها والاشتغال عليها بعيدا عن تأثره بأنماط أخرى طارئة فنيا، إذ نجد كل نتاج الصگار كان أصيلا بمعنى أن ما أنتجه من خطوط مبتكرة وأعمال فنية وتصميمات مختلفة كانت مستمدة من جذور الفن العربي، وعزز ذلك في معارضه التي أقامها في داخل العراق وخارجه، ومن هنا يمكن القول من أراد أن يدرس الخط العربي لا يمكن أن يتجاوز قامة كبيرة في الخط العربي مثل محمد سعيد الصگار الذي عمل بشغف كبير وجهد لا يمكن تخيله في سبيل إنضاج تجربة الخط العربي وتكوين صورة مختلفة عن هذا الفن وتحويله من الحرفة إلى العمل الفني، وهنا بعض من سيرة المرحوم الخطاط والشاعر محمد سعيد الصگار.

 

 

ولد محمد سعيد الصگار في ديالى عام 1934 في بلدة المقدادية، شرقي بغداد، لكنّه نشأ في مدينة البصرة جنوبي العراق، ولكنه في عام 1978 انتقل لفرنســا وأسس مؤسـسة منشورات الصكار وعمل فيها مديرا ومتفرّغاً لفنّه ومرسمه.

مارس الصگار العمل الصحفي منذ عام 1955 إذ عمل محررا ومصمما وخطاطا كما أسس وأدار أربعة مكاتب للإعلان في البصرة وبغداد وباريس. أقام العديد من المعارض الشخصية وأهمها في المتحف الوطني للفن الحديث بغداد/ 1970، والمركز الثقافي الفرنسي 1973 – 1975 في بغداد، معرض الأبجدية العربية المركزة عام 1974 في باريس، معرض الخط والزخرفة العربية في لندن عام 1976. معرض البعد الواحد/ بغداد / 1971، 1974، معرض الفن العراقي المعاصر/ بغداد 1971، 1974، المعرض الدولي للكتاب موسكو/ 1975، معرض الكتاب العربي/ القاهرة/ معرض الفن الحديث في العالم الإسلامي 1976، قدم استشارات خطية وزخرفية لعدد من المؤسسات والمكاتب المعمارية في بلدان مختلفة.

أما أعماله الأدبية فقد صدرت له عدة دواوين شعرية منها أمطار 1962، برتقالة في سورة الماء 1968، الأعمال الشعرية – ومجموعة شعرية باللغة الفرنسية 1995، ومن مؤلفاته الخط العربي للناشئة، أيام عبد الحق البغدادي. حصل على جوائز وزارة الإعلام العراقية لتصميم أحسن غلاف 1972، وجائزة دار التراث المعماري لتصميم جداريات بوابة مكة 1988، وترجمت بعض قصائده إلى الانكليزية والفرنسية والألمانية والدنماركية والبلغارية. زار العراق وأقام معرضا بالمركز الثقافي الفرنسي، أقام المركز الثقافي العراقي للخط العربي له حفل تكريم ومنحه وسام الإبداع عام 2011.

 

توفي في العاصمة الفرنسية باريس يوم الأحد 23 مارس/ آذار 2014عن عمر ناهز الثمانين، تاركا ارثا من الاعمال الشعرية والفنية التي جعلت منه أحد اهم فناني الخط العربي والزخرفة في العصر الحديث.

قد يعجبك ايضا