فاضل ميراني*
لم تزل مساحات كبرى بشرية و جغرافية في الشرق الاوسط تترنح في صراع قديم متجدد لم تسلم منه اي منطقة ضمن هذه الكتلة، فلقد مرت المنطقة بتبدلات خلال القرن الاخير، شهدت تزحزح حدود زيادة و نقصا، و تأسست على الماضي انظمة متنوعة الهوية الحاكمية قليل منها ادرك مكانه ضمن الاستقرار.
فبمرور سريع على عناوين الدول في المنطقة سيظهر تاريخ تحولها من نظام سياسي لآخر في ظل محور او بنتيجة الصراع مع محور آخر بحثا عن نفوذ تقاسم لتركة كتلة كانت ممتدة على اغلب مناطق جغرافيا المنطقة.
لا تأتي الثورات دوما بالطموح المرجو للحكم، فعوامل عدة تتدخل و تتداخل ساعة الامر الواقع، هنا يكمن الشيء الجوهري في كشف القابلية على تحقيق الهدف، و لطالما اثبتت التجارب عمق و سمك الفوارق بين دوافع الثورات و التبدلات الاعتيادية و بين النتائج المتحققة و التي جلبت كوارث لا على منطقتنا وحدها بل ان ذلك الامر سبق ثم تكرر في اغلب مناطق الصراع و تحت عناوين متشابهة مع عناوين الصراع في منطقتنا، عناوين قومية و/ او عقائدية روحية و / او عقائد فلسفية وضعية فيما يجري التكتم على الجانب المصلحي البحت، اذ انه امر لا يصرح به لما يسببه من انكفاء لدافع المطالب.
لا تخلو منطقة الشرق الاوسط( مدار البحث) من حجج جرى استثمارها و سيجري لايجاد او تجديد الصراع، فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية و الى الوقوف على حافات الثالثة، مرت على مقدرات هذا الخط الجغرافي حروب دولية و نزاعات حدودية و جولات ضربات استخبارية و تناحر ديني و مذهبي، بحيث عجلت انظمة بزوالها و انظمة استبدلت محركات حكمها بمنظومة سياسية غيرت موازين القوى و الاقتصاد، و صار بأمكان صاحب الاقتصاد الرصين الطموح ان يكون لاعبا مؤثرا دون ان تنتقص منه مساحة كيانه السياسي الصغير، فيما الكبير مساحة و عدد نفوس صار تابعا او يكاد يأخذ دوره ليكون تابعا، اذ ان القوى الاكبر صارت تراجع عقائد المنطقة كلا على حدا و تؤشر على امكانية تضررها او حلفائها من ممارسة السياسية من وحي عقيدة مرفوضة عندها.
بقايا دول
لا مجاملة في القرارت الحاسمة، فقرار الحرب و قرار الاشتراك فيها قرار مكلف ايا كان مكان صاحب البندقية، و النأي عن الحرب حفظا لدولة او حفظا لبقايا دولة قرار شجاع ليس سهلا اتخاذه و ليس هينا اقناع المتصارعين بأتخاذه، سيما و ان قرار الحرب و السلم قرار عقل لا عاطفة، يبنى على خريطة امكانات و ربح و خسارة و مبررات و استعداد لمواجهة نتائج القرار، و ليس خافيا ما هي معاصرات و توابع و لواحق الحرب و تفتق جبهات معارك قد لا تكون في الحسبان. ثمة انظمة كثيرة تثري من الصراع، فهي ترى السوق و ترى مصالح صادراتها اين تكون، هذا امر، و الاهم منه هو: لم التورط في نزاع يحول بنى تحتية كاملة او تكاد تبنى او تتعافى الى خراب و حاجة لتأهيل؟
لا يخفى وجود قوى داخلية في كل نظام تريد مثل هذه النزاعات فهي تستغلها لتقوية جذرها و لكسب دور اثرائي استثماري، و معلوم مثل هذا الواقع و شواهده ظاهرة و قريبة. اخطر مشاركات النزاع هي تلك التي تسجل عدم سيطرة السلطة على قرارها حيادا او مشاركة، اذا حتى اذا توافرت فرص فوز الحليف فلا مجال ليكون القرار السياسي للطرف المساهم في مرتبة ثانوية فيما مرتبة المتعاطفين هي الاعلى، فذلك يعني خواء القرار السيادي، او ان القرار السيادي بيد اخرى غير يد الدولة. نادرا ما تفصل القوى الكبرى في المواقف الرسمية للردع بين الكيان السياسي و القوى المحسوبة عليه، فهي ان ضربت او عاقبت فنارها عمياء لا صديقة.
نيران الشرق الاوسط مرشحة لتكون بركانا اخذا بالنشاط، ولا ضمان لنجاة مغامر.
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني