متابعة ـ التآخي
تعد الرياح بمنزلة المفتاح لمستقبل الطاقة النظيفة؛ فهل يمكن لتوربينات الرياح على المباني أو خطوط سكك الحديد أو المطارات أن تكون مصدرا جديدا لنسمات من الهواء النقي والطاقة؟
يتفوق الاستثمار في طاقة الرياح المتجددة، جنباً إلى جنب مع الطاقة الشمسية، على الطاقة المنتجة من الوقود الأحفوري مثل الفحم أو الغاز، لكن مزارع الرياح تتطلب مساحة أكبر بكثير من محطات الطاقة غير المتجددة.
وفي الحقيقة فانه من الصعب للغاية الحصول على الموافقات المطلوبة لتركيب توربينات الرياح الشاهقة في المناطق الريفية في الدول المعنية لأنها تؤثر على مساحة المناطق الخضر، ويرجع ذلك جزئيًا إلى حماية البيئة، ولكن أيضًا إلى معارضة السكان المحليين (الذين لا يرغبون في تواجدها بالساحات الخلفية لمنازلهم) وغالبًا ما يكون ذلك بسبب الآثار الجمالية.
في الوقت نفسه، تتطلب مشاريع طاقة الرياح البحرية استثمارات رأسمالية ضخمة وتواجه أيضًا رد فعل عنيف من المجتمعات الساحلية.
بدلاً من الاتجاه نحو تأسيس البنية التحتية لطاقة الرياح بالمناطق الريفية البكر بما يفسد المظهر العام لدى السكان المحليين، هل يمكن توليد طاقة الرياح في المناطق الصناعية والحضرية الأكثر تطوراً؟
من شأن هذا النوع من الحلول بالنسبة للمواقع أن تساعد دولاً، مثل ألمانيا، التي هي بحاجة إلى زيادة سعة طاقة الرياح النظيفة بسرعة لتحقيق الأهداف المناخية.
مع الموافقة على تخصيص 0.8 بالمئة فقط من مساحة الأراضي في ألمانيا لطاقة الرياح البرية ابتداء من عام 2023، تريد الحكومة مضاعفة المنشآت الخاصة بالأمر إلى أكثر من الضعف لتصل إلى 2% بحلول عام 2032 لتحقيق أهدافها في مجال الطاقة المتجددة.
حتى الآن، تعد مزارع الرياح أقل شيوعًا في المواقع الحضرية لأن المباني تعوق وتبطئ الرياح عالية السرعة المطلوبة لتشغيل التوربينات التقليدية.
وفي المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، مثل فلاندرز في بلجيكا، لطالما أجبرت صعوبة الحصول على إذن تخطيط لمشاريع طاقة الرياح في الأراضي المفتوحة المستثمرين على البحث عن مواقع بديلة في المناطق الصناعية مثل الموانئ والطرق السريعة أو بجوار خطوط الكهرباء.
فجرى مثلا إنشاء مزرعة رياح في محطة زيبروج لعبّارات السفن في بلجيكا حيث يعبر الركاب بحر الشمال إلى المملكة المتحدة وترسو كذلك ناقلات الغاز الطبيعي المسال (LNG).
ويقول الرئيس التنفيذي لميناء زيبروج، توم هاوتيكيت، إن عملية الحصول على التصاريح الخاصة بالتوربينات الخمسة في عام 2021 “جرت بسلاسة”. وأضاف أن مناطق الميناء الصناعية تعد “موقعا مثاليأ” لمزارع الرياح، وإن قدرة طاقة الرياح في الميناء تصل الآن إلى 200 ميغاوات.
قامت شركة السكك الحديد الوطنية في النمسا ببناء ما تقول إنه “أول توربين رياح في العالم مُصمَم لتوليد الطاقة لتشغيل القطارات الكهربائية”.
ويتواجد التوربين الذي يبلغ طوله 200 متر في بلدة هوفلين في النمسا، ويمكنه أن يغذي بالكهرباء ويُشغل نحو 1400 رحلة قطار سنوياً على الطريق بين العاصمة فيينا ومدينة سالزبورغ.
وتقول السكك الحديد النمساوية إن النموذج الأولي لتوربينات الرياح ما هو إلا البداية، اذ ترغب في زيادة حصة الكهرباء المولدة ذاتيا من مصادر متجددة في إمدادات الطاقة لسكك الحديد إلى 80 بالمئة.
كما يجري أيضا تركيب توربينات الرياح على طول مسارات سكك الحديد بحيث يمكن استغلال هبوب الرياح الناتجة عن القطارات المارة لتدوير الشفرات. ففي الهند، قامت شركة السكك الحديد الهندية “ويسترن ريلواي” بتركيب خمسة توربينات رياح صغيرة تستعمل شفرات عمودية على طول المسارات في مومباي لتوليد الطاقة. والآن في مرحلة التطوير، تأمل شركة سكك الحديد في توسيع نطاق تكنولوجيا الطاقة النظيفة لخفض بصمتها الكربونية عبر شبكة قطاراتها شبه القارية.
في مطار لوف فيلد بمدينة دالاس بولاية تكساس الأمريكية، يعمل نموذج أولي لتوربينات تعمل على إنتاج الرياح من الطائرات المارة وتحويلها إلى طاقة.
وتعمل شركة Jet Wind Power، وهي مؤسسة ناشئة بمجال تكنولوجيا الطاقة النظيفة، مع المطار لاختبار إمكانية تسخير هبوب الرياح، ليس فقط من الطائرات التجارية، ولكن من المقاتلات النفاثة التي تقلع من حاملات الطائرات في أثناء مرورها أعلى منصة تحتوي على ثلاثة توربينات.
وفي الوقت الحالي، يجري استعمال الطاقة المولدة من التوربينات لتشغيل السيارات الكهربائية في مطار دالاس. ومع ذلك، من المقرر أن يتوسع النموذج الأولي لاستعمال الرياح عالية السرعة التي تنتجها حركة القطارات السريعة، فضلا عن حركة السيارات على الطرق السريعة.
وفي حين تظل توربينات الرياح ذات الشفرات الأفقية هي الطريقة الفعالة لتسخير طاقة الرياح على نطاق واسع في الحقول المفتوحة، هناك موجة جديدة من الأجهزة الأضيق نطاقاً تستعمل شفرات أفقية من أجل التقاط الرياح في المناطق ذات المباني أو المناطق المزدحمة.
ولهذا ابتكرت شركة فرنسية تُدعى “نيو وورلد ويند” شجرة رياح تستعمل صفائح على شكل أوراق الشجر Aero Leaf لالتقاط الرياح القوية أو الضعيفة في المناطق الحضرية من دون ضوضاء؛ ويمكن لشجرة الرياح، التي يجري تركيبها في حديقة أو فناء أو شارع، أن تزود أي شيء بالطاقة بداية من المكاتب وصولا لمحطات شحن السيارات الكهربائية.
وفي الوقت نفسه، يمكن لتوربينات الرياح متعددة الاتجاهات الخالية من الشفرات التي يطلق عليها اسم O-Wind أن تستغل الرياح من أي اتجاه.
ويمكن تركيب هذه الأجسام الدوارة في المناطق السكنية وعبر البنية التحتية الحضرية، والهدف من ذلك هو توليد طاقة نظيفة في داخل المدن التي تستهلك ما يقرب من 80 بالمئة من إجمالي الطاقة الكهربائية، وفقًا للأمم المتحدة.