اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 23- 7- 2024
لها العديد من المساهمات في النشاطات التي تخص الاطفال، ومن اهمها تأليف قَصَص لهم ومنها المجموعات القصصية الثلاث للاطفال التي نوردها وهي: ( حمدان والسلطان، طيبة الطـَّيـِّبةُ، و قلائد الكاردينيا) على التوالي، التي صدرت عن وزارة الثقافة والسياحة والآثار- دار ثقافة الاطفال- مكتبة الطفل. انها أحلام غضبان الطائي المندلاوي.
من المجموعة القصصية للاطفال ( حمدان والسلطان) المطبوع في دار الشؤون الثقافية العامة- بغداد عام 2020 نورد:
– ” قرية العم صادق
العم ( صادق) شيخ كبيرٌ.. طيبُ القَلبِ صادِقُ الكلمةِ يُحبّه أهل القريةِ ويُحبّهُم لا يَقْطعونَ أمراً إلا بمشورتِهِ.. وأهل القريةِ مُتحابّونَ يَعيشون بهدوءٍ وسَلامِ وبَرَكة الشيخ الكبير. صَباحَ أحد الأيام.. نَهضَ العَمُ صادق باكراً كعادتِهِ حَزَمَ أَمتِعتَهُ وَامْتَطى حِمارَهُ وفي أثناءِ سَيرِهِ بَينَ طرقات القرية سَألَهُ أحد المارة:
– إلى أينَ أيّها العَم الطيب؟
العم صادق: لِزِيارَةِ أحدِ الأقرباء
قال الرّجلُ: لا تَغِبْ عَنا كثيرا يا شيخنا؟
العم صادق: بإذن الله
لكن الأقدار شاءَتْ أَنْ يَمرضَ العَم صادق ويمكتَ عندَ أقرِبائِهِ مُدّةً طويلة.. فيها تغيرت أحوال القرية وتغيّرتْ صِفاتُ أهلها!!!. إذ لَمْ يَعُدْ ( سلمان) يَحْرُصُ على زيارَةِ جارِهِ ( ناصر) وهو يَحمِلُ بَينَ يَديهِ صَحْنا فيهِ بَعضُ ممّا يأكل سلمان وعائلته. ولَمْ تَعُدْ ( سلمى) تَلْعَبُ مَعَ صديقتِها ( سناء) والجَدَّةُ ( رابحة) تُنادي أحفادها ليُساعِدوها في النهوض ولا أحد يُجيبُ فتضطر هي بَعدَ مُعاناة كبيرة إلى الوقوف على قدميها الضعيفتين وبمساعدة الجدار الأصم!! فالكل أصبحَ مُنشغلاً بِنَفسهِ وَلا أحد يعلم ما يحدثُ للآخرِ بَلْ لا يهمه ذلك!. وذاتَ مَساءِ وَصلَ الشيخ حدودَ قَريته وفي أثناءِ دُخُولِهِ وَقفَ الحِمارُ مكانَهُ لا يستطيعُ الحَركة!.
قال الشيخ مُحدّثاً حِمارَهُ: يَبْدُو أَنكَ تَعِبتَ، أَنتَ محقِّ لَقَدْ كانَ مِشواراً طَوِيلاً.. لأنزِلَ وأَتَقدَمَ أَنا في دخول قريتنا الجميلة، لكن يا إلهي! ماذا يحدثُ؟ أَنا أَيضاً لا أقوى على السير!. ماذا يجري؟!!.
هنا عَلا صوت مزعج مِنْ بين أقدامِهِ قائلا: لَنْ أَدعَكَ تَدخُلُ أَيها الشيخ الكبيرُ إذ لَمْ تَعدِ القرية قريتَكَ فَكل شَيْءٍ فِيها قَدْ تغيّر بفضلي أنا وأولادي الثّلاثَةُ!!.
سأل الشيخ مُتعجبا: مَنْ أَنتَ ومَنْ أولادُكَ وما تُريدُ؟!.
الصوت المزعج: أَنا شَبحُ الخراب وأولادي هم الكُرْهُ والكَذِبث والنِّفاقُ. ومَا أَرِيدُهُ سَوفَ يَتحقق في هذه القرية”.
ومن المجموعة القصصية للاطفال ( طيبة الطيبة) الذي طبع عام 2013 ضمن مطبوعات بغداد عاصمة الثقافة العربية، نورد قصة بعنوان ( جدتي الحبيبة):
– ” الكل يتحدث ويضحك.. إلا هي..! ( سامر) منهمك في سرد قصة صديقه ( ناهض) الذي اختفت حقيبته عند الخروج الى البيت.. ظل يبحث ويبحث، لكن من دون جدوى، حتى اشرّت له فعرف انها مكيدة من مكائد ( مهند) معه!!. و ( هيا) جاءت بكعكة كبيرة بعد ان بقيت ساعات طوال من النهار في المطبخ وهي تصنعها.. وخلفها ( مها) تحمل الصحون والعصائر.. اخذت السكين وبدأت بتقطيعها، ثم قالت: ( تفضلي يا أمي تذوقيها أنت أولاً..)). آ.. آم.. م.. انها لذيذة.. سلمت يداك يا بنيتي.. قالت ماما ثم أضافت: ( اصنعي لنا واحدة مثلها يوم الجمعة لنأخذها معنا في زيارة بيت عمك ابراهيم). بهذه الكلمات كان جو غرفة الجلوس يفيض بالألفة والمحبة.. غير ان الجدة الحبيبة كانت تنتظر وتستمع الى الجميع بصمت تلفه مسحة حزن على وجهها.. آلَمَني منظرها وجلوسها هكذا.. من دوننا ومن فورها جلست ( طيبة) الى جوارها.. يبدو انها أحسّت بها هي الاخرى مثلي.. وضعت قبلة حب واحترام على يدها ثم قالت لها كي تشكرها في الحديث معنا وتنزع عنها مسحة الحزن بعد أن امعنت النظر لبرهة في وجهها: ( كم انت جميلة يا جدتي؟ ليتني اشبهك).
ابتسمت جدتي قائلة: ( بل انت اجمل يا عزيزتي؟!).
مازحتها طيبة ببراءتها قائلة: ( اقد احسن جدي اختياره لك يا جميلة الجميلات).
ضحكن جدتي وعيناها تفيضان بالدمع خجلاً من حديث حفيدتها ( طيبة) الرقيقة.. ومن كل الحاضرين.. بينما طيبة واصلت حديثها: ( ترى هل كان جدي رحمه الله مثلك جميلا يا جدتي؟!).
احمَّرَ وجه جدتي خجلا وحياءً من قول حفيدتها طيبة.. وبعد برهة صمت بدت الجدة شاردة الى سنوات مضت، ثم عادت وقالت لها: ( حبيبتي، جدك كان جميلا بشجاعته وهدوئه وطيبة قلبه التي تشبه طيبة قلبك التي ورثتها عنه!). قالت طيبة بابتسامتها الرقيقة: ( وعنك يا جدتي). مقبلة اياها”.
ومن المجموعة القصصية للاطفال ( قلائد الكاردينيا) التي تم طبعها في مطبعة دار الشؤون الثقافية العامة عام 2018 نورد القصص التالية منها:
– ” حصالةُ أُمِّي الجميلة
لدى أُمِّي صُندوقٌ صغيرٌ على شكلِ تحفةٍ فنيّةٍ جميلةٍ مطرَّةٌ بألوان زاهيةٍ برّاقةٍ… كان قد جاءَ به والدي هديّةً لها مِنَ الهند، تضعهُ أُمِّي على منضدةٍ في غرفتها دائماً.. وكلُّ مَنْ في البيتِ يسمّيهِ حصّالة أمي الجميلة.. لأنَّها تضعُ فيهِ كلَّ ما يزيد من مصروفِ البيتِ يومياً، لذا تراه لا يخلو مِنَ النقودِ أبداً.. أحياناً يحتاجُ والدي منه إلى بعض النقودِ مِنَ الفئةِ الصغيرة… فهو خيرُ مُنقذ في ذلكَ. وذات صباح طرِقَ الباب واذا بجارتنا ( أمّ سمير) وهي محرجة جداً تطلبُ مِنَ أُمِّي بعضَ النقودِ بسبب الزيارة المفاجئة لأقاربها، الذين جاءوا من البصرة، وفي الحالِ جاءتْها أُمّي بالنقودِ التي تُريدُ مِنَ الصُّندوقِ، وأعطتها إيَّاها. فشكرتْها أُمُّ سمير قائلةً: ( أطال الله لنا في عُمُرِ أبو هالة وأدامَ عطاءَ صُندوقِكِ الجميل… لولاه ماذا كنا سنفعل!). وضَحِكَتا.. وفي صباح اليوم التالي من يوم الجمعةِ نهضتُ مبكراً مِنَ النوم لأنجز ما عليَّ من واجب تجاه البيتِ ومن ثَمَّ الذهاب إلى بيتِ صديقتي ( ريم) لحضورِ ِحفلِ عيد ميلادِها التنكّري.. فدخلت غرفةَ أُمِّي لأنظفَها وبحركة لا إراديةٍ مني سقَطَ صُندوقُ أُمّي الجميل وتبعثرَ ما فيه أَرضاً.. وبينما أنا أنظر إليه… فإذا بفُستان جميل وقناعٍ لوجهِ قِطَّةٍ جميلةٍ يخرجانِ منهُ ويقولان لي: ( يُمكِنُكِ أن ترتدينا في حفلة صديقتِكِ ريم بمناسبة عيد ميلادِها يا هالة!). حينَها دُهِشتُ وتساءلتُ بصوتٍ عالٍ: ( هل هي حصالةُ نقود أم خِزانة ملابسَ؟). أجابني صوت لطيف يخرُجُ من داخلِ الصُّندوقِ قائلاً: ( يمكنُ أنْ أمنحكِ ما تُريدينَ يا هالة ما دمتُ عامراً بما تضعُهُ أمُّكِ مِنَ النقودِ كلَّ يومٍ… فأنا أستطيعُ أَنْ أُقدِّمَ المساعدةَ في أي وقتٍ لأي أحدٍ!). وبينما هو يحدّثني هكذا فجأةً أخفضَ صوتَهُ وأردف قائلاً: ( أسرعي يا هالة، وارجعي كلَّ شيءٍ إلى مكانِهِ… يبدو أنَّ أُمَّكِ قادمةٌ لتَضعَ بداخلي ما تبقّى من مصروف هذا اليوم). عندها أسرعتُ لالتقاط كل ما سقط على الأرضِ من نقود ومن ثمَّ إرجاعه إلى مكانه.. كانتْ أُمي قد دخلَتِ الغرفة وهي تقول: ( هل أكملت تنظيف الغرفة يا حبيبتي..؟). أجبتها: حالاً يا أُمي). وفي المساء وبينما أستعد للذهاب إلى بيتِ صديقتي ريم لحضور حفل ميلادها التنكري دخلتُ غرفتي.. فإذا بفستان جميل وقِناع لوجهِ قطَّةٍ أجمل فوق سريري، وبجانبهما حصالة نقود ملصق عليها ورقةٌ صغيرةٌ مكتوبٌ فيها: ( يمكن أن توفّرَ لكِ هذهِ الحصالة بعض ما تحتاجين إليه يا عزيزتي). عندها ابتسمتُ وقلتُ: ( شكراً يا أُمي الحبيبةُ.. لقد حقَّقتِ أُمنيتي)”.
اما القصة الثانية فهي بعنوان ( الخبازةُ أم سمرة) ورد في جزء منها:
– ” مع بزوغ فجرِ كلَّ يومٍ.. يعبقُ شارعنا برائحة لها طعم خاص عندَ َأهلِ الحيّ معلنة عن قدوم يوم جديد… تلك هي رائحةُ خبز ( أمّ سمرة) بدلاً من أُمّ سلمى، هكذا يسمّيها أهل الحيّ للسِّمْرَةِ التي أحدثها ( التنور) في وجهها الطيِّبِ ويدَيْها الحنونتين. هذا التنُّورُ الذي يتربّعُ في إحدى زوايا بيتها القديم ذي الشجرةِ الباسقة التي طالما تهافتنا نحنُ أطفال الحي على أكلِ توتِها اللذيذ، مثلما نتهافتُ ونتسابقُ كلّ يومٍ على صاحبةِ الدارِ وأحياناً كثيرةً نتراصف بانتظارِ شِراءِ خبزها الطيِّبِ. أُم سمرة امرأةٌ في الأربعين من عمرها، رسمَ الزمنُ على وجهها هالاتِ تعَب مبكرةٍ من أجلِ أطفالها الأيتام الثلاثةِ الذين يساعدونَها في عملها هذا. فــــأحمد يحرص دائماً على توفير الحطب لها من بُستانِ خالِهِ الذي يسكن وعائلته الكبيرة بالقرب منهم.. و( سلمى) تساعدها في اعمالِ البيتِ. أمّا ( رقيّة) البنتُ المشاكسة والاكثر شبهاً بأمها.. فتحمل بعضاً مِنَ الخبز كلّ يومٍ ومن دونِ مللٍ أو كلل في سلةٍ فوق رأسِها الصغير لتبيعه في السوق.. وتعودُ مُسرعةً إلى البيتِ بعدَ أَنْ تشتري كلَّما يحتاجه البيتُ بحسب توصياتِ أمها.. ومع ذلك وبرغم الجهدِ الكبير الذي تبذله الأم في رعاية أولادِها الأيتام وحرصها الدائم على أنْ يكونوا متفوقين في دراستهم أيضاً، لم تتوانَ في تقديم يد العونِ للآخرينَ من جيرانها وأهلها”.
اما قصة ( قلائد الكاردينيا) فنورد منها:
– ” سينفذ كلُّ ما لدينا من نقود!… و ( أبو نهلة) ما زالَ مريضاً لا يقوى على العمل!. بهذه الكلمات كانت ( أُمُّ نهلة) تحدِّثُ نفسها. سمعتها ( نهلة) من دونِ ان تدري. وخلال تقديمها الطعام لأبي نهلة سألها: ( كمْ بقِيَ لدينا من نقود يا أمّ نهلة؟). أجابتْهُ قائلة: ( لدينا ما يكفينا والحمدُ للهِ). وفي الليل لم تستطِعْ نهلة النوم بل كانتْ تفكَّرُ في إيجاد حل ما! وعند الصباح وبينما كانتْ نهلة تساعدُ أُمَّها في تنظيف الحديقةِ، فجأةً قالتْ نهلة: ( وجدتها.. إنّها زهورُ الكاردينيا). ثم أخذت تجمعُ زهور الحديقةِ وعملت منها قلائد جميلةً وكثيرةً، ووقتَ ذهابها إلى المدرسة ارتدت نهلة واحدةً منها، وبدت وكأنَّها مقلَّدَةٌ بجائزة فوز في سِباقٍ رياضي، ثمَّ وضعت بقيَّةَ القلائدِ في حقيبتها…! وفي المدرسة أبدتْ زميلاتها إعجابَهنَّ بقلادتِها الجميلة، قالت إحداهُنَّ: ( الله! ما أجملها من قلادة!). أجابتها زميلتها: ( بل قولي ما أطيبها من رائحةٍ). قالت نهلة برقْتِها التي تُشبِهُ رقةَ الوردِ الذي في عنقها وهيَ تُخرِجُ كيساً منتفخاً من حقيبتها: ( أتُرِدنَ أنْ تحصلْنَ على قلائد مثلها مقابل قليلٍ مِنَ النقودِ؟). قالــــــــت ( نورس): ( أجلْ.. خُذي هذه النقود واعطيني واحدةً). وكذلك ( سَجى) مدَّتْ يدَها بالنقودِ قائلةً: ( وأنا أريدُ واحدةً أيضاً). وهكذا قالت ( رشا)، ورغد، ونور، ونفد ما في الكيس من قلائدِ الكاردينيا .. واستطاعت نهلة أنْ تجمع مالاً كافياً.. وعند عودتها إلى البيتِ تسألتْ بهدوءٍ إلى غرفة أُمّها حيثُ صُندوق النقود ووضعت النقود فيه. وفي اليوم التالي، فعلتْ نهلة ما فعلتُهُ بالأمس مع زهور الكاردينيا لتبيعها على زميلاتها، وأخذت رائحةُ الزهورِ تعبقُ في المدرسةِ، وصارَ لها الفضل في تغيير أسلوبِ بعض المدرّساتِ الحاد. إذ قالتِ الست هناء: ( هل تشمّين هذه الرائحةَ الزكيَّةَ يا ستّ ندى؟). أجابتِ الستّ ندى وهيَ مبتسمة على غير عادتها: ( أجل.. يبدو أنها رائحةُ الكاردينيا تأتينا مِنَ البستانِ الذي بجوار المدرسةِ!). وظلت نهلة تضع النقود في الصُّندوقِ ذاتهِ في كلِّ مرَّةٍ… حتَّى أنَّ أُمَّها ذاتَ يومٍ وهي تفتحُ الصُّندوق: ( يا إلهي مالي أرى النقود لا تنفدُ؟… هل هيَ بركتُكَ يا ربّي؟!). وعند المساءِ رأتْ أُمُّ نهلة ابنتها تدخل الغرفةَ متجهةً نحوَ الصُّندوقِ واضعةً فيهِ النقود فلم تنطق معها بكلمةٍ بل أخذتْ تراقبها من بعيد وهي تقطف الزهور من حديقةِ المنزلِ التي أصبحت شبه خالية منها وتصنعُ قلائدَ الكاردينيا. وفي صباح جميل.. نهضَ أبو نهلة من فراشِهِ بعد أن استعادَ صحتَهُ متَّجهاً نحو حديقتِهِ التي اشتاق إليها كثيراً.. ونظرَ باستغراب إلى الحديقة سائلاً أم نهلة: ( أين زهور الكاردينيا.. ماذا حصل لها؟). أجابتْ الأُمُّ: ( لم يحصل للنبتة شيء، لقد كانتْ نهلة نِعْمَ البنتُ، فقد استثمرت جهدَكَ لمساعدتنا في أثناء مرضِكَ، وذلك بصُنع قلائد من زهور الكاردينيا، وبيعها لزميلاتها الطالباتِ مقابل مبلغ معيّن ساعدَنا في العيشِ!). نظرَ الأبُ إِلى أمّ نهلة بفرح وغبطةٍ متَّجهاً نحو ابنتِهِ، واقترب منها وقبلها قائلاً: ( نِعْمَ البنتُ أنتِ يا عزيزتي)”.