في البدء كانت المدينة، والمدينة كانت – ارباخا كركوك 1959 الى 1968

 

 

الجزء الثالث

 

كركوك يا بوابة فردوس العشق والآهات

ويا سلالة الهزبر ورحلة الدم والعذاب

الشاعر المجدد عبد الحكيم نديم الداوودي

 

 

 

 

 

 

 

 

د. توفيق رفيق التونچي

 

 

بداية الجزء الثالث

هناك عدد قليل من مثقفي التوركمان ممن وعوا تلك الحقيقة يجاهدون اليوم على الحفاظ على أصول الثقافية والتراث التوركماني ولهجاتها الجميلة. وبقى التوركمان دوما قريبين من محيطهم وبيئتهم الكوردستانية  مكونين القومية الثانية والأكثر زخما بعد الاكراد فهم اقرب الى اربيل وتل عفر قياسا بمناطق الجنوب العراقي وثقافة وأعراف وتقاليد اهلها وثقافة مدنها ك الناصرية والعمارة والسماوه او مدن الشرق باتجاه سوريا من دمشق وصولا الى بيروت وبقت اتصالها الثقافي في الشمال الكوردستاني الأقوى حيث مدينة اورفا (الرها) ،غازي عنتاب ، قونية وأظنا وتشابه في لهجتهم وثقافتهم بينما نرى مدن في الغرب في إيران الحالية قريبة على فؤاد التوركماني  ك تبريز واورمية واردبيل لا تزال تحافظ على لهجاتها التركية الاذرية البديعة وقد التفت بعض من مثقفي التوركمان الى تلك التشابه اللهجوي والثقافي من العادات والتقاليد والأعراف والعقائد في الفترة الأخيرة. بينما بقت الأكثرية الكوردية في المدينة وضواحيها يتحدثون بلهجة كوردية كركوكية عذبة يسمونها اللهجة ال گرميانية تسود في مناطق سهل كركوك وصولا الى تخوم مدينة قصر شيرين الايرانية.

 

 

يقول الاستاذ عوني الداوودي في دراسه له تحت عنوان ” كركوك وتوابعها حكم التاريخ والضمير

دراسة وثائقية عن القضية الكوردية في العراق “عندما طبق الوالي الجديد ” مدحت باشا ” الأسس الإدارية الجديدة ، قسم العراق إلى أيالتين هما بغداد والموصل ، فدخلت كوردستان برمتها ضمن أيالة الموصل التي أصبحت تتألف من ثلاثة الوية هي الموصل وكركوك والسليمانية وقد ضم لواء كركوك ، قضاء كركوك مع نواحي داقوق وآلتون كوبري وكيل وملحة وشوان فضلاً عن قضاء اربيل مع ناحيتي سلطانية ودزه يي ، وقضاء راوندوز مع نواحي حرير وقوش تبه وبالك وشيروان وقضاء رانية مع ناحية بيتواته وقضاء صلاحية ” كفري ” مع ناحية باليسان وشقلاوة ، بمعنى أن الجزء الأكبر من اقليم شهرزور التاريخي بقي مرتبطاً بكركوك بل استمرت المصادر تنعت مدينة كركوك بـ ” عاصمة شهرزور . .. وجاء في القرار الصادر في عهد مدحت باشا ” كركوك ويسمى لواء شهرزور ” وكل هذا يدل على الرابطة القوية بين كركوك وباقي المناطق الكوردية .

 

إن مجرد إلقاء نظرة تقهقري إلى الوراء وحوادث حصل مع إعلان الحكم الجمهوري في العراق عام 1958 وانتهاء الحكم الملكي الهاشمي وكما أسلفت قد يؤدي بالمرء أن ينسى بعض التفاصيل وسأكون شاكرا لو تكرمتم قارئ الكريم بإبداء آرائكم وملاحظاتكم وانتقاداتكم وتصويبكم أي خطا غير مقصود كي اخذ بها في الطبعات القادمة. كركوك موضوع يثير الكثير من العواطف والشجون والنقاش والسجال واني لمتأكد بان موضوع كهذا مثل أصابع اليد عند التقييم لا تتشابه وكل سوف يحاول أن يراه من وجه نظره ويحلله ويقيمه وهذا طبيعي جدا. أدعو البارئ عز وجل أن يوفقنا لما فيه خير وصلاح الجميع والله من وراء القصد.

 

 

 

وثيقة عثمانية حول مدينة كركوك واهلها من زمن السلطان العثماني سليمان القانوني .

(( مجزرة كركوك لطخة عار سوداء بتاريخ الثورة.لدي 750 صورة للذين اشتركوا في حوادث كركوك التقطت لهم أثناء هذه الحوادث.إنها حوادث لم يعمل مثلها هولاكو ولا جنكيزخان ولانيكولاي وكل الغزاة الذين نكلوا بالعراق وطوحوا به.إن هذه الحوادث لطخة سوداء أتبرأ منها. وإنني أبارك لإخواني التركمان صبرهم وسوف أسعى جاهدا لرعايتهم ..))

قارئي الكريم، كركوك والحديث عنها وأهلها الكرام حيث لا توجد مدينة مثلها على وجه المعمورة تمكنت ومن خلال سير قطار الزمن أن تحافظ على نقاء تركيبة سكان مجتمعاتها العرقية، الاثنية والثقافية او حتى الاجتماعية والبيئية. فما بال مدينة تقع على مفترق الطرق وتربط بين الشرق والغرب والشمال والجنوب سكنها الإنسان الأول ومر منها الجيوش الجرارة ووصفها جنود وقادة جيش اسكندر المقدوني كمدينة النار وحوريتها الخالدة التي بشهبها السامية الى عنان السماء تنير قلوب أبنائها وتبعد الشر والشريرين. مدينة على أقطاف نهايات جبال زا گروس وبدايات تباشير رمال الصحراء القادمة من مجاهل صحراء الجزيرة العربية وأعني بالطبع مدينة العذابات كركوك مدينة كوردستانية  خالدة تكرر ماسيها عبر العصور والأزمان وتبقى جرحها تنزف تضئ قناديل العالم خيرا وتترك الدجى واليأس في قلوب أبنائها مع إن تركيبتها السكاني أغناء للثقافة الإنسانية ودليل على مدى ايجابية الحوار الحضاري الإنساني الذي جرى تفاصيل علاقاتها الإنسانية السمحة بين أبناء التركيبة التعددية العرقية والثقافية والعقائدية على أرضها الطيبة. إن الحفاظ على تلك التركيبة تضيف ألوان جميلة الى النسيج السكاني الكوردستاني الثقافي كتنوع زهور حديقة في الفردوس على الأرض.  وتبعد بذلك شبح أحادية الفكر السلطوي والشمولي البغيض والنظرة الأحادية إلى الأمور

————————-

Defter-i Hâkânî Dizisi: VIII , 111 NUMARALI, KERKÜK LİVÂSI MUFASSAL, TAHRÎR DEFTERİ(Kanûnî Devri) www.devletarsivleri.gov.tr/ yayin/osmanli/Kerk…

يتطرق الاستاذ عوني الداوودي  إلى موضوع  تعزز الوجود العثماني في العراق في عهد السلطان سليمان القانوني الذي دخل بغداد على رأس جيشه سنة 1534 ، وبعد ذلك قسم العثمانيون العراق حسب النظام الإداري الجديد على أربع أيالات هي بغداد والموصل والبصرة وشهرزور . وكانت حدود أيالة شهرزور هي ايالة بغداد من الجنوب والموصل وحكومة العمادية من الغرب وهكاري وأذربيجان من الشمال وبلاد فارس من الشرق … بمعنى أن كركوك وتوابعها كانت تقع في قلب الايالة ” شهرزور ” وتمثل جزءاً أساسياً منها … وكانت أيالة شهرزور تتألف من سناجق كركوك وأربيل وكويسنجق والسليمانية وراوندوز وحرير ، أما مركزها فكانت مدينة كركوك .

 

وبناء مستقبل كوردستان الديمقراطي بعيدا عن الأفكار القومية العنصرية التسلطية الداعية إلى صفاء الانتماءات العرقية البشرية وإلغاء التعددية الثقافية التاريخية خاصة ان تلك التجارب أثبتت تاريخيا فشلها.

لا يمكن التطرق الى التاريخ الحديث للمدينة دون التطرق الى حادثة مفصلية في تاريخها وتركت اثرا في النفوس لحد يومنا هذا أي تلك الماسي التي جرت فصولها في شهر تموز في المدينة مع الاحتفالات بمرور عام على إعلان الجمهورية. ذلك التاريخ بات رمز يعرفها عن قرب جميع أبنائها وتلك الحوادث المتسارعة التي حل بالمدينة وأهلها وأصبح تاريخا منقوشا في وجدانها أي ما حل بها في تموز عام 1959.

ها هنا أريد التأكيد باني في نفس الوقت الذي سوف لا أتي بالجديد وربما اكرر سردا تاريخيا مملا حول المدينة وأهلها وبعد مرور 65 عاما على حوادث الاحتفالات بمرور عام على ثورة 14 تموز من عام 1958 وتغير النظام الملكي وتحول العراق الى النظام الجمهوري. لكن المادة بحد ذاتها تعتبر في نفس الوقت مفتاح الإجابة على العديد من التساؤلات لما يجري في الوقت الحاضر وإيجاد حلول لمشاكل المدينة وأهلها وما جرى بها خلال نصف قرن من الزمان وخاصة ابان حكم حزب البعث القومي البائد .

المدينة وأبنائها واجه لأول مرة حقبة جديدة بعد ثورة 1958. ان الإحصائيات السكانية التي كانت متوفرة كانت غير دقيقة لاعتمادها على اللغة المحكية في البيت وبذلك صحت المدينة لتجد نفسها أمام لوحة سكانية منقسمة متبلورة، مشوهه بصورة غريبة خاصة فيما يخص الانتماء العرقي وإشكالية الانتماء الثقافي لمدينة كانت طابعها الأساسي كورديا، توركمانيا واثوريا وعربيا في حين كان اللواء بثقله السكاني في الأرياف والقصبات ذو زخم كوردي كما كانت ولا تزال تجمعات توركمانية تتمازج وتختلط بالعشائر الكوردية على امتداد الخط سهل گرميان   دخولا الى كوردستان الشرقية عند مدينة قصر شيرين في عمق الأراضي الإيرانية.

كما كان تواجد للعشائر العربية تاريخيا يتصل بالدرجة الأولى بالرعي وتجوال الرعاة من اجل المراعي الخصبة في أراضي كوردستان. حيث ينتشرون على الخط الفاصل بين العشائر الكوردية وبداية صحراء الجزيرة الشرقية على امتداد نهايات سفوح جبال حمرين الجنوبية بدا في مناطق التماس داخل سوريا الى أجزاء ضمن خوزستان داخل الأراضي الإيرانية. وفي وسط المدينة استوطنوا خلال الثلاث القرون الماضية.

انظر لتجارب الفكر النازي ألماني والإمبراطوري الياباني والأسباني والتركي واليوناني والإيطالي والبعث العربي القومي والآخرين ممن رفعوا راية الفاشية وقادت الأمم إلى الحروب العالمية، والنووية، والنزاعات والكوارث.

10  المنطقة أي گرميان مجاورة من ناحية الشرق للحدود الإيرانية التي لم تكن على تخطيطها الحالي قبل مائة من السنين وتغيرت هذه الحدود عدة مرات خاصة ان النزاعات بين الدولتين الإيرانية الفارسية والعثمانية طويلة وعلينا دراسة التاريخ الإيراني السياسي وصراعاتها خلال فترات زمنية تعود الى على الأقل الى زمن الصفويين التوركمان منذ مطلع القرن السادس عشر والزنديين الكرد 1760 – 1794 والقاجاريين الترك الاذريين 1794 حيث استمر حكمهم الى اواسط العقد الثالث من القرن العشرين و من بعدهم تبعهم في الحكم عائلة اخر شاه لايران محمد رضا البهلوي ذو الأصول المازندرانية منتهيا بالثورة الإسلامية عام 1979 . ونرى انعكاساتها على المنطقة حيث جاءها العديد من القبائل والعشائر الكردية القاطنة اليوم في ربوعها لعل من أكبرها عشائر الجاف حيث نزحت من أطراف كرمنشاه في إيران نتيجة للصراع الدموي مع الاردلانيين  وينتشرون اليوم  في كركوك والسليمانية وكلار وحلبجة ودربندي خان و لمعرفة المزيد عن هذه العشيرة يرجى قراءة كتاب السيد محمود عزيز حسن .

 

خارطة عام 1957 تبين نسبة سكان الارياف إلى سكان مركز مدينة كركوك

قد يعجبك ايضا