كامل سلمان
محاولة إغتيال دونالد ترامب الفاشلة أظهرت عيوباً في النظام الديمقراطي كادت أن تكون سبباً لحرب أهلية في أكبر نظام ديمقراطي في العالم ، وكالعادة فأن أية ممارسة عملية لأي فكر تبدأ العيوب تظهر تباعاً كلما مر الزمن ، وأحياناً تكون هذه العيوب نابعة من صلب الفكر أو قد تكون نابعة من سوء التطبيق ، فأنصار الفكر يذهبون إلى أن ظهور العيوب سببها سوء التطبيق ، بينما أعداء الفكر يذهبون إلى أن ظهور العيوب سببها عدم أهلية الفكر نفسه وأن الفكر هذا فاشل ويجب إيجاد البديل ، فليست المشكلة بسوء التطبيق أو بالفكر نفسه ولكن المشكلة بمدى القدرة على معالجة العيوب بشكل علمي صحيح ، فمحاولة إغتيال ترامب أثبتت بأن التسقيط الإعلامي وخطاب الكراهية بين المتنافسين من خلال وسائل الإعلام تولد الاحتقان والحقد والكراهية بين أتباع كل مرشح إنتخابي أو بين الحزبين وقد تصل الحالة إلى القتل ، مثلما حصل مع ترامب ، فقد أحس كل من قادة الحزب الديمقراطي الأمريكي والحزب الجمهوري الأمريكي بأن خطاب الكراهية والتحشيد الإعلامي والتسقيط المستمر هو الذي أجج الحماسة لدى أتباع الحزبين وكانت سبباً وراء محاولة إغتيال ترامب ، وكذلك أحست المؤسسات الإعلامية بهول الكارثة وحجم الخطأ الذي تمارسه وسائل الإعلام ، فعمد الجميع بعد الحادثة أن يراجعوا أنفسهم ويغيروا لغة خطابهم لتخفيف الضغوط على المواطن العادي وسحب الأحقاد من عقول الناس بشكل سريع ، ونفس الخطأ يحدث في كل مكان بالعالم ، لكن فكرة إيجاد الحلول في المجتمعات التي فيها النظام الديمقراطي شكلي وهش شيء مستحيل ، ففي منطقتنا بفضل التحشيد الإعلامي ولغة الكراهية أصبحت الكراهية بين السنة والشيعة لا تحتمل ، وكذلك الكراهية بين الإسلام كدين والديانات الأخرى لا تطاق ، وكذلك الكراهية بين الفرس والعرب والترك والكورد أصبحت مزمنة لأن الذين يزقون أفكار الحقد في عقول الناس يفكرون في كسب عقول أتباعهم ولا يفكرون بحجم الإنعكاسات السلبية للكراهية والأحقاد على نفوس الناس ، وللأسف وسائل التواصل الإجتماعي والقنوات الإعلامية المرئية والمسموعة صارت في متناول الجميع وبسبب الديمقراطية أصبح الجميع يطرحون أفكارهم المتطرفة دون خوف أو تردد ، فهنا أثبتت الديمقراطية بوجود هذا العيب الكبير الذي يجب الالتفات إليه ، فبالنسبة للمجتمع الأمريكي هناك قيادات واعية استطاعت في ساعات قليلة من استيعاب هذا العيب وتصحيحه وتخفيف عبء الخطاب السيء وإعادة التذكير بأن مصلحة الوطن فوق كل شيء فتغيرت اللهجة بشكل معاكس تماماً عند قيادات الحزبين ولم نعد نسمع لغة الطعون والتسقيط التي كنا نسمعها وكأن المسؤولين أكتشفوا عيباً كبيراً بالديمقراطية وسارعوا إلى إيجاد الحلول المناسبة خلال ساعات معدودات .. فهل توجد في مجتمعاتنا هذه القدرة من تخفيف خطاب الكراهية ؟ طبعاً هذا الشيء مستحيل لأن الكراهية في مجتمعاتنا قطعت شوطاً طويلاً نحو الإستقرار فأصبحت مرضاً عضال فمثلاً الشيعي الذي لا يكره السنة يعتبر إنساناً شاذاً وكذلك السني الذي لا يكره الشيعة يعتبر إنساناً شاذاً ، وكذلك بالنسبة للمسلم والمسيحي والايزيدي والدرزي والعلوي والقبطي والكردي والعربي والفارسي والتركي ، ليس الفرق بين قادة أمريكا والدول الغربية والقادة عندنا هو فرق الوعي كما يعتقد الناس ، بل الفرق هو أن القادة في مجتمعاتنا يعتاشون على الفرقة والتناحر وقد وفرة الديمقراطية والإنفتاح الإعلامي فرصة العمر بالنسبة لهم لتعميق الهوة …
العيب الآخر الذي ظهر في النظام الديمقراطي هو أن الجميع أدركوا بأن الفائز في الانتخابات لم يعد يمثل الجميع ، وهذه نتيجة كارثية ، فأتباع الطرف الخاسر لا يقفون خلف الفائز الذي يقود بلدهم ولا يدعمونه وكأنه يمثل حزبه ولا يمثل وطنه ، وحتى في التصويت البرلماني يقف نواب الطرف الخاسر موقف الندية مع كل تصويت يطرحه الحزب الفائز أو الرئيس المنتخب ، بحيث أصبحت الأمور توحي بأن البلد مقسم على أساس حزبي ، وهذا عيب أوجدته الديمقراطية ولابد من إيجاد الحل لهذا الانقسام الذي يجعل مصلحة الحزب فوق مصلحة الوطن ، وكما قلنا هذه العيوب التي أفرزتها تطبيقات النظام الديمقراطي قابلة للحل وإهمالها يعني فشل الديمقراطية مستقبلاً . يجب أن يدرك الجميع بأن الديمقراطية ليست حكم الأغلبية الفائزة وعزل الأقلية الخاسرة ، وإنما تعني القيادة وقيادة المقود بيد الأغلبية فقط والكل لهم حضور فعال في خدمة البلد . وأخيراً تجديد روح الديمقراطية باتت ضرورة ملحة وإلا فنظام الحكم الديمقراطي في كل مكان من عالمنا الغريب في خطر وقد تكون سبباً للحروب الأهلية في الدول التي تطبق الديمقراطية مستقبلاً .