هنر عيسى
رغم تاريخ العراق الغني، والمعروف كمركز للتعليم يعود تاريخه إلى بلاد ما بين النهرين القديمة، حيث كان يتمتع بنظام تعليمي رائد في الشرق الأوسط حتى منتصف القرن العشرين؛ يواجه قطاع التعليم العراقي تحديات كبيرة، فقد ألحقت الحرب الإيرانية العراقية في الفترة 1980-1988، وحرب الخليج في عام 1991، والعقوبات الدولية اللاحقة، أضرارا بالغة بالبنية التحتية التعليمية والميزانية، مما أدى إلى انخفاض جودة التعليم وإمكانية تحصيله من قبل المواطنين.
وأتاح إسقاط الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 لنظام صدام حسين الدكتاتوري، فرصة جديدة لإعادة بناء نظام التعليم في العراق.
وبينما كانت هناك محاولات أولية لتنشيط المدارس والجامعات، استمر العنف وعدم الاستقرار السياسي في عرقلة تقدم هذا القطاع، وأدى الفساد والصراع الطائفي وعدم وجود سياسة تعليمية موحدة إلى تفاقم التحديات التي تواجه هذا القطاع.
وأدى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) إلى تعطيل نظام التعليم بشدة في المناطق الخاضعة لسيطرته، وعلى الرغم من هذه العقبات، كانت هناك أمثلة على التقدم، خاصة في إقليم كوردستان، الذي بدأ في رسم مساره للإصلاح التعليمي.
الآن، وفي ظل وجود 60% من العراقيين تحت سن ال25، فإن “نظام التعليم في البلد يمر بمرحلة حرجة”، موضحا ان الشباب يمثلون فرصة كبيرة وتحديا هائلا في الوقت نفسه، حيث يشكل ارتفاع معدلات البطالة وعدم كفاية المرافق التعليمية تهديدا بتقويض امكانات الشباب الذين يساهمون في جهود اعادة اعمار البلد.
على سبيل المثال، وفقاً لتقرير آيريكس لعام 2011، فإن 22% فقط من خريجي الجامعات يجدون عملاً في مجال دراستهم خلال ثلاثة أشهر من التخرج. وهذا يسلط الضوء على الحاجة الماسة لنظام تعليمي أكثر استجابة يلبي احتياجات السوق. ووفقا للبنك الدولي، هناك مليوني طفل عراقي خارج المدارس، مما يشكل تحديا كبيرا لمستقبلهم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن معدلات معرفة القراءة والكتابة مرتفعة بشكل مثير للقلق، وخاصة بين النساء.
وأدركت حكومة إقليم كوردستان الحاجة الملحة إلى معالجة هذه القضايا. وقد وضع مجلس الوزراء رؤية 2030، التي تعطي الأولوية لتعزيز التعليم وتكييفه لدعم التنويع الاقتصادي. وتهدف هذه الرؤية إلى مواءمة نظام التعليم في كوردستان مع المعايير الدولية، مع تعزيز القوى العاملة القادرة على النمو الاقتصادي في مختلف القطاعات، وأحد العناصر الأساسية لهذه الرؤية هو إنشاء جمعية كوردستان اعتماد التعليم (KAAE)، وهي هيئة اعتماد وطنية تهدف إلى سد الفجوة التعليمية ودفع المنطقة إلى القرن الحادي والعشرين.
الجمعية تعمل من أجل ضمان الجودة التعليمية وتعزيز الشفافية والمساءلة والتطوير المستمر، من خلال مدة عمل بين 12 و15 عاما، بالاضافة الى دعم الحكومة في اعداد سياسات سليمة لجودة التعليم، وهي مبادرة حاسمة من اجل تطوير نظام التعليم في كوردستان وتمكينه من مواكبة التطورات العالمية، كما هو الحال بالنسبة للعراق والمنطقة الأوسع عند استخدامها كنموذج.
الاتفاقية الإطارية بين الولايات المتحدة والعراق تحدد التعليم باعتباره حجر الزاوية في العلاقات الثنائية وكجزء من التعاون الثقافي الاوسع بين الطرفين، مضيفا ان الوقت قد حان الان من اجل ترجمة هذا الاتفاق الى عمل.
شراكة كهذه بين البلدين، قد يكون لها اصداء بعيدة المدى تتخطى التعليم، وتعزز التنمية الاقتصادية، والاستقرار السياسي، والتماسك الاجتماعي.
الولايات المتحدة استثمرت بشكل كبير في اعادة اعمار العراق، وتم تخصيص هذه الاموال بشكل غير متناسب لقطاع الامن، بحيث انفقت نحو تريليوني دولار على العمليات العسكرية في العراق، مضيفا انه لو ان جزءاً من هذه الاموال، بنسبة 1% فقط، كان سيكون له تاثير تحويلي اذا تم انفاقه على التعليم.
الاستثمار في نظام التعليم في العراق يمثل فرصة فريدة للولايات المتحدة، ليس فقط لكي تقدم الدعم لحليف رئيسي، الا انه يساعد ايضا في معالجة الاسباب الجذرية لعدم الاستقرار في المنطقة، مضيفا انه بإمكان واشنطن المساعدة في بناء الأساس لعراق مستقر ومزدهر من خلال توجيه الموارد نحو اصلاح التعليم.
استثمارا كهذا سيؤدي إلى تعزيز الدبلوماسية العامة الاميركية وقيم الديمقراطية وحقوق الانسان، التي تشكل جزءا لا يتجزا من السلام والامن على المدى الطويل، بما في ذلك من خلال اقامة شراكات بين المدارس والجامعات الامريكية ونظيراتها العراقية، وذلك من اجل تطبيق معايير الجودة كالتي وضعتها جمعية كوردستان لاعتماد التعليمKAAE، هذه الهيئة يمكن ان تكون بمثابة نموذج تجريبي للعراق ككل.
ان دولا مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية تقدم دروسا مهمة في الكيفية التي يمكن بها للتعليم ان يدفع التنمية الوطنية، حيث نجحت البلدان في تحويل اقتصادهما من خلال استثمارات كبيرة في التعليم، مع التركيز على تنمية المهارات والابتكار، اذ فيما ركزت تركيز كوريا الجنوبية على التكنولوجيا والتدريب المهني، فان سنغافورة ركزت على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
تعزيز التعليم في العراق لا يقتصر فقط على تحقيق النمو الاقتصادي، ويعتبر ايضا عنصرا حاسما في بناء السلام، حيث يساهم في تعزيز التفاهم والتسامح والتفكير النقدي، وهي امور ضرورية لتخفيف الصراع وتعزيز التماسك الاجتماعي، و السكان المتعلمين بشكل جيد مجهزون بشكل افضل للانخراط في العمليات الديمقراطية والمساهمة في تنمية البلد.
التعليم أكثر من مجرد أولوية سياسية بالنسبة إلى العراق، فهو طريق إلى السلام والازدهار، وبإمكان الولايات المتحدة أن تؤدي دوراً حاسماً في تحقيق ذلك.
بالإشارة إلى إمكانية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، اغتنام هذه الفرصة لإظهار التزامهما بعراق مستقر ومزدهر، وتعزيز منطقة حيث يعمل التعليم على تمكين الشباب كعوامل من أجل التغيير الإيجابي.
Kurd24