هفال زاخويي
بين فترة وأخرى تظهر دعوات ومبادرات وتنعقد فعاليات في العراق تحت يافطة (الحوار الكردي العربي)، وأصحاب هذه المبادرات هم بالدرجة الأولى كُرد وربما يتبوأون مراكز قيادية، وبغض النظر عن النوايا فإنَّ هذه الفعاليات محكوم عليها سلفاً بالفشل كون الهدف منها ترويجي وللاستهلاك الاعلامي، فالمتعارف عليه أن أي حوار ينحصر بين مجموعة من الباحثين أو الكتاب يجتمعون في فنادق فخمة لغرض التباحث حول (الحوار الكُردي العربي ) وتُصرف عليهم أموال طائلة هو دون جدوى… نعم (دون جدوى)… بل وعقيم ..! فلا يمكن لكلمات انشائية على مدار يومين أو ثلاثة أن تقرِّبَ وجهات النظر لرسم الاستراتيجيات الكفيلة بتحقيق الهدف المنشود والذي هو (الاندماج والتعايش السلمي) بين المكونين (العربي والكردي) في العراق، فالوجوه المشاركة في هذه الحوارات (مع جل الاحترام لها) هي ذات الوجوه القديمة منذ ما يقارب الثلاثة عقود ونيف، ومعظمها تعيش حالة من الترف الفكري الذي لم ينجح في تهيئة الأرضية لإندماج حقيقي ضمن اطار البلد الواحد، ولربما البعض منهم غير مقتنع في قرارة نفسه بهذا الحوار الذي لم نجن منه أي شيء وليس معلوماً متى يحين موسم الحصاد والوصول الى النتائج المرجوة.
الباحثون الكُرد كما الباحثون العرب في هكذا فعاليات يتحدثون ويتحاورون من خلال القاء الكلمات الرَّنانة والتي لم تعد تؤثر على النفوس ولا تحرك منها ساكناً، فقد انتهى العصر الذي كان للتحذلق و للكلمة الرصينة تأثيرها، فما بالنا بهذا العصر الذي تشهد كل فعالياته كلمات انشائية مملة تتناثر مع مكبرات الصوت ولا يبقى لها أثر…؟
ما فائدة حوار يجري منذ عقود بواقع جلسة أو جلستين في كل سنة أو سنتين…؟ تحمل الطائرات هؤلاء المحاورين القدماء الى حيث مكان الحوار وحيث الفنادق الفخمة والنتيجة أن التصدع المجتمعي غدا واضحاً أكثر من ذي قبل…! فأين هي نتائج الحوار…؟ هل النتيجة هي في الخطاب الاعلامي والسياسي المشحون الذي نراه في فوضى القنوات الفضائية…؟
من الملفت للنظر والذي يثير الدهشة أن تقدم جهات رسمية وذات مراكز عليا في الدولة على تأسيس مراكز و منظمات غير حكومية لهذا الغرض (الحوار)، ومن ثم تقوم وبانتقائية سلطوية باختيار المشاركين في هكذا حوارات، فقد كان من المفروض – حينما تتوافر النوايا- أن تقدم هذه الجهات على حملة وطنية شاملة للحوار بين مكونات هذا المجتمع بدل احتكار الحوار(من قبل هذه الجهات) ضمن اطار مجموعة من الكتاب وهم ذات الكتاب والباحثين الذين عهدناهم منذ أكثر من ثلاثة عقود، ثم لا يبدو الموضوع مستساغاً للفهم عندما يتم تهميش منظمات المجتمع المدني المهتمة بهذه الأمور وتقدم عليها جهات سلطوية تحت يافطة المجتمع المدني…!
لقد نجح المجتمع بكُرده وعربه في تحقيق الاندماج أكثر من كل المحاولات وجلسات الحوار والكلمات التي تلقى في الجلسات في هذا الصدد، نجح افراد المجتمع في القفز على السياسة وعدم المبالاة بالكلمات الرنانة والحملات الاعلامية، نجح عن طريق السياحة، عن طريق منصات التواصل الاجتماعي، عن طريق (التك توك) ومنصة الفيسبوك والانستيغرام والرياضة والحفلات الغنائية، ويقيناً فان افراد المجتمع لا يعرفون ولا يعلمون كيف ومتى واين تعقد هذه الحوارات بل لا يهمهم ذلك ولا يعرفون من هم هؤلاء المتحاورين.
كان الأجدر بالساسة والقادة وبالنخب الثقافية الكُردية التحرك من أجل الترويج للتأريخ المشترك بين الشعبين، ولدور الكُرد المحوري في العالم العربي بخاصة في العراق وسوريا، كان من المفترض التسويق والترويج للفن الكُردي، للتراث الكُردي، للثقافة المجتمعية الكُردية وللشخصيات الكُردية التي خدمت الفن والثقافة في العالم العربي بدل الخوض في حوارات لم تنتج شيئاً يُذكر، ولمن يريد أن يتحقق من عدم جدوى الحوار بالنمطية المعهودة فعليه أن يجري استبياناً للرأي في أوساط المجتمع بخصوص الحوارات ومن يحضرها ليرى النتيجة الصادمة، فالمجتمع في وادٍ والقائمون على هذه الحوارات في وادٍ آخر.