سردار علي سنجاري
مما لا شك فيه تلعب السياسة دورا محوريا في الدولة وتتحكم في جميع مفاصلها . ولا يمكننا معرفة ماهية السياسة وكيفية التعامل معها من دون الإلمام باللعبة السياسية التي تعتبر اداة شديدة التعقيد والتشابك وتتحكم في تلك اللعبة العديد من الموثرات والفواعل المادية والمعنوية وربما هناك مؤثرات مرئية قد تبدو واضحة للعيان ولكنها في الواقع عكس ذلك فلا يمكن تحليل اي موثر مرئي في السياسة إلا هولاء الذين يرسمونها ويخططون لها ولذا فان الفواعل الغير مرئية لها هي التي تقودنا إلى الاستنتاجات العامة التي لا يمكن حصرها في فهم الواقع السياسي كما يريده صناع السياسة . لذا فان دلالات وفهم وتفسير اللعبة السياسية تكون معقدة او شبه معقدة . واذا ما تعمقنا في مفهوم دلالات تلك اللعبة من اجل الوصول إلى تفسيرات حقيقية بعيدا عن التفسيرات المختزلة والمقبولة التي في غالبيتها تودي إلى التشويش والتضليل من اجل صرف نظر المراقب عن حقيقة اللعبة .
الجميع ممن يتقنون السياسة او لم يتقنوها متفقون على ان لا صديق دائم ولا عدو دائم في السياسة بل هناك مصالح دائمة فقط لذا فإنه يستحيل التحكم في القواعد والأحكام الصارمة للسياسة في سياق اللعبة . فاللعبة تتطلب افعال عديدة كالمكر والدهاء ولا تخلو من الصراعات والمكائد والمقايضة وذلك لعدم وجود تكافؤ .واللعبة السياسية لا تستحق النوايا الحسنة ولا ينبغي باي شكل من الأشكال الوثوق بلاعبيها فهي لم تكون يوما ما لعبة عادلة ولا يمكننا القول ان الرابح فيها هو الأفضل لأنها لا تؤمن في أحكامها بالعدالة او الانسانية بقدر اهتمامها بمصالحها فهي لعبة أنانية إذا ما صح التعبير .
ويرى العديد من الباحثين في الشؤون السياسية ان اللعبة السياسية تتضمن فلسفة الحدث وترتيبه حسب ما تتطلبه أهداف اللعبة من اجل الوصول إلى نتيجة وهذه الفلسفة تعتمد الى تصرفات صناع القرار في ادارة اللعبة في الدفاع والهجوم وفق خيارات وتوازنات استراتيجية والتي تعتبر هي المفتاح المفاهيمي لفكرة اللعبة . ومن خلال متابعتنا للمجريات السياسية في العقد الأخير وبالأخص في الشرق الأوسط والأزمات التي مرت فيها البلدان العربية بالتحديد بعد ما يسمى بالربيع العربي الذي جاء ضمن لعبة لم يستوعبها حتى كبار رجال الدولة في بعض البلدان التي شملتهم اللعبة مما اضطرّ العديد من الرؤوساء الذين كانوا يتربعون على عرش الحكم لعقود طويلة التخلي عن مواقعهم والبعض من هولاء كانت نهاية اللعبة معه مأساوية.
عندما سعت بعض الدول الكبرى لتحقيق مصالها في الشرق الأوسط باستخدام القوة والتي تعد الوسيلة الأكثر فاعلية لتحقيق أهداف اللعبة السياسية من خلال السيطرة والتحكم سواء كانت تلك القوة بشكل مباشر كما حدث في العراق في الإطاحة بنظام صدام حسين سنة ٢٠٠٣ او غير مباشر كما هو حال سوريا والعديد من الدول العربية الأخرى التي تم جلب العديد من الجماعات لاضعاف الدولة او اسقاطها . واذا ما نظرنا إلى التغيير الذي جرى في الأنظمة العربية بدءا من العراق وليبيا واليمن نرى ان قواعد اللعبة السياسية قد عادت مجددا إلى مسارها المتفق عليه من قبل القوى العظمى .
في العقود الأخيرة بدات لعبة الحروب الحديثة التي هي متممة للعبة السياسية حيث طافت على العلن نوايا المتحكمين في اللعبة السياسية في خلق الفوضى واضعاف قدرات الدول التي لا تنتمي إلى معسكرها او قطبها وعليه تم البحث في ايجاد سياسة التشويش المتعمد بين احداث دولة وأخرى من الدول التي تتعرض شعوبها للاضطهاد والقمع وذلك من اجل طمس الحقائق من جهة والتهرب من المسوولية من جهة أخرى .
وقد شهدت الساحة الشرق اوسطية في العقد الأخير العديد من التغيرات السياسية والاقتصادية التي قادت الى ظهور تيارات جديدة وحركات سياسية لم تكن متواجدة في الساحة السياسية مما أضعف من قدرة الدولة في النهوض بالمستوى المطلوب لها حسب موقعها وقدراتها الاقتصادية . وربما العراق نموذجا واقعيا لتلك المتغيرات حيث لم يكون من المتوقع اولا سقوط نظام امني قمعي قاد الدولة لأكثر من ثلاث عقود ان تكون نهايته بهذه الطريقة التي جرت له وبروز قوةً سياسية لم تكون معروفة لا محليا ولا دوليا مما تسبب في ضعف الدولة وانهيار مؤسساتها وبالتالي إضعاف العراق وتراجعه في كافة المجالات ناهيك عن النزاعات الداخلية التي أدت إلى انهيار النظام بالمفهوم الدستوري . للأسف لم يكون الشعب العراقي انذاك يملك الرؤية حول التطور الحاصل في عصر الألفية فقد كان النظام الصدامي يحجب عنها الرؤية للعالم الخارجي من خلال منع جميع أنواع التكنولوجيا الحديثة من اتصالات وأقمار صناعية للوصول إليهم. ولذا تم استغلال هذه الفجوة في تجنيد العديد من الشباب الذين لم يكونوا على دراية كافية بما يحدث في العالم الخارجي وهنا بدات الفوضى في التحكم باللعبة السياسية الداخلية في العراق حيث برزت قوة سياسية استغلت عقول الكثيرين من الشباب باسم الدين تارة وباسم الطائفية تارة أخرى وكان الثمن هو إضعاف العراق وتأخره وبقى العراق وشعبه هو الخاسر دافعا ضريبة تلك الأجندات والسياسات الفاشلة.
اما نحن الكورد وبالأخص كورد العراق الذين انجروا إلى اللعبة منذ أواسط الستينيات من القرن الماضي فقد استطاعوا وبفضل الممارسات والأزمات والحروب التي واجهتهم والانتكاسات التي شهدوها ان يستوعبوا بعض خيوط اللعبة وأن ينأوا بانفسهم من الصراعات التي أوقعت باقي اجزاء العراق في فخ اللعبة وبالأخص بعد سقوط النظام الصدامي . وقد استطاعت القيادة السياسية الحكيمة في الاقليم وبالأخص القيادة البارزانية ان تبحث عن عوامل الاستقرار وتوفير ما يمكن توفيره من ظروف أمنية تحافظ من خلاله على سلامة المجتمع واستقراره. فكانت انطلاقة العلاقات مع تركيا منذ بدايةً التسعينيات من القرن الماضي حيث أصبحت الحدود العراقية تحت سيطرة القوات الكوردية مما دفع تركيا إلى اخذ هذا الأمر بجدية والتعامل مع امر الواقع ولذا نشأت علاقات بين الجانبين وتطورت في المجال الاقتصادي ومن ثم السياسي . وهنا بدات القيادة الكوردية بالتحرك نحو بناء علاقات اكثر عمقا مع دول الجوار من اجل تحقيق التوازن والاستقرار الاقتصادي والسياسي رغم الصعوبات والعقبات الداخلية التي واجهت الأحزاب الكوردستانية في تلك الحقبة الزمنية . وكذلك وضحت بعض خيوط اللعبة السياسية للقيادة الكوردية عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في شن حرب على العراق للإطاحة بنظام صدام وعدم رغبة القيادة الكوردبة انذاك في زج الاقليم في هذه الحرب التي رأت فيها القيادة السياسية الكوردية انها قد تسبب اضرارا جسيما بما حققته خلال الحقبة الزمنية التي تمتعت فيها باستقلال نسبي وبالأخص في المجال الأمني وكان من حسن حظ القيادة الكوردية ان البرلمان التركي ايضا رفض فتح طريق تركيا أمام الحلفاء للعبور إلى العراق عبر اقليم كوردستان مما ابعد شبح الحرب عن الاقليم . اما ما جرى بعد سقوط نظام صدام حسين فهنا الكورد لم يقوموا بكشف اللعبة لتشابك الخيوط مما دفع الكورد إلى التعامل بطرق مختلفة مع القوى السياسية العراقية الجديدة والتي أغلبيتها تفتقر إلى فن إدارة الدولة والأزمات مما دفع الكورد إلى ايجاد حلول دستورية تضمن حقوقهم وإنجازاتهم ولكن ماتزال إلى يومنا هذا العديد من المتعلقات بين الجانبين مما اسفر عن تاخر العراق في مجالات متعددة وعدم استقراره الأمني واستغلال تلك الفجوة من قبل قوة ارهابية استطاعت ان تحتل ثلث الأراضي العراقية وتمارس أبشع أنواع الإجرام بحق الشعب العراقي بكافة مكوناته.
وعند البحث عن أسباب تقدم اقليم كوردستان واستمراريته في التطور الإنساني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي حيث كان الاقليم دوما في مواجهة التحديات التي تواجه من كافة الاتجاهات والأطراف إلا انه لم يسقط كما توقع له بعض الساسة الجدد على الساحة العراقية بالتحديد لان البنية التحتية للقضية الكوردية متينة وصلبة رغم بعض الظروف الداخلية التي تسببت في تاخير تنفيذ بعض المشاريع القومية المحقة للشعب الكوردي . ولكن في المجمل فان السياسة الكوردية كانت متوازنة في ظل الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة. وكانت الخبرة الطويلة للحزب الديموقراطي الكوردستاني والقيادة البارزانية بالتحديد في فهم اللعبة السياسية في العراق والمنطقة والعالم جنبت الاقليم الكثير من الأزمات واستطاعت جذب العديد من القوى السياسية والدولية والاقتصادية للإقليم مما عزز مكانته المحلية والدولية .