علاقة الادب بالحياة 

 

د . صباح ايليا القس

 

هل من علاقة بين الادب والحياة ؟ هذا سؤال يعاد طرحه كثيرا لا سيما في الكتب والصحف والوسائل الاعلامية المعاصرة . وتقام لهذا العنوان لقاءات واجتماعات ونقاشات وكل واحد يدلو بدلوه ويعبر عن رأيه وموقفه من هذه المعادلة التي ربما تقوم لها دراسات ومقالات لا تعد ولا تحصى . وهل لهذه العلاقة موقف ثابت وقانون صارم ووظيفة محددة بل هل يمكن تدوين قانون يوازن بين الامرين ؟

من الافضل ان يشار الى ان الحياة تتطور والمعطيات تتطور والحياة برمتها تتطور ماديا ومعنويا ولا بد من ان يأخذ الامران حقهما من الرعاية والمكانة بحيث لا نغلِّب جانبا على جانب بحيث تختل المعادلة وتفقد قيمتها الانسانية التي نجتهد جميعا للعيش فيها بامأن وسلام .

الادب بشكل عام يعني الالفاظ والتراكيب التي تحمل في اعطافها المعاني التي تشتمل على العواطف والاخيلة والافكار والمبادئ عن طريق تراكم المعارف والخبرات واستيعاب الاداب على تعدد انواعها وفنونها كل واحد بمقدار خاص به وطاقات وابداعات فردية ..

الادب هو تصوير حالة نفسية تعتري الاديب فيرسم بالكلمات تلك المعاناة بحسب ومقدار الطاقة الانفعالية التي تعبر عن الحراك النفسي الداخلي .. والناس تختلف في طبيعة الاستجابة فمنهم من تكون استجابته سريعة بحيث يدون ما يجول في خاطره ساعة اشتداد الطاقة ومنهم من يسكت حتى تختمر الانفعالية في سريرته قبل ان يطلقها الى القلم ليسجل على الصفحات قدرته التعبيرية وفكرته واحساسه الداخلي وضميره الانساني الذي يرسم ملامح النتاج الادبي سواء أكان شعرا او مقالة او قصة او اي عنوان ادبي اخر وضمن اطار هذه القدرات الادبية يتباين المبدعون .

الحياة لا تعرف السكون ولا تسير على وتيرة واحدة اذ فيها ما هو حلوٌ وما هو مرٌّ وفيها ما يهزنا فرحا وفيها من الحزن الاسود ما يبكينا وقوة الاديب ونضجه هو فيما ينقله لنا من صدق العواطف والاحاسيس بحيث نطرب على طربه ونحزن مع حزنه .

يقول جميل صدقي الزهاوي :

اذا الشعر لم يهززك عند سماعه      فليس خليقا ان يقال له شعر

بعض النقاد استهزأ ببيت الزهاوي لا سيما كلمة ( يهززك ) وصوروه بحيث يشير الى هز الوسط عند الرقص وهذا الامر يتعارض مع علم الاخلاق اذ الكلمة هنا تعني الاشارة الذهنية وليس الجسدية بوصفها شيئا من الاريحية والاستمتاع الشعري الذي تطرب له النفوس وتستثار العواطف لما فيه من قوة ابداعية وفنية .. وانا مع البيت قلبا وقالبا فالشعر الذي يخلو من العواطف والقيم فليس سوى ثرثرة وكما يقال هواء في شبك او جعجعة بلا طحين ..

الادب عامة مع تعدد فنونه واغراضه ليس عندي سوى دواء عقلي وعاطفي وكلمة عقلي معناها تطوير القابليات وسعة الادراك وتلبية الحاجات لا سيما القراءة والاستمتاع واضافة المعلومات وهو عاطفي حينما يعالج الحالات الانسانية ويداوي الجروح حزنا وعشقا وحبا وفرحا لا سيما عند الذين لا يستطيعون الافصاح عن دواخلهم المكبوتة فيجدون في الادب سلوة عن معاناة عجزوا عن اطلاقها واذا بالاديب يصورها لهم فتكون السعادة التي تفرِّج عن القلوب الحساسة .

اما الحب فهو العاطفة التي تشترك فيها القلوب وتنفرج لها الاسارير وليس هناك من لم يعرف الحب قلبه على تعدد قصدياته وتنوع اساليبه اذ قد تسعد قصيدة حزينة من هو بحاجة الى تطمين فيشعر بالمشاركة وتهدأ نفسه ويرتاح ضميره .

الادب ضمن هذه المعايير التي عرضناها ضرورة انسانية اذ هو نتاج المشاعر الانسانية ومعنى هذا انه من القلب الى القلب بغض النظر عن ما موجود عند بعض الادباء المعاصرين من استغلاق وتعمية متعمدة لا تخاطب الا اصحاب الاختصاص ولا يفهمها الناس الاعتياديون الذين هم الغالبية الكبرى .

هذا الادب اعطى لاصحابه مكانة وقيمة اجتماعية يحسدها عليه الاخرون لكن ليس كل من كتب صفحة يعد أديبا لان الاديب موهبة وتراكم خبرة وثقافة وتجربة .. وكما لبعض الرياضيين مشجعون كذلك هناك لبعض الادباء متابعون ولكل من القرّاء ذوقه وميوله ونوعية الادب الذي يستهويه ان متابعة نوع معين من الادب كمن يفضل نوعا واحدا من المأكول تاركا الانواع الاخرى وارى ان يطلع الناس على الادب بفنونه وانواعه وطعومه فتلك لذة لا تعادلها لذة .

قد يعجبك ايضا