د. توفيق رفيق التونچي
الفكر القومي تأريخياً أينما وجد وفي كافة الأزمانمع اعتلاء سدة الحكم يتحول الى فكر سلبي فيالتطبيق كما هي عليه في فتره الحكم النازي،الإيطالي الفاشي والقومي العربي والحركات القوميةالأخرى.
للتأريخ فقط لا يوجد شعب تأذى في الشرقالأوسط كما عاناه الشعب الكوردي من قبل حامليالفكر القومي العربي، التركي والفارسي ولحد يومناهذا. القوى القومية الثلاث شاركت بشتى الطرقمحو وجود الشعب الكوردي بالمنطقة وكان اشدهاحملة الفكر القومي العربي الذي استخدم الأنفال والمقابر الجماعية وقنابل الغاز في الشهيدة حلبجةكما قامت بتهجير مئات الآلاف من الكورد الفيليينالى ايران بذريعة التبعية الإيرانية كما قامت بتزييفالتأريخ وشخصياته في عملية منهجية اسمتها“إعادة كتابة التأريخ” وآمور لا مجال لذكرها.
الفكر القومي رغم ارتباطه بالاتجاه اليمينيالسياسي إلا إننا نجد القوميين منتشرين داخلمعظم الاتجاهات الفكرية السياسية. تسمية القارةالعجوزة التي تطلق على اوربا اليوم وبعد تجربةحربين عالميتين وخراب حروب داخلية بين دولها لاتزال انعكاساتها تظهر على سطح علاقات دولهاكأرث سياسي ذو أبعاد عسكرية واجتماعية– استراتيجية بعيدة المدى كما حصل في اجتياحالجيش الروسي لشبه جزيرة القرم ومن ثم حربها فيأوكرانيا. الهجمة الشرسة التي تقوم بها الأحزابالقومية الأوربية على اللاجئين اتت بثمارها في تغيرالاتجاه الفكري لشعوب اوربا القومية للحفاظ علىتراثها القومي ومبادئ مجتمعاتها وتقاليدها. هذاالتوجه الذي بدأ في أول الامر من البذرة الخبيثةالنازية كانت في بداياتها تنتشر بين مجاميع صغيرةهنا وهناك وبين الشباب. ثم بدأت تتطور وتحاولالوصول ديمقراطياً الى برلمانات دول اوربا وخاصةالاتحاد الأوربي الذي نراهم اليوم يجلسون فيمقاعدها رغم انهم سياسياً ضد فكرة الاتحادالأوربي لانها ذو سيطرة مركزية لا يمكنهم منخلالها تبوء السلطة المطلقة كما كان يحلم بهانابليون بونابارت و أدولف هتلر.
الجدير بالذكر ان الفكر القومي الأوربي يرى انجميع مشاكل دولهم تأتي من تواجد اللاجئين علىأراضيهم وطبعا في مقدمتهم القادم من الشرق وذوالثقافة الإسلامية المحافظة. هذا لا يعني بان الغلاتمنهم فقط هم من أهل البلاد الأصلين وحتى هؤلاءمن ذوي الأصول الشرقية خذ مثلا الرمز القوميالحالي في فرنسا شاب من أصول جزائرية وإيطاليةاسمه جوردان بارديلا وهو من مواليد عام 1995 شغل منصب المتحدث باسم التجمع الوطني واليوميقود حزب الجبهة الوطنية القومي اليميني والمتطرفوربما سيقود البلاد في المستقبل لكن لفترة الى انيزاح من قبل هؤلاء من الأكثر تطرفا في حزبه بعدانشقاقهم ولا يفيده آنذاك حتى كونه صهر زعيمةحزب الجبهة الوطنية اليميني السيدة مارين لوبان(بالفرنسية: Marine Le Pen( وهي من مواليد عام1968، وابنة مؤسس الحزب ورئيسه السابقالمتطرف جان لوبان والتي ورثت السلطة بعد صراعمع والدها.
هذه الحالة ليست منحصرة فقط بين الأحزاب القوميةالغربية فمثلا نرى في العراق حين تسلم حزبالبعث العربي القومي الحكم بعد انقلاب عسكريادى الى قتل جميع قادة ثورة ١٤ تموز 1958 الذينكانوا قد اعلنوا على اثرها النظام الجمهوري فيالعراق وقد فجرها العسكريين بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم و عبد السلام عارف وهذا الأخير انقلبلاحقا على الزعيم وقتله مع رفاقه دون أي محاكمةفي دار الإذاعة العراقية وكان البعث مؤتلفا مع عبدالسلام عدة شهور قبل ان ينتهي أئتلافهم دموياآنذاك اصبح اول وزير بعثي وكان علي صالحالسعدي من مواليد ١٩٢٨ هو من اصول كورديةاتهمه الحزب لاحقا بالشعوبية وانهى دوره ونحننعلم بان الحزب اي البعث أسسه رجال من الأقليةالمسيحية في الشام (سوريا و لبنان ) منطلقا منصراعها مع الإمبراطورية العثمانية ومتأثرا بأفكارقومية إمبريالية غربية بريطانية، فرنسية و من إيطالياالفاشية ومستفيدا من التراث الإسلامي في المنطقةلكن الحزب في سوريا وعى الى ذلك فانشق و اصدرحكما بإعدام المؤسس واعني ميشيل عفلق و كذلكشبلي يوسف العيسمي.
أما في ايران فقد تمكن احد الأتراك الآذريينقيادة الفكر القومي الفارسي وهو مهدي بازركان منمواليد ١٩٠٨ الذي اصبح بعد سقوط ايرانالشاهنشاهية رئيسا للوزراء وكان يدعي بان كل منتكلم الفارسية ايراني.
أما في تركيا فنرى بان جنرالاً قبرصياً يقود الحركةالقومية وهو الب اصلان توركيش ويعتبر جميعمواطني تركيا هم من القومية التركية. لكن الغريبفي الأمر انتشار الفكر القومي حتى في المانيا مهدالفكر النازي الدولة التي خسرت حربين عالميتينودمرت مدنها وباتت تعيش على المساعدات والقروضالأمريكية وما يسمى برنامج مساعدات في مشروعمارشال (الاطار الحاسم) هذ الفكر القومي خطرعلى دول الأوربية نفسها لأننا اليوم نرى في جميعالدول الأوربية ذو تركيب سكاني تعددي قومياًوثقافياً وربما لا نجد دولة تتكون مجتمعه من قوميةواحدة.
حتى في النمسا قاد الحزب القومي حزب الحريةاليميني المتطرف يورج هيادر وهو على الأكثر منأصول مجرية ومن مواليد ١٩٥٠ والمتوفي عام ٢٠٠٨ في حادث سيارة ومن أصول في اقليم الحدودي معجمهورية المجر وكان من مؤيدي دكتاتور العراقصدام حسين ولم يكن بهذا التطرف سنوات دراستهالجامعية في النمسا في بداية الثمانينيات من القرنالمنصرم ومن انعكاساته الفكرية نراه اليوم بعدانهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكيةوحلف وارشو ان الاتجاه العام في معظم الدولالاشتراكية السابق تتجه الى اليمين واليمين القوميالمتطرف و حتى في المجر ( هنغاريا) يتجه الىالقومية والعنصرية القريبة جدا من الافكار النازيةيقودها رئيس وزرائه السيد فيكتور اوربان المقربالى روسيا البوتينية والذي يعتبر من المتطرفين فيالإتحاد الاوربي حيث وقف مع تركيا بالضد لقرارانتماء مملكة السويد الى حلف الناتو وثم وافق بعدحصوله على امتيازات معينة وهناك حركات قوميةمتطرفة في رومانيا كادت ان تشعل حربا اهلية بينمواطني رومانيا من ذوي الاصول المجرية والرومانيةابان انهيار الحكم الشيوعي للدكتاتور نيكولايشاوشسكو المباد وتزعم الحركة القومية الرومانيةأديب وشاعر روماني وهو السيد جورجيو فلاديمتودور وتراه يتغنى ببلاده في قصيدة شعرية طويلةكتبها عام ١٩٩٠ يقول فيها:
أَخَافُ أَنْ تَسقطي مِنَ الخَرِيطَةِ فِي اليم
كَعَجِينَةِ الخبز السحرية
فِي قَلْبِكَ نَبْعَ الْخُلُودِ رُومَا نَيَا
قَرْيَةً بلا كلاب
أَلا يَأْتِيك المَسيح أخيراً؟
انظر الى بريطانيا العجوزة المتقوقعة على نفسهابعد خروجها من الاتحاد الأوربي والتي تعاني اليوممن قرارها حتى تلك المملكة التي لا تغيب عنهاالشمس يقودها احد أبناء اللاجئين القادمين منالهند السيد ريشي سوناك من مواليد بريطانيا١٩٨٠ ومن حزب المحافظين حيث كانت الهند على مدى ١٥٠ عاماً تحت الاحتلال البريطاني وتصورماذا كان المرحوم المهاتما غاندي سيقول اذا سمعبذلك في حين يسيطر الفكر القومي السلبي علىسدة الحكم في الهند اليوم حيت رئيس وزراء الهندالسيد ناريندرا مودي من مواليد ١٩٥٠ يقود حزببهاراتيا جاناتا اليميني ، القومي الهندوسي .
من بين نتائج انتخابات برلمان الإتحاد الاوربيتصاعد التأييد للأحزاب القومية والتي كما أسلفتتتركز سياستها في محاربة اللاجئين والتقرب منروسيا كما انها تتهم بمعادات السامية على غرارالحزب النازي الألماني والذي يعتبر أساساً فكرياًلجميع الحركات القومية الأوربية في الوقت الحاضر. كما ان الحركة القومية في إسبانيا نشطة وحزبفوكس يتقدم في الانتخابات رغم ان إسبانيا عانتمن دكتاتورية الجنرال فرانكو والحرب الأهلية، ولكنهاعاضدت النازية ولم تدخل الحرب. يقود حزب فوكسالقومي اليميني المتطرف والمعادي للاجئين والعرببصورة خاصة (الصوت) الإسباني سنتياكوأباسكال من مواليد ١٩٧٦ والجدير بالذكر ان هناكمعلومات ما تشير الى أصوله من المورين وربماالعرب من عائلة ابا حصقل العربية. وحيث ان الحزبيعادي التواجد المغربي في البلاد جريا على سياسةترامب وتقليدا لجميع مبادرات الرئيس الأمريكيالسابق فيما يخص الهجرة غير الشرعية للبلاد. نرىانهم اي الحركة القومية في تصاعد حتى في مملكةالسويد ويعادلون ٢٠ في المائة من أصوات الناخبينلا بل يمثلون في فترات زمنية الحزب الثاني من حيثالعدد في البلاد اي في مملكة السويد التي لم ترىاي حرب خلال القرنين الماضين لا بل كانت فيالحرب الأخيرة نصيرة لألمانيا النازية عكس جارتيهاالدنمارك و النروج اللتان عانتا الأمرين تحتالاحتلال النازي ويمكن العودة الى اجواء تلك الفترةالمظلمة من حياة الشعب النرويجي في متحف اقيمباسم متحف المقاومة في مركز العاصمة أوسلو .
اما حزب الديمقراطيين السويدي العنصري الذي بينأعضاءه تشكيلة مختلطة من الأعراق وحتى منالشرق من اصول المهاجرة فقد أثبتت الوقائعاستخدامها للأساليب ال ( اس اس) الاستخباراتيةحيث التجسس والتنصت ونشر الأخبار المزيفةوالسخرية عن طريق استخدام قنوات و سائلالتواصل الاجتماعي وكان برنامج تلفزيوني بثتهاالقناة التلفزيونية الرابعة عن طريق زرع صحفي بينأجهزة الحزب الإعلامية وتسجيل أقوال المسؤولين عنبرامج التجسس في الحزب وكان رئيس الحزبالسيد جيمي اوكاسون قد صرح بان الحزب لايستحي من عملهم في فتح حسابات وهمية علىالأنترنت وبث المعلومات الخاطئة للرأي العام ومنضمنها أخبار اللاجئين المظللة.
دروس التأريخ يعلمنا بان الفكر القومي السلبيمشروع سياسي فاشل اتى بالمآسي على البشريةوالمجتمعات المفتوحة التعددية التي تحاول دوما نشرالتسامح والوئام الاجتماعي بين أبنائه ومن كافةالثقافات والعقائد والقوميات بينما يتحول القائدالحكيم الى أب روحي يمثل جميع تلك المكونات.