محمود صالح شيرواني
يشرح عالم النفس الأمريكي روبرت ب. سيالدينيفي كتابه المشهور (التأثير علم نفس الإقناع) المبادئالستة الأساسية في علم النفس التي تتحكم فيعمليات الإقناع والتأثير لدى معظم الناس. فالذينيمتلكون القدرة على استخدام هذه المبادئ النفسية،يمتلكون القدرة على التحكم في توجهات وقراراتواختيارات غيرهم من الذين يتعاملون معهم أو الذينلديهم صلات معينة بهم، وبالتالي يتمكنون منالحصول على ما يريدون منهم بسهولة، مثل، بيعالأشياء والبضائع لهم، أو الحصول على التبرعات/الأموال، أو الحصول على الأصوات الانتخابية، أوالموافقات على سياسات معينة، وحتى دفعهم للقيامبممارسات سلوكية معينة. إذن الهدف الأساس لهذهالمبادئ، هو ضمان إخضاع الغير للإرادة الذاتيةوللخطط والبرامج الاقتصادية أو الاجتماعية أوالسياسية الموضوعة بذكاء ودقة، باستعمال مبدأنفسي جوهري يوجه السلوك البشري. ولا يعني هذاأن هذه القوانين تُستخدم للشر فقط، بل تحددشريتها وخيريتها الجهة التي تستخدمها.
وباختصار، هذا المبادئ، أو القوانين التي تجعلممارسو المطاوعة المحترفين يحصلون دائمًا على“نعم” لطلباتهم، هي:
١- قانون التبادل:
ينص القانون على أنه “يجب أن ندفع بلطف مقابلما قدمه الشخص الآخر لنا“، وينص أيضًا على أننا“يجب أن نقدم للآخرين نوع الفعل نفسه الذي قدموهلنا فقط، وهو لا يتطلب أن نكون قد طلبنا ما حصلناعليه“. وتفسير هذا القانون الذي قد يبدو بسيطًا فيالظاهر، وهو منتشر في معظم الثقافات البشرية، هوأنه يخلق حالة من “المديونية” التي تدفع الأشخاصإلى ردها، وكذلك يخلق حالة من “الالتزام” بردالجميل للشخص الذي قدم الخدمة أو المعروف. فيستخدم محترف المطاوعة هذا المبدأ للاستفادة منحالة المديونية والالتزام لكسب مطاوعة الآخرينوتحقيق أهدافه.
٢- قانون الالتزام والثبات:
يُشرح القانون بأن الظهور بمظهر الثبات القوييشكل الحافز الأساسي في سلوكنا. وحب الظهوربمظهر الثبات قوي جدًا لدرجة أنه قد يرغمنا على أننفعل أشياء لا نريد القيام بها دائمًا وتكون متناقضةمع مصالحنا الخاصة، لأنه يُنظر إلى عدم الثباتعامة أنه صفة شخصية غير مرغوبة في كلالمجتمعات الإنسانية، وترتبط الدرجة العالية منالثبات دائمًا بقوة الشخصية وبقوة الذكاء.
ولكي يُجعل هذا القانون فاعلًا في توجيه الفعلالبشري، يلجأ محترفو كسب المطاوعة لاستغلالالمواقف والحالات والظروف التي تظهر فيهاالشخصيات بمظاهر الثبات القوي، فيدفعونهم للقيامبأعمال معينة، أو إعطاء تصريحات خاصة، وغيرذلك من الطلبات، ما يدفعهم إلى الوقوع في فخاخالالتزام بمواقفهم الثباتية حتى لا يبدون غيرطبيعيين، ويظهرون منسجمين مع مواقفهم.
٣- قانون البرهان الاجتماعي:
ينص على أن “إحدى الطرق التي نستعملها لتحديدما هو صحيح، هي معرفة ما يعتقده الآخرون بأنهصحيح“، وينطبق القانون “خاصة على الطريقةالتي نقرر بها ما هو السلوك الصحيح. ننظر إلىسلوك ما على أنه أصح، في ظرف معين، مقدار مانرى بقية الناس يسلكونه“.
ما دام الجميع يفعل ذلك، لم أمتنع.. دائمًا ما يبررالركض وراء المجموع بهذا المنطق. وخذ مثالًا بسيطًافي الحياة العادية، وهو رمي الأوساخ في الأماكنالعامة وفي الطبيعة، لأن الجميع يفعل ذلك، لا يترددالفرد العادي عن فعل ذلك وهو يعترف بخطئه.
٤- قانون المحبة:
ينص القانون على أن “من طبيعتنا كبشر أننا نثقفيمن نحبهم ونحترمهم، لذلك فإنه عادة إذا جاءناالطلب من خلال من نحبه فستكون نسبة قبوله أكبربكثير من إذا جاءنا عن طريق من لا نعرفه أو من لانحترمه“.
ومحترفو المطاوعة دائمًا يجعلون الناس يحبونهمويحترمونهم في البداية، حتى يصبح أمر استغلالهممقبولًا بعد ذلك، دون أن يفكروا في حقيقة الأمركثيرًا.
يستغل السياسيين هذا القانون مع المشاهير منالفنانين والشعراء وغيرهم، فيدفعون لهم ليكونواواجهة لمشاريعهم، فيجذبون الجمهور إليها،ويحصلون على تأييدهم.
٥- قانون السلطة:
نتعلم منذ طفولتنا أن طاعة السلطات المناسبة أمرصحيح وأن العصيان أمر خاطئ، لأن السلطاتتقدم ميزات كبيرة للمجتمع. يسمح بتطوير بنياتمعقدة لتنظيم إنتاج الموارد، والتجارة، والدفاع،وضبط المجتمع، وذلك يستحيل وجوده دون طاعةالسلطات. الخيار المقابل، مجتمع بلا حكومة، حالةليس لها فوائد للمجتمعات الثقافية، وهي حالة يؤكدالفيلسوف توماس هوبز على أنها تجعل الحياة“انعزالية، وفقيرة، وبغيضة، ووحشية وقصيرة“.
يمكن أن يقال بأن أهم محترفي كسب المطاوعة هممن أصحاب السلطة، لأن هؤلاء يمتلكون الأدواتوالوسائل والقدرات التي تمكنهم فعليًا من كسبمطاوعة الجماهير لهم، سواء كانت سلطاتهم شرعيةأم لا.
٦- قانون الندرة:
ينص القانون على أن “الفرص تصبح أكثر قيمةلدينا عندما يقل توافرها وعندما تزيد احتماليةخسارتها إن لم نسرع إليها“.
ويستطيع محترفو كسب المطاوعة أن يستخدموا هذاالقانون بإضفاء القيمة الوهمية والخادعة أو التي لاتستحق على الأشياء، ليجذبوا الآخرين إليها،ويكسبوا مطاوعتهم.
وسوف أقوم هنا بالتعليق على القانون الأول من هذهالقوانين النفسية، وهو قانون التبادل، لما له من علاقةمباشرة بالأوضاع السياسية والاجتماعيةوالاقتصادية في العراق اليوم بشكل مباشر، ولأنهينطبق بالذات في المجتمع العراقي من قبل النظامالسياسي الحاكم فيه.
التطبيق على الحالة العراقية:
بعد عام ٢٠٠٣ ومع استشراء الفساد في جميعمؤسسات الدولة، وتحكم الأحزاب والميليشيات المطلقفي محافظاتهم، سُمح للعامة من الناس أن يؤدواالطقوس المذهبية ويحيوا مناسباتهم الخاصة كمايشاؤون ويرغبون، بعدما حرموا منها في زمن حكمصدام حسين (١٩٧٩-٢٠٠٣)، بل وأظهرت القياداتالشيعية السياسية دعمها الكامل لهم ومشاركاتهاالمستمرة في هذه المناسبات. وكان هذا هو ما قدمللعامة من الشيعة فقط، وفي المقابل، ولأن قانونالتبادل له تأثيره الفعال، كان المقابل الذي دفعهالمجتمع الشيعي هو السماح (الجبري) للطبقةالسياسية الشيعية أن تتحكم بمقدرات الدولة، وتبنيإمبراطوريات من الفساد والميليشيات داخلمجتمعاتهم، والأصوات التي تعارض هذه الطبقة،تُتهم بألف اتهام باطل، والمنطق الذي يُهدد بهالمجتمع الشيعي هو: إن لم نحكمكم، فمن سيحكمكمبعدنا لن يقبل بالبكائيات على الحسين عليه السلام!،وإن ضاع الحكم منا، لن يعود أبدًا. فصيغة قانونالتبادل هنا: نعطيكم حرية “اللطم” كما تشاؤونوتعطونا حرية ممارسة (الفساد) كما نشاء.
وبالتأكيد يُستخدم القانون التبادلي هذا – والقوانينالأخرى أيضًا – في حالات كثيرة أخرى في العراق،ولكننا نكتفي بهذا التعليق الموجز، تاركين للقارئالتعليق على القوانين بنفسه.
انظر للاستزادة:
– التأثير: علم نفس الإقناع، تأليف: روبرت ت. سيالديني. ترجمة، د. سامر الأيوبي. الطبعة الأولى٢٠١٠، العبيكان–كلمة.
– العلاقات العامة في الثورة: مدخل علمي إلى فنونالعلاقات العامة، تأليف: مركز الخطابي للدراسات٢٠٢٢.