فريال احمد سعيد
ولد صفاء الحافظ في شهر آب سنة 1923 في مدينة هيت حيث كان والده يعمل في محكمة هيت. توفي والده عندما كان عمره 4 سنوات وأخوه الوحيد عدنان كان بعمر سنة واحدة. تكفل عمهما أحمد الحافظ رعايتهما وانتقلا للعيش في مدينة الحلة حيث كان عمهم يعمل معلماً في إحدى المدارس في الحلة. درس في مدارس الحلة وتخرج منها وكان تسلسله في الإعدادية الأول على محافظة بابل.
بعدها انتقل للعيش في بيت خالته فخريه وبعدها في بيت ابنة خاله زكية خيري حيث عاش حياة قاسية في مدينة بغداد ليكمل دراسته الجامعية في كلية الحقوق جامعة بغداد حيث أكمل دراسته الجامعية سنة1946، وبسبب كون ترتيبه الثاني على الدفعة حصل على بعثه الى فرنسا على حساب الدولة. سافر الى باريس ودرس في جامعة السوربون وحصل على شاهدتي ماجستير الاولى في الاقتصاد والثانية في القانون، ولم يتوقف الى هذا الحد بالتحصيل الدراسي فقد حصل على شهادة الدكتوراه بالقانون الدولي وبوقت قياسي وبترتيب الأول على دفعته بالنسبة للفرنسيين والأجانب. وبسبب كفاءته عرضت عليه احدى المؤسسات الحكومية الفرنسية في حينها العمل بباريس وبراتب مغري جداً ولكنه رفض وأصر على العودة للعراق وخدمة الوطن.
عاد الى العراق في سنة 1953وقام بتدريس مادة القانون الدولي في كلية الحقوق في بغداد. رشح نفسه لانتخابات مجلس النواب كنائب عن منطقة باب الشيخ ولكنه أودع التوقيف في حينها من قبل السلطات الملكية لأنه كان من المعارضة لسياسة الحكومة، ومن ثم اسقطت عنه الجنسية العراقية هو ومجموعة من المثقفين آنذاك. ترك العراق وعاش متنقلا (بطرق غير شرعيه) بين فرنسا وسوريا ولبنان، ولكنه لم يتمكن من الحصول على عمل في هذه البلدان لأنه لا يملك اي اوراق ثبوتيه الى ان حصل على عمل في إحدى الصحف السورية وبدوام ليلي يبدأ من الساعة الثانية عشر ليلاً وينتهي في الساعة السادسة صباحاُ.
بعد ثورة تموز عام1958عاد الى العراق وأعيدت له الجنسية العراقية وعاد للتدريس في كلية الحقوق وكمحاضر في كلية التجارة لحين انقلاب ٨ شباط 1963، حيث أصبح مطارداً من قبل الحرس القومي والحكومة ولكنه تمكن من الإفلات منهم واختفى لمدة خمس سنوات عن انظار أهله وذويه والعالم وهو في بغداد حيث اختفى في بيت ليلى البياتي لفترة ومن ثم انتقل الى شقة مجاورة غير مسكونة في منطقة الكرادة خارج. وبعدها نقل الى منطقة الصرائف مدينة القاهرة في الأعظمية. وبمساعدة عمة احمد الحافظ بقي هناك لمدة ما يقارب السنة بعدها انتقل الى دار في منطقة الشيخ عمر بمساعدة زوجته وأخوه عدنان الذي كان دوما سنداً له معنوياً ومادياً. وبقى هناك لمدة سنة ايضاً ومن ثم انتقل للعيش في بيت أهل زوجته حيث كانت هي هناك وبقى مختفياً هناك الى سنة 1968بعدها أعيد الى الوظيفة وأصبح يعيش في العلن وسكن في حينها في منطقة الداوودي في المنصور هو وزوجته وأولاده، وبقى استاذ في الجامعة كلية الحقوق الى سنة 1971.
نقل بعدها الى وزارة العدل كمدون قانوني ومستشار في مجلس شورى الدولة وعنصر مهم في دائرة الإصلاح القانوني. ومن أهم القوانين التي انجزها في حينه هو قانون الرعاية الاجتماعية والمعمول به لحد الآن والذي يخدم شريحة كبيرة من الشعب خصوصا الاشخاص عديمي الدخل.
حصل على شهادة دكتوراه هابيل من جامعة لايبزك في المانيا وهي أعلى شهادة دكتوراه في العالم ليصبح لقبه بروفيسور. وفي فترة مكوثه في المانيا اتصلت به الحكومة العراقية طالبة منه الرجوع الى بغداد وتعيينه وزيراً للعدل ولكنه رفض وبقى في المانيا هو وعائلته لحين انتهاء الاجازة الدراسية وعاد الى العراق سنة 1974حيث كان في حينها العراق يعيش في أجواء الجبهة الوطنية والصحف العلنية لجميع الأحزاب حتى سنة 1979حيث استلم صدام حسين السلطة بعد احمد حسن البكر وبدأت الاغتيالات والاعتقالات للعناصر المعروفة بنشاطها الوطني وكان نصيبه منها كثير إذ أحيل على التقاعد في حينها ومن ثم اعتقل في الأمن لمدة 35 يوماً أو بالأحرى اختطف من الشارع حينها تم اطلاق سراحه بسبب تدخل رئيس مجلس السلم العالمي (جاندرا).
عاد الى عمله الحزبي وعمل في حينها على إعادة هيكلة الحزب الشيوعي ثانية خاصة بعد الهجمة الشرسة على جميع كوادر الحزب المهمة وإدخالهم السجون او بالأحرى غيبوا في السجون حيث لا يعرف عنهم اي شيء، في اي سجن، حوكموا ام لا، احياء ام اموات.
بتاريخ ٤ شباط 1980 ألقي القبض عليه بطريقه اشبه بالاختطاف حيث اختطف من الشارع وهو يقوم بتوصيل زوجته الى مقر عملها في شارع الرشيد، ولم يعد بعدها حتى الان ولا يعرف اي معلومة عن مصيره هل أعدم ام توفى، كيف ومتى توفي، ولا يعرف له قبر مثل جميع البشر، مما ألحق خسارة كبيرة لعائلته أولاً ولمحبيه الكثيرين ثانياً ولوطنه.
أنه مناضل شيوعي وطني الى حد النخاع عانى كثيرا في حياته من أجل الدفاع عن الأفكار التي كان يؤمن بها حتى قدم في النهاية حياته وهي أغلى شيء ممكن ان يقدمه الانسان من أجل الحفاظ على وحدة وسلامة الحزب الشيوعي العراقي من جهة، وخدمة وطنه العراق من جهة أخرى وبكل صدق وأمانة.
كان عضو في الكثير مع المنظمات الوطنية سواء في الداخل او الخارج فهو عضو في مجلس السلم العالمي وعضو بارز وفعال في مجلس السلم العراقي وكذلك في نقابة الحقوقيين باعتباره حقوقي وفي نقابة المحامين باعتباره محامي وفي نقابة الاقتصاديين باعتباره اقتصادي وفي نقابة المعلمين باعتباره من الهيئة التدريسية في كلية الحقوق وانتخب في حينها سكرتير لنقابة المعلمين وفي نقابة الصحفيين باعتباره صحفي نشط يكتب المقالات دائما في جريدة اتحاد الشعب ومن ثم جريدة طريق الشعب وهي لسان الحزب الشيوعي العراقي وكان من مؤسسي مجلة الثقافة الجديدة والتي هي ايضاً تمثل لسان الحزب واصبح سكرتير المجلة ولفترة طويلة، وعمل في فترة اختفائه الطويلة والتي دامت خمس سنوات في اذاعة صوت الشعب العراقي والتي كان مقرها في حينه في صوفيا عاصمة بلغاريا وكان يمدها بالأخبار والمواضيع الكثيرة التي تمس الشعب العراقي وهو في بغداد.
من كل ذلك أصبح معروفاً في جميع هذه المجالات وله علاقات كثيرة جداً مع الآخرين حتى مع البعثيين باعتباره كان دائما ممثلاً للحزب الشيوعي العراقي ومفاوضاً معهم وكان على علاقة قوية مع الحزب الوطني الديمقراطي برئاسة كامل الجادرجي وكان يزوره دائما ويتباحثان في القضايا السياسية التي تمس البلد وكثير من الناس كانوا يشكون بأنه عضواً في الحزب الوطني الديمقراطي لقربه منهم في كثير من المواضيع المطروحه.
كان انسانا ذكي دمث الاخلاق محبوب من الجميع حتى من قبل خصومه السياسيين، دبلوماسي بكل معنى الكلمة لا يعرف الحدية في الأمور مفاوض جيد كما وانه يتميز بصفة قليل ما يتميز بها الآخرين انه بسيط بالتعامل مع الآخرين يجالس ابسط الناس من الفلاح الى العامل ويدخل معهم في حوارات كأنه واحد منهم وبجانب ذلك يجالس أعلى المستويات من المثقفين والمتنفذين في الدولة وكأنه واحد منهم وهذا دليل على الثقافة العالية التي كان يتمتع بها، هادئاً قليل العصبية حتى انه حينما يغضب يكتم ذلك في داخله ولا يظهره للآخرين ابداً.
يجيد ثلاث لغات إجاده تامة هي الفرنسية والإنجليزية والألمانية بالإضافة الى لغة الأم وهي العربية طبعا، وهذه الميزات جميعاً جعلته يكون ممثلاً للحكومة والحزب في المحافل الدولية، يحب بلده العراق كثيراً ولم يخرج منه مع الذين خرجوا في حينها لأن الحكومة في حينها اتخذت قرارا هو تسهيل سفر الشيوعين الى الخارج لكي تخلص من معارضتهم في الداخل ورحل الكثيرين ولم يبقى الا القليل منهم وكان هو احدهم أراد ان يخدم العراق ورفض السفر الى الخارج وكانت النتيجة انه قدم حياته قرباناً للعراق وهذا ما كان يتمناه دائما في الوقت الذي لديه من الإمكانيات الثقافية والشهادة واللغات من العيش في بلدان عديدة ولكنه رفض ذلك وبقي في الوطن حتى كانت نهايته فيه. كان زوجاً مثالياً وأباً رائعاً بكل معنى الكلمة. رزق بعمار الابن البكر وريم وثلاثة توائم نوار وعلي ورند.