لطيف دلو
لابد من هذه المقدمة لنصل الى حقائق الاحداث حيث تاسست الدولة العراقية بحكومة مؤقتة ترأسها عبد الرحمن الكيلاني من اصول كوردية دينية ومن ثم توج فيصل بن الحسين الحجازي ( فيصل الاول ) من اصول عربية دينية من خارج العراق ملكا عليها عام 1921. وما قام به الملك بتطوير التعامل مع السنة والشيعة وخلق العلاقات والروابط بينهما ما لم يستطع أي حاكم عراقي بعده تحقيقها ، إلاّ الكورد حجب عنهم الحكم الذاتي الذي كان مقررا لهم مع ممارسة شعائرهم القومية في عيد نوروز ولغتهم في الدوائر ومرافعات المحاكم والدراسة في مناطقهم ، هنا كلمة الحق يجب أن تقال قد أشرك جميع مكونات الدولة في الحكومة بصلاحيات كاملة لا تختلف عن غيرهم في السلطة وحصة الكورد 17% من جميع النواحي ومنها الحكومة المركزية ، وهنا تكمن تساؤلات محيرة تطرح نفسها عن اختيار شخصا من الخارج ملكا للعراق برضاء السياسين العراقيين المشاركين في السلطة آنذاك ولماذا كل تلك الافعال التعسفية الدموية عند الاطاحة بالعائلة المالكة والقريبين منهم بأبشع صور بتاريخ 14 تموز 1958 وماذا جنوا للعراق غير الانجرار وراء الانقلابات ونزاعات قومية وطائفية دموية داخلية وحروب اقليمية وادخال الفساد الاداري والسياسي الى السلطة والنيل من سيادة الدولة بتدخلات من الدول الاقليمية ودول كبرى وهدر ثروات البلاد في المنازعات واثراء الحكام؟
استطاع النظام الملكي اخراج العراق من الانتداب البريطاني وادخاله عضوا في عصبة الامم كأول دولة من الدول التي تشكلت بعد الحرب العالمية الاولى من التركة العثمانية ونال الاستقلال عام 1932 و أول مَن اشتهر من الوزراء هو ساسان حسقيل اليهودي وزير المالية بالنزاهة والحرص الشديد على اموال الدولة ومن رؤساء وزراءه عبد المحسن السعدون من عشيرة المنتفك في الناصرية تولى هذا المنصب عدة مرات وهو من ابرز الرموز الوطنية وعضو المجلس التأسيسي وكانت علاقاته واسعة مع العشائر وعارض بشدة المتنفذين الساعين للمنافع الشخصية حفظا لسمعته وكرامته وكذلك معارضته لبريطانيا التي رفضت العراق عن تطوير جيشه وانتحر اثر ذلك في 13 /11/ 1929 وعرفانا لوطنيته قام اهالي بغداد على حسابهم الخاص بصنع تمثال له في شارع السعدون وكذلك الملك غازي ثاني ملك العراق المناهض للنفوذ البريطاني في العراق بوصفه عقبة في بناء الدولة العراقية وتنهب ثرواتها النفطية والاثارية وتوفي في حادث اصطدام سيارته التي كان يقودها بعمود كهرباء بتاريخ 4/4/1939.
من ابرز السياسيين العراقيين والاكثر شهرة داخليا وخارجيا في العهد الملكي نوري باشا السعيد واسمه الكامل – نوري سعيد صالح ملا طه ولد في بغداد – محلة تپە کورد – ویقال عنه انه کوردی المولد وترکی النشأة وتولى منصب رئاسة الوزراء اربعة عشر مرة من 23/3/ 1930 الى 13/7/1958 وساهم في تأسيس المملكة العراقية والجيش العراقي وكان حازما وحريصا في مهام عمله وقال عنه آنذاك السفير البريطاني بترسون بان نوري باشا ظل لغزا كبيرا وصعب الاقناع في بلد لم يتعود الاذعان لاحد او الخضوع لسلطة بعد انتحار عبد المحسن السعدون ، وفي عهده اصيب ابنه العقيد الطيار صباح بحادثة سقوط طائرته وعولج على نفقة والده في بريطانيا والبالغة اربعمائة دينار فطلب صرفها من خزينة الدولة وعارضه وزير المالية في وزارته ولم يصرف له النفقة لكون الحادثة لم يكنن اثناء اداء الواجب ومن اقواله الماثورة والمتداولة بين الناس الي اليوم – انا قبق جيفة الفساد بإزالتي تزكمكم ريحتها – وكان اخر رئيس وزراء العهد الملكي والقي القبض عليه وقتل ومثل بجثته بابشع صور وعرض تلفزيون بغداد في عهد النظام البائد ابنته سعاد في دار المسنين ، وهذا كل ما دخره والدها خلال خدمته للعراق.
ومن المعدومين من النظام الملكي هو وزير الداخلية سعيد قزاز واسمه الكامل محمد سعيد مرزا مجيد الحاج احمد القزاز من السليمانية ، ساهم في بناء العراق – 33 عاما – واول من استلم الموانيء من الانكليز، وسلم نفسه الى السلطات طوعيا بعد الاطاحة بالنظام الملكي وحكمت عليه محكمة المهداوي بالشنق ورد عليهم بقوله المشهور يتردد بعده ( عندما اصعد الى المشنقة ارى الكثيرين تحت اقدامي ممن لا يستحقون الحياة ) وسمعت ممن عاصروا عهده يقولون لولا هذا الرجل لماتوا الفقراء من الجوع اذ اشرف بنفسه على مديرية الاعاشة واسس لها افران في جميع المناطق السكنية في المدن لبيع الخبز ب ( عانة ) اربعة فلوس وانقذهم من المجاعة وكانت تلك الافران تعمل الى السبعينيات من القرن المنصرم.
لو حظي النظام الملكي الدستوري البقاء الى اليوم لتغير الكثير من التعاملات في نظام الحكم ورصانة الدولة بتأثير تطور العلم والمعرفة على انظمة الحكم كما حدث في الدول الاخرى المماثلة في اوروبا والدول الخليجية لأصبح العراق في صدارة تلك الدول المتقدمة علميا وإقتصاديا وإجتماعيا في المنطقة وتحظى بالامن والاستقرار بشواهد لم تكن الخيانة.
والفساد السبب الحقيقي في تصفيته بالرعونة تلك بل كان عداؤهم للشيوعية بشكل مثير لانتمائهم لسياسة دولة اجنبية وليس المجتمع العراقي حسب ما سربت من اقوال الوزير سعيد قزار الى الناس أثناء محاكمته.
بعد اسقاط النظام الملكي وزوال قبق جيفة الفساد كما قال عن نفسه نوري السعيد ، تحققت الاجابة عن كل تلك التساؤلات من إخفاق حكام الانظمة المتعاقبة في إدارة الدولة حيث كل خلف يخون سلفه معززا بالاية الكريمة ( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾
وظهرالفساد والسرقة والرشوة وسفك الدماء كما في قانون الغاب وابغضها الابادة الجماعية للكورد بإسم الانفال بكل ما تعنيه (أي تكفيرهم ) وإحلال قتلهم بأسلحة محرمة وسبي نسائهم والاستلاء على ممتلكاتهم ما لم تسبق له في حروب المسلمين مع الكفار في صدر الاسلام وتهجيرالكورد الفيليين وسوق شبابهم الى محارق الموت وفقدت الدولة معالم سيادتها وحرمان الشعب من ثروات بلادهم واحتكارها من قبل الحكام لمصالحهم الخاصة.
لا يمكن أن نقول عن النظام الملكي الدستوري كان ملائكيا ، بل إن الخراب والدمار والنزاع القومي والطائفي والديني ، أفتعلته الانظمة المتوالية على السلطة بعده يناشد الضمير التساؤل عن ، هل اصبح الاعتذار من النظام الملكي الدستوري مؤسسوا دولة العراق ممن قتلوا واعدموا وسحلوا في الشوارع وشيكا لرد اعتبارهم ، على سبيل القول – ما عرفنا خيرك الا ما جربنا غيرك.
* العراق والبحث عن الهوية الوطنية – ترجمة دلشاد ميران.