مفهوم الهم الوطني بين إستراتيجية الأحزاب السياسية والشارع الكوردي – اقليم كوردستان

إذا بقيت تفكرا بالخطوة التالية طويلا ,  ستقضي حياتك أعرجاحكمة صينية

 

 

 

 

 

 د. توفيق رفيق التونچي

الجزء الثاني

 

 

 

الأحزاب السياسية الكوردية:

هذا فقط عرض موجز لفهم الفكر العام للحركاتالسياسية الكوردية. لذا لا بد من التذكير أولا إنجميع الأحزاب السياسية الكوردية في إقليمكوردستان هي قومية التوجه في الأساس ومصدرهامن جذع مشترك واحد تطور لاحقا وتفرع كما تتفرعأغصان الشجر. إن تطور الحياة السياسية الكورديةتأتي مع أواخر سنوات الإمبراطورية العثمانية حالهحال الشعوب الأخرى التي كانت ترضخ تحت نيرالاحتلال العثماني. كانت لتأسيس الجمعياتالثقافية الأثر الأكبر لنمو الوعي القومي والوطني عندالكورد وبلغ أشدها مع نهايات الإمبراطورية ولكنالظروف كانت دوما يحول دون وصولهم إلى دولتهموكيانهم فباءت جميع المحاولات بالفشل بعد نهاياتالحرب العالمية الأولى حيث يعتبر اكبر نصر تمكنالبعثة الكوردية تحقيقه في معاهدة سيفر ولكنمعاهدة لوزان كانت ضربة للحلم الكوردي الذي تبخروضاع.

تلك اللحظات تتكرر لاحقا في حياة الشعب الكورديبينما تتكون دول جديدة في المنطقة ذو تركيبه تعدديةكلبنان وسوريا والعراق والأردن وفلسطين وكلها كانتولايات عثمانية بينما يبقى الكورد مقسمين بين تلكالدول الحديثة التكوين ويضيع الحلم مرة أخرى.

إن تأثير الاتحاد السوفياتي السابق والفكر التقدميالثوري بدا في فترة مبكرة بين أبناء الشعب الكورديالذين وجدوا في أفكار التقدمية الشيوعية التشابهالكبير مع طموحاتهم. أدى ذلك إلى تأسيس العديدمن الجمعيات والتجمعات السياسية التي تحولت إلىأحزاب سياسية فيما بعد. كما نرى في بداياتتأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني في 16 اب من عام 1946 في العراق. كما نرى إن انتكاسةعام 1975 اثر اتفاقية الجزائر المشؤومة,  بعد النصرالكبير الذي حققته الحركة التحررية الكوردية بزعامةالقائد الخالد الراحل ملا مصطفى البارزاني فيالحادي عشر من آذار من عام 1970 بإعلان بيانآذار للحكم الذاتي ، اثرت كثيرا على الحركةالكوردية. أن التطورات اللاحقة أدت في النهاية إلىتجمع جديد في برلين سمي بالاتحاد الوطنيالكوردستاني تحت قيادة المرحوم  جلال الطالباني وهي تجمع أحزاب يسارية ثورية ذو نزعة وطنيةوقومية.

المرحوم جلال الطالباني والقائد كاك مسعودالبارزاني

هنا لا أريد التطرق للأحزاب السياسية الكورديةخارج إطار الوطن العراقي إلا إذا كان لا بد منذكرهم. الجدير بالذكر أن الحركة الكوردية الإسلاميةتطورت مع نهايات عام حرب الخليج حيث المناخالسياسي الديمقراطي النسبي الذي ساد آنذاك فيكوردستان وبغياب شبه تام لسيطرة الدولة المركزية.

الحركة الكوردية أبعادها ونتائجها:

لا بد في بادئ الأمر تذكير القارئ بان جميعمنجزات الحركة الكوردية اليوم هي تراكمية لمجملتاريخ نضالي قدم فيها الشعب الكوردي أبنائه البررةقرابين في دروب النضال. ان تلك التراكمية التاريخيةهو مجهود مشترك لقوى سياسية واجتماعية متوحدةوليس لقوة سياسية واحدة مجتمعة في جميع أجزاءكوردستان الكبرى.

أن الظروف الدولية والمحلية كانتا عاملين سلبيين فيتاريخ نضال هذا الشعب يضاف إلى كل ذلكالمخزون الهائل من الثروة الطبيعية والبشريةوالاقتصادية والتاريخية.

أن الإرث السياسي الثقيل والمعقد في المجتمعالعراقي بصورة خاصة والمجتمع الشرقي بصورةعامة يعتبر عاملا يبطئ التطبيق والممارسةالديمقراطية وإرساء دعائم المجتمع المدني المنشودأما الحركة الكوردية العراقية ففي جذورها نراهاحركة تحررية قومية كانت المقاومة المسلحة إحدىأدوات نضالها خلال تاريخها النضالي الطويل. العراقيون الذين تشبعوا بروح الأنظمة الشمولية منرفض وجود الفكر الآخر والتجديد والإصلاح والتوجهإلى مبارزته ومقاومته عن طريق اللجوء إلى العنفوإلغاء الوجود الإنساني، هؤلاء سيكونون عاملضعف وتجزئة في المجتمع لحين تربية أجيال جديدةواعية وناضجة، تؤمن وتمارس الديمقراطية الحقة فيالمستقبل.

أن مكتسبات الشعب الكوردي اليوم هي كما أسلفتتراكمية لنضال على مدى من السنين رفض فيهاالعبودية والظلم والقهر وستبقىالحريةتاجا علىرؤوس الكورد عبر السنين.

الإرهاب الموجه إلى المؤسسة المدنية:

أن الإرهاب الموجه إلى المؤسسات المدنية العراقية وخاصة تلك التي لها باع طويل في الممارسةالديمقراطية في كوردستان لهي موجه إلى صلبالفكر المنادي إلى مدنية المجتمعات والتعددية الفكريةوبناء مجتمع العدل والمساواة وسيادة القانونوالقضاء المستقل. فلا ريب أن التجربة الكوردية فيالإدارة المدنية وانتخابات برلمان كوردستان لهيخطوات في الطريق الصحيح يجب المحافظة عليهاوتقوية أواصرها وتطويرها ومؤازرتها من قبلالجميع، كي تتحول مستقبلا إلى نموذج رائد يقتديبها في الدولة العراقية الاتحادية. فقد كان المناخوالجو السياسي الحر نسبياً في كوردستان ما بعدحرب الخليج الثانية مدعاة فخر لكل القوى الداعيةإلى الديمقراطية والتعددية ففي تلكم الأجواء سادتروح التسامح وقبول الفكر ألتعددي والرأي الآخر رغمما جابهت تلك التجربة من معوقات وصعوبات نتيجةالعوامل الخارجية والمحلية. لقد تأسست وتحت ظلتلك الممارسة الديمقراطية العديد من الأحزابالسياسية والمنظمات الاجتماعية والمؤسساتالأخرى.

لا ريب إن العديد من الأحزاب العراقية العاملة اليومتحت سماء الحرية في العراق كانت لها تواجدا فيكوردستان أيام النظام السابق وقد أسست الجبهةالتركمانية لاحقا  عام 1995 في العاصمة اربيل وتلكتجربة جديدة في حياة التركمان بصورة عامة حيثلم يتجرؤا تاريخيا في العراق إلى تأسيس أحزابسياسية متجهين الى إنشاء نوادي ثقافية واجتماعيةورغم كل ذلك فقد بطشت بهم الحكومات المركزيةحيث أن معظم قيادي ونشطاء تلك الجمعيات أماأودعوا السجون أو اعدموا كما كانت مصير جميعالأقليات العرقية والفكرية العقائدية الأخرى فيالعراق.   يبقى أن نعلم إن الشعب الكوردي بتجربتهالقصيرة أكثر ديمقراطية من النظام التركي مثلاالذي جاوز تطبيقه الديمقراطية على الثمانين عاما ولايزال يرفض هذا النظام تأسيس أحزاب سياسيةكوردية لا بل يزج المفكرين من مؤيدين أو السائرينعلى النهج الوطني الكوردي الى السجونوالمعتقلات. وهناك كذلك أحزاب سياسية كلدواشوريةسريانية ومنظمات لعقائد وطوائف مختلفة مارستنشاطاتها علنيا وعلى ارض الواقع ولحد

يومنا هذا.

أسباب التغير  والتجديد:

ما الذي يدفع بالمرء إلى اتخاذ قرار هجر القديموتبني الجديد المجهول الغير مجرب؟ وما سيأتي بهالتغير ما لم يتمكن من إنجازه القديم المباد؟ هلهناك دوافع غريزية لدى البشر تدفعهم إلى التجديدأو التغير والبحث المستمر عن الجديد أم إن ملائمةالواقع الجديد والاستمرارية وضمان البقاء عواملتدفع بالمرء إلى اتخاذ قرار التغير رغم ما ينتج عنهمن مقاومة وفوضى ورفض للجديد المستحدث أوربما ينعته احدهم ببدعهويكون نهاية المطافوالطريق. نرى من الناحية العامة إن هناك العديد منأسباب الداعية إلى التغير أهمها:

التطور الحاصل في البيئة المحيطة بنا ( العولمة, قصر دورة الحياة السلع الإنتاجية والخدمات, سرعةالتطور التقني, تغيرات طرق العمل , …) هذه بعضالتغيرات التي تفرض على القيادة الإدارية وتدفعهإلى اتخاذ قرارات التحديث والتغير حيث أن القيادةالواعية ترى مجمل الصورة بأكملها نتيجة حتميةوشرطية للتغيرات الحاصل في البيئة المحيطة التيتنعكس على مجمل نشاطات وفعاليات ومسؤولياتالقيادة.

استخدام العلم كأداة وسلاح في داخل المؤسساتوالمنظمات أدى إلى ظهور نوع جديد من الرقابة بينالإدارات تعتمد على أساسالعلمحيث رقابةالأفراد من ناحية تسلحهم بالمعارف الحديثة والتقنيةالحديثة. تزايد تلك المعارف والعلوم وباستمرار بينالعاملين أدى إلى مشاركتهم الفعالة في الإدارةوقراراتها بالإضافة إلى تحولهم إلى جهة تقيموتراقب وتؤثر على أداء القيادة الإدارية من ناحيةومن ناحية أخرى تشارك في عملية التخطيط ورسمسياسات الإدارة و في عملية المتابعة. وجود القيادةالإدارية على راس السلطة الإدارية مهم للعاملينوحاجه ملحة حيث شعور الأمن والاطمئنان والضمانفي الحياة العملية مرتبط دوما بوجود سلطة قياديةقوية وواعية.

القيادة الكوردية وكما أسلفت اعتمدت على كوادر منالشباب الكوردستاني المدربين وذو التجاربوالقادمين من خارج الوطن وطعمتها بالكوادرالموجودة على الساحة وبذلك نجحت في إدخال روحالتغير إلى مؤسسات الدولة والإدارة. الانفتاح علىالتغير وممارسة الديمقراطية وإرساء ركائزها فيبنيان المجتمع الكوردي مع وجود نظرة ورؤيةمستقبلية تنطلق من مبدأ التراكمية المتغيرة وترى فيالتطور والتغير والإصلاح حالة مستمرة تدفع بعجلةالتقدم الإنساني إلى الأمام كحاجة إستراتيجية تؤكدمبدأ الأمن القومي للشعب ويبعد عنه مصائب الزمنوانقلاباتها المفاجئة.

سلاما إلى أرواح شهداء الحركة  الكوردية.  التجربةالديمقراطية في الإقليم رغم كل المعوقات عليهاالاتجاه الى الوطنية كي تشمل التجربة جميعمكونات شعب كوردستان وتتحول الى كيان وطنييعتز به جميع الشعوب المناضلة من اجل حقوقهاالوطنية في تقرير مصيرها التاريخي والحتمي.

قد يعجبك ايضا