مفهوم الهم الوطني بين إستراتيجية الأحزابالسياسية والشارع الكوردي- اقليم كوردستان

إذا بقيت تفكرا بالخطوة التالية طويلا,  ستقضي حياتك أعرجاحكمة صينية

 

 

 

 

 د. توفيق رفيق التونچي

الجزء الأول

 

 

 

 

 

تمهيد:

الغد يشرق من رؤية مستقبلية ومن خلال وضوح تلكالرؤية وشفافيتها,  ووضوحا اليوم يراه فقط النخبةوالحكماء كي يرسموا خطوط المستقبل ويحققونالأحلام التي تراودهم وتلك التي يناضل في سبيلهاشعوبهم حين يكونون في موقع المسؤولية في السلطةوالحكم. عالمنا اليوم عالم الاستراتيجيات البعيدةالمدى ولا تقبل التقوقع والنظرة الضيقة للامور فيالتخطيط للمستقبل في السياسة والاقتصاد وجميعمناحي الحياة الإنسانية.

لا ريب أن دراسة موسعة تستند على الوثائقوالأحداث التاريخية لشعب من أقدم شعوب الشرقليس بالأمر الهين. إن موضوعية الدراسات التيأجريت بحق هذا الشعب تصطدم دوما بنقد منالجهات التي لا ترى أن من حق كل الشعوب المناداةوالحلم من اجل كيان مستقل وحرية على ارضأجدادها. هؤلاء المنتقدين ينطلقون دوما من أفقضيقة ويعتمدون على أفكار متعالية لا ترى أنالآخرون لهم نفس الحقوق, بل يجادلون الناس بينمايرضون لنفسهم غير ذلك. الحقيقة إن الفكر القوميالسلبي المنغلق أينما تواجد وبين أي شعب انتشربات يعمي أبصارهم وبصيرتهم. فهم يرون كل شيءمن منطلق ضيق متعالي. لا ريب ان هذه النظرةالضيقة قد ابتلى به الشعب نفسه وبعض الاتجاهاتالسياسية والافراد.

هذه دراسة متواضعة وسفرغير متكامل في عرضإستراتيجية الفكر السياسي الكوردي ومدىمطابقتها للأمن القومي الكوردي الذي يؤمن بهالشارع الكوردي.. كل تلك الحوادث المؤسفة حصلتوالشارع الكوردي وقف في موقف المعارض من ناحيةأخرى كان العدو يتربص بهم بينما هم يتناحرونويتخاصمون فيما بينهم لأسباب فكرية وأسبابأخرى وكما أسلفت لست يصددها.

وبما إن مفهوم الإستراتيجية والأمن القومي كان فيغياب تام كقاسم مشترك وطني اعلى او على الاقلليس متفق عليه بين القوى السياسية,  غابت عنالصورة وجوب تشخيص العدو الحقيقي داخلياوخارجيا.

أن الشعب الكوردي بصورة عامة تواق للحرية ولإنشاء دولته المستقلة حيث اخذ لأول مرة في التاريخبزمام الأمر وبحرية كاملة وفهم عميق لاماني الشعبالمبادرة خلال العقد الماضي منحى جديدا وذلك فيأجواء الديمقراطية التي سادت في كوردستان. رغمإن تاريخ الحركات السياسية الكوردية يبين أنمعظمهم لم يتجرأ أن يطرح هذا المفهومالاستقلاليخوفا من الأكثرية الحاكمةالحكومات المركزية ودولالجواروالاتهام بالانفصال في حين بقى الشارعالكوردي والمواطن العادي مستقلا ويرى الوطنبعيون أخرى.

إن اختيار نواب الشعب الكوردي للفدرالية والاتحادالتطوعي في عراق موحد يأتي ولأول مرة في التاريخالكوردي المعاصر من مصدر قوة سأحاول فيكتابتي هذا طرح رأي ربما يراه البعض مخالفاوينتقدني عليه الكثيرون ولكني أرى إن الحقيقة لايمكن أن تسدل عليه الستار وان نضال الشعوبأينما كانوا من اجل تقرير المصير نضال مقدس ولابد انه ستظهر يوما حتما ساطعة كأشعة نورالشمس.

نظرة إلى الوراء:

الحلم الكوردي بالاستقلال يكاد أن يكون فكرا أزلياوخالدا في ضمير الأمة.  قد تواجد مع وجودالإنسان الكوردي الذي بطبيعته ميال إلى الحرية مععدم التقييد بالزمان والمكان والكيفية. إن المتتبعلتاريخ الحركات الكوردية التحررية المعاصرة بصورةعامة يجد أن طابع العنف الثوري قد سادت جل تلكالحركات ليس لوجود طبيعة خاصة يتميز بهاالكوردي عن غيره, لا بطبيعة الحال ,  بل لوجودحقيقة تاريخية وجغرافية سياسية كانت دوما تقفضد طموحات هذا الشعب وعبر التاريخ. إلا وهيوجود علاقة الحاكم والمحكوم بين الشعب الكورديوالسلطة الحاكمة لم تصل إلى درجة تحول الكوردإلى الحكام إلا نادرا والجدير بالذكر أن من مصائبالقدر أن يكون دوما حكام الشرق من الطغاة لايراعون حق الرعية.

أن حب الحرية والانطلاق في هذا الشعب جعل منهغير مبالي للأمور المادية فتراه تاريخيا يتجول فيوطنه حرا دون أي قيد ولا يستقر في مكان معينكالروح المنطلقة في السماء. وقد زاد تلك الهجرةالبشرية منذ حرب الخليج الثانية.

لقد جرى تجارب كثيرة أيام الإمبراطورية العثمانيةللوقوف بوجه هذا ألتوق الشديد للحرية فكانالعصيان احد أهم مميزات القبائل الكوردية تحتالاحتلال العثماني. فكانت ثوراتهم تؤرق نوم الحكاموالسلاطين ال عثمان الذين ما انفكوا إلا واجمعوادوما على بطش بتلك الثورات والانتفاضاتباستعمال العنف و الإبادة والعقاب الجماعيوالأبعاد نرى اثارها في التواجد الكوردي في دولشمال افريقيا مثلا. بينما نرى إن القبائل الكورديةفي إيران وربما نتيجة لعوامل القرابة العرقية واللغويةمع الفرس قد وصلوا الى سدة الحكم وعدة مرات  ولولم يخسر الزنديون الدولة الزندية الا بعد وفات ملكهاكريم خان زند  و هو من اجدادي العظام و الذي ورثةقادة ضعفاء وخسروا الحكم من بعدة للاخوالهم منالقاجارين الترك للمزيد من المعلومات يرجى قراءة 🙁 دراسات في تاريخ إيران المعاصر للدكتور كمالمظهر احمد).

حيث خسر الزنديون الحرب أمام القاجاريينالتركمان وتوجه العديد منهم صوب الغرب أي الىكوردستان العراق ولولا تلك الخسارة  لكانت الدولةالإيرانية والله اعلم ولحد يومنا هذا يحكمها الكورد. بطبيعة الحال إن القائد الإسلامي الناصر صلاحالدين لم يكن يوما قائدا للكورد بالمعنى القومي ولمينادي بوطن وسلطة كوردية بل كان يرفع الرايةالإسلامية. إن العديد من قادة الشرق كانوا منأصول كوردية في مصر وسوريا وفلسطين ولبنانوالأردن والعراق وتركيا وإيران وربما دول أخرى ولكنلم يرفعوا أبدا الراية الوطنية الكوردية بل كان الانتماءإلى الدين الإسلامي الحنيف يلغي جميع الفروقاتحيثلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى“.  إنالانصهار الكلي للشعب الكوردي في الدينالإسلامي ولو فكريا جعل منهم من اشد المؤمنينبالعقيدة السمحة دون نسيان انتمائهم القومي حيثلا يزالون يتكلمون اللهجات الكوردية البديعة ويحتفظون بالكثير من الرموز الثقافية الأخرىكالملبس والمأكل والمشرب والمأثورات. هذه الخاصيةالبديعة جعلهم يقاومون جميع البرابرة والطغاةوالغزاة في حين ذاب الكثير من القوميات الأخرىفي الثقافة العربيةمستعربيناو فيالتركيةمستتركينونسوا أصولهم وأرومهمالحقيقية.

الاستراتيجية احد عوامل الاستمرارية والبقاء:

إن الاستراتيجية التي اعتمد عليها الشعب الكورديعبر الزمن كانت متأتية من الفطرة والتجربة التكامليةالتراكمية وحب الكورد لقومهم و رموزهم و اعتبارهابالدرجة الأولى غير متضاربة مع إيمانهم الديني فيحين انتشر بينهم العديد من الطرق الدينية والصوفيةوربما كان حكماء الكورد يريدون بذلك نشر طريقةدينية خاصة بالشعب الكوردي يحمي رموزهمالفكرية بين طياتها كالنقشبنديةوالقزلباشية“, “البكتاشيةوطرق دينية أخرى بينما تحولت العيدمن العقائد الكوردية القديمة إلى عقائد شبيهومتكاملة ضمن الدين الإسلامي للمواصلة وعبرحاجز الزمن مع الماضي كالايزيديةوأهلالحقوالكاكئيةوعقائد أخرى. الاستراتيجياتتحتاج دوما دفعاً مالياً اقتصادياً وهذه الاخيرة كانتاحدى اسباب عدم وجودها في الفكر السياسي.

إن الأدب الشفاهي الكوردي تواصل مهم معالماضي فهو تراود من جيل إلى جيل خاصةالحكايات والأشعار والشعر الغنائي والنصوصالمقدسة. رغم إن تلك الأساليب لا تعتبر بالضرورةخطط استراتيجية رسم وخطط لها بالفكر الحديثولكن إن من أهم نتائجها كان بقاء اللغة والثقافةالكوردية واستمرارها لحد يومنا هذا. كان الإحساسالكوردي الفطري الاجتماعي في التعايش بسلام معشعوب المنطقة من جيرانهم أو تلكم الغازينوماأكثرهمالأثر الأكبر على استمرار وجودهم فيالمنطقة. أن الموقع الرابط لكوردستان الجغرافي بينالبحر من ناحية والطريق البري للقوافل التجارية أيامكان التجارة يمر بدرب الحرير قاطعا الطريق منالصين إلى حواضر الشرق ومنها إلى الغربالأوربي أهمية استراتيجية كبيرة يضاف إليهاالطبيعة الجبلية القاسية ووجود الماء والطبيعةالكريمة المعطاة جعلتا أن تصبح عوامل الاستمراربالحياة لهذا الشعب الكريم.

بطبيعة الحال تغير الحال مع سنوات اقتراب انهيارالإمبراطورية العثمانية حيث الوعي القومي والوطنيالذي بدا بالازدياد بين الشعوب التي كانت تحتالسيطرة العثمانية. وكان الكورد كبقية شعوب المنطقةتواقون للاستقلال الوطني وباءت جميع محاولاتهمبالفشل إلا انه نرى بعض بوادر الأمل في اتفاقيةسيفرفي بعض نصوصها حيث يذكر الكوردوحقوقهم بالاسم ووطنهم كوردستان إلا إن الظروفواللعبة الدولية لاحقا وفي مؤتمرلوزان“(1922 -1923 ) أسقطت تلك الأحلام خاصة بالنسبة للكوردضمن الدولة التركية الفتية. وكان للشعور الانتماءالوطني الكوردي  إلى دولة العراق الجديد الأثرالأكبر على نتائج الاستفتاء الذي أجرته عصبة الأممفي كوردستان العراقما يسمى في السياسةبمسالة الموصل أو المسالة الشرقيةحيث اختارالشعب الكوردي الانضواء تحت راية المملكة العراقية. وشارك الشعب الكوردي في جميع هموم الوطنالعراقي من مقارعة الاحتلال والانتداب ومن ثم فيتأسيس الدولة العراقية في 23 آب من عام 1921 وإعلان الملكية ومن ثم الجمهورية وجميع الحكوماتالعراقية المتعاقبة لحد يومنا هذا.

قد يعجبك ايضا