شهد عودة الجابري
الخمرة ، كائنٌ أنا من الظلام،وقد جادلني ذات يوم شخص نبذهُ
الآخرون من أجلي وأطلقوا عليه لقب (الوحشي) لوحشتهِ بينهم وترفعهِ عن مجلسهم ، خاطبهم ذات يوما قائلا :
يا أصحابي والله ما أنا بأحسن منكم ولكني علمت ما يضرني فتجنبته، خوفا من أن تضر افعالي الآخرين وأنا فاقد الرشد والصواب ،بفعلِ تلك التي يطربون لسماع صوت ارتطام الكؤوس وهي تتمايل في داخلها بلونها الذهبي الذي يشبه العسل ولكنها يا إخوتي سمٌ زعاف تسقونه وإذا بعقولكم تصيبها طيرة، الخمرة يا أخوان، ما ادراكم ماهي وما تنطوي عليه من الموبقات والعواقب الوخيمة تجر قدم صاحبها للرذيلة والأوزار، تسحر بغوايتها عقول الشباب المتدين وتزحزحهم عن الصراط ، وأن خضوعهم لهذهِ القوة ماهي إلا بداية استعبادهم من قبل الشيطان وتجنيدهم لباقي المنكرات والاثام ، أن النفس من دون شيءٍ، راغبةً طموح لا يحد لجامها إلا من كان فارسا قد نشأ على ترويضها منذ نعومة اظافره، وسلحَ من قبل والديهِ بالفطرةِ السليمة والروح الشفافة التي تستشعر ربها في كل غمضة عين ،والا النفس راغبةٌ مرغبةَ وحين تسوقها تلك الخمرة لا يلجم رغباتها شيء حتى وأن كانت تلك الرغبات أشدها سوداوية وقتامة وأبشع مخاوف النفس إلا وهي التجاوز على حدود الله التي أمر أن لا تتعدوها قال تعالى :(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا) لا يوقفها شيء فتصل يده الى كل ما يسد به لذات نفسه وشهواتها الحيوانية ، أنها مثل الحشرة التي تنخر الخشب تنخر عظامه وتقتات على دمهِ ولا يهنىء بعد ذلك بالعيش ولا تطيب له بعدها الحياة حتى يفنى.
أما المخدرات التي أصبحت تكثر، وتتكاثر مثل جراثيم يصعب السيطرة عليها بل وقد كونت مناعتها الخاصة ، أصبح الشباب من البنين والبنات ولله المشتكى يتهافتون عليها ، خلسة وبكل مكان لا تطاله عيون المراقبين من ذويهم ومن هم عليهم حفظة . لا يسعني القول أن هذا لا يحدث في بلدي العراق وأنا أرى وأسمع كل يوم بتحول إنسان عاقل كرمه الله على سائر مخلوقاته ، وفضل أن يكون ارذلها خلقا . قد أصبح مجرما قتل أحد والديه ، أو شابة لم تزهر زهور ربيعها قد انتحرت واجرمت بحق نفسها وهي التي كرمت بالروح، هل يفعلها الشخص السليم ؟! ربما ولكن ليس بهذا العدد المهول من الجرائم والسعي وراء شهوات النفس كثر الفساد ولابد من سبب، لا يوجد دخان يعلو ويتصاعد ويكثر وينتشر بيننا، أن لم تكن هناك نار في الأساس.احذروا يا إخوتي مما تكرهوني لترفعي عنه وهي المشروبات الروحية ، وتلك الحبوب المهدئه التي تسمونها مهدئة وماهي إلا نار مستعرة في احشائكم، تتغذى على رغباتكم إللامشروعة وخوفكم ومقتكم لعادات مجتمعكم، ما فرقكم عن الدابة التي توضع في رقبتها حلقة ويسحبها صاحبها حيث يشاء ، ولا تملك من أمر نفسها شيئا ! إذا شئتم بعد ذلك أن تكرهوني اكرهوني ولكنِ والله ما قلت قولي هذا إلا خوفا عليكم وحرصا مني على سلامتكم وسلامة دينكم وأقول قولي هذا وافارق مجلسكم، والسلام .
شهد عودة الجابري