لطيف دلو
وإن كانت قاعدة الحكومة العراقية على اساس ديمقراطي عندما شكلت بريطانيا بعد الاحتلال دولة العراق عام 1921 بنظام ملكي برلماني للمساواة بين مكونات دولة متعددة الاعراق والاديان والطوائف على غرار نظام الحكم لديهم وللتوازن السياسي وخشية من التعصب القبلي من قساوة البدوية للمجتمع ، توجت عليها ملكا من خارج البلاد وأشركت جميع المكونات في الحكومات التي انتخبت في ذلك العصرعلى حد سواء دون المحاصصة ولكن التوجهات القومية كانت مخيمة على النظام والناتجة من مخلفات التعصب القبلي للقساوة البدوية للمجتمع كما قال عنها الدكتور علي الوردي في كتبه اكثر من مرة وأشار إليها الملك فيصل الأول في خطاب له ، لم تترك المجال لبلورة النظام الملكي الدستوري كما في الدول الاوروبية وقام الجنرال بكر صدقي بإنقلاب عسكري عام 1936 لتغيير سياسة نظام الحكم الى الهوية الوطنية وشعار العراق اولا ولكن بنزعة الاتهام بالميول الكوردية جزافا اغتيل عام 1937 من قبل القوميين وإلغاء كافة اصلاحاته ومن أبرزها انتزاع الاراضي من الاقطاعيين وتمليكها للفلاحين وعاد النظام الى سابق عهده ولم تستطع فكرة العراق اولا مجاراة الفكرة القومية وتقول الكاتبة ليورا لوكيتز في اطروحتها لنيل الدكتوراه بعنوان العراق والبحث عن الهوية الوطنية لو كتب لها النجاح كانت ستصبح الاساس الجديد لبلورة هوية وطنية مختلفة للعراق .
بعد اسقاط النظام الملكي في 14 تموز 1958 وتدشين نظام سمي بالجمهوري احكمت الطائفة السنية من تلك القومية سيطرتها على السلطة وحدثت انقلابات عسكرية متسارعة فيها لنقلها الى الاسرة داخل الطائفة وأخيرا وصلت إلى تكوين سلطة دكتاتورية باسم القومية وهمشت جميع مكونات الدولة وافتعلت حربين خليجيتين وتغيير ديمغرافي داخلي بتقطيع اوصال قريبة جدا من محافظاتها ولصقها بمحافظات اخرى بعيدة كل البعد عنها لاسباب طائفية في الوسط والجنوب وفي المناطق الكوردية لتغيير القومية وتهجيرهم واسكان العرب على ممتلكاتهم المغصوبة وتقطيع اوصال مناطقهم لأغراض التعريب خلافا للشرائع السماوية والمفاهيم الانسانية ومنطق العقل والضمير.
بعد سقوط النظام البائد في 9 نيسان 2003 والذي عرف بالنظام الدكتاتوري كما سمته الحكومات التي تلته وفق الانتخابات التي جرت عام 2005 وفق دستور ضامن لحقوق الشعب وترى في ديباجته (بعد اليوم ) لا ظالم ولامظلوم في موطن الانبياء والرسل ومثوى الائمة الاطهار وعرفانا من المشرعين بحق الله عليهم وفي مقدمة مواده الأسلام دين الدولة ومصدر اساس للتشريع وأن لا تتعارض القوانين مع مباديء الديمقراطية ، استنقت هذه الحكومات المواد التي تسندها في الاحكام على السلطة واهمشت المواد التي تخدم الشعب ماديا ومعنويا دون سن قوانين لها خشية من فقدان المركزية ومن اهم المواد التي همشت هي المادة 140 الدستورية الخاصة باعادة الاراض والممتلكات و دور السكن المغتصبة من الكورد وإعادتها اليهم وقد احتم الدستور على تنفيذها في فترة محددة وابقتها السلطة كقنبلة موقوتة بيد المستفيدين من سياسة التعريب يهددون اصحابها الشرعين بمعاونة القوات الامنية وبتحريض من الادارات الحكومية في تلك المناطق ولكن الجانب الكوردي قد اتخذ رباط الجأش لكي لا تعود الاوضاع الى العهود السابقة لسفك دماء اناس لم ينالوا من ثروة البلاد إلاّ الجوع والحرمان.
إن قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل لحكومة دكتاتورية على ارض الواقع وكما سمتها رسميا الحكومات التي تلتها تسقط بسقوط النظام تلقائيا لانها مخالفة للدستور النافذ انذاك ومن قيادة غير منتخبة من الشعب سلطت نفسها على الحكومة والشعب بسياسة الخبز والعصا ومنافيا للشرائع السماوية والمفاهيم الانسانية واجراء للتمزق الاجتماعي ، لا تحتاج الى تشريع قانون لالغاءها بل إلى مرسوم او قرار لتسهيل الاجراءات في الدوائر المعنية وفقا لقاعدة بزوال الظالم يتحرر المظلوم ، واي التفاف حول الموضوع بالتفسير والتاويل فهو التشفي لتلك الجرائم وعودة الدكتاتورية بلباس الديمقراطية والعادة في البدن لاتغيرها أشجان الزمن .